ثم سار أسد الدين شيركوه بعد كسر الفرنج والمصريين إلى الإسكندرية فملكها وجبى أموالها ، واستناب عليها ابن أخيه صلاح الدين يوسف وعاد إلى الصعيد فملكه ، وجمع منه أموالا جزيلة جدا ، فلله الحمد والمنة ثم إن الفرنج والمصريين اجتمعوا على حصارالإسكندرية ثلاثة أشهر لينتزعوها من يد صلاح الدين ، وذلك في غيبة عمه في الصعيد وامتنع بها صلاح الدين ومن معه أشد الامتناع ، ولكن ضاقت عليهم الأقوات وضاق عليهم الحال جدا ، فسار إليهم أسد الدين شيركوه - أيده الله - فصالحه شاور الوزير عن الإسكندرية بخمسين ألف دينار فأجابه ، إلى ذلك وخرج صلاح الدين منها وسلمها إلى المصريين وعاد إلى الشام في منتصف شوال ، وذي القعدة وقرر شاور للفرنج على مصر في كل سنة مائة ألف دينار ، وأن يكون لهم شحنة بالقاهرة ، وعاد الفرنج إلى بلادهم بعد أن كان الملك قد عقبهم في بلادهم ، وافتتح حصونا كثيرة من بلادهم ، وقتل خلقا من رجالهم ، وأسر أمما من [ ص: 423 ] نسائهم وأطفالهم ، وغنم شيئا كثيرا من أمتعتهم وأموالهم ، ولله الحمد ، وكان معه أخوه نور الدين محمود بن زنكي قطب الدين مودود فأطلق له الرقة ، فسار فتسلمها .
وفي هذه السنة في شعبان منها كان قدوم العماد الكاتب من بغداد إلى دمشق وهو أبو حامد محمد بن محمد الأصبهاني ، صاحب " الفتح القدسي " و " البرق الشامي " و " الخريدة " وغير ذلك من المصنفات ، فأنزله قاضي القضاة كمال الدين الشهرزوري بالمدرسة النورية الشافعية داخل باب الفرج ، فنسبت إليه لسكناه بها ، فيقال لها : العمادية ، ثم ولي تدريسها في سنة سبع وستين بعد الشيخ الفقيه ابن عبد ، وأول من جاء للسلام عليه نجم الدين أيوب ; كانت له به معرفة من تكريت ، فامتدحه العماد بقصيدة ذكرها الشيخ شهاب الدين أبو شامة ، وكان أسد الدين شيركوه وصلاح الدين يوسف بمصر فبشره فيها بولاية صلاح الدين الديار المصرية حيث يقول :
ويستقر بمصر يوسف وبه تقر بعد التنائي عين يعقوب ويلتقي يوسف فيها بإخوته
والله يجمعهم من غير تثريب