فتح بلاد النوبة
وفيها أرسل السلطان صلاح الدين أخاه شمس الدولة تورانشاه إلى بلاد النوبة فافتتحها ، واستحوذ على معقلها ، وهو حصن يقال له : إبريم . ولما رآها بلدا قليلة الجدوى لا يفي خراجها بكلفتها ، استخلف على الحصن المذكور رجلا من الأكراد يقال له : إبراهيم . فجعله مقدما مقررا بحصن إبريم ، وانضاف إليه جماعة من الأكراد البطالين ، فكثرت أموالهم وحسنت حالهم هنالك وشنوا الغارات وحصلوا على الغنائم والمسرات ، ولله الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات .
وفيها كانت وفاة الأمير نجم الدين أيوب والد الملك صلاح الدين ، سقط عن فرسه فمات وستأتي ترجمته في الوفيات ، إن شاء الله .
وفيها سار الملك نور الدين إلى بلاد عز الدين قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان السلجوقي ، ملك الروم وافتقد في طريقه بلاده ، وأصلح ما وجده فيها من الخلل . ثم سار فافتتح مرعش وبهسنا ، وعمل في كل منهما بالحسنى .
قال العماد الكاتب : وفي هذه السنة وصل الفقيه الإمام الكبير قطب الدين [ ص: 465 ] النيسابوري ، وهو فقيه عصره ونسيج وحده ، فسر به نور الدين وأنزله بحلب بمدرسة باب العراق ، ثم أطلعه إلى دمشق فدرس بزاوية الجامع الغربية المعروفة ونزل بالشيخ نصر المقدسي ، بمدرسة الجاروخية ، وشرع نور الدين في إنشاء مدرسة كبيرة للشافعية ، فأدركه الأجل قبل ذلك . قال أبو شامة : هي العادلية الكبيرة التي عمرها بعده الملك العادل أبو بكر بن أيوب .
وفيها عاد شهاب الدين بن أبي عصرون من بغداد حين سار بالهناء بالخطبة العباسية بالديار المصرية ، ومعه توقيع من الخليفة بإقطاع درب هارون وصريفين للملك نور الدين ، وقد كانتا قديما لأبيه عماد الدين زنكي ، فأراد الملك نور الدين أن يبني ببغداد مدرسة على دجلة ، ويجعل هذين المكانين وقفا عليها فعاقه القدر عن ذلك ، رحمه الله . وفيها جرت بناحية خوارزم حروب كثيرة بين سلطانشاه وبين أعدائه تقصاها ابن الأثير وابن الساعي .
وفيها هزم ملك الأرمن مليح بن ليون عساكر الروم ، وغنم منهم شيئا كثيرا ، وبعث إلى نور الدين بأموال كثيرة من ذلك ، وبثلاثين رأسا من رءوسهم ، فأرسلها نور الدين إلى الخليفة المستضيء بأمر الله العباسي .
وفيها بعث صلاح الدين سرية صحبة قراقوش مملوك إلى بلاد إفريقية ، فملكوا طائفة كثيرة منها من ذلك مدينة تقي الدين عمر بن شاهنشاه طرابلس الغرب وعدة مدن معها .