البرواناه
في العشر الأول من المحرم .
والملك الظاهر
في العشر الأخير منه . وقد تقدم شيء من ترجمتهما .
الأمير الكبير بدر الدين بيليك بن عبد الله الخزندار
نائب الديار المصرية للملك الظاهر ، كان جوادا ممدحا ، له إلمام ومعرفة بأيام الناس والتواريخ ، وقد وقف درسا بالجامع الأزهر على الشافعية ، ويقال : إنه سم فمات . فلما مات انتقض بعده حبل الملك السعيد ، واضطربت أموره .
قاضي القضاة شمس الدين الحنبلي محمد بن الشيخ العماد أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي
أول من ولي قضاء قضاة الحنابلة بالديار المصرية ، سمع الحديث حضورا على ابن طبرزد وغيره ، ورحل [ ص: 538 ] إلى بغداد واشتغل بالفقه ، وتفنن في علوم كثيرة ، وولي مشيخة سعيد السعداء ، وكان شيخا مهيبا حسن الشيبة ، كثير التواضع والبر والصدقة ، وقد اشترط في قبول الولاية أن لا يكون له عليها جامكية ، ليقوم في الناس بالحق في حكمه ، وقد عزله الظاهر عن القضاء سنة سبعين ، واعتقله بسبب الودائع التي كانت عنده ، ثم أطلقه بعد سنتين ، فلزم منزله ، واستقر بتدريس الصالحية إلى أن توفي في أواخر المحرم ، ودفن عند عمه الحافظ عبد الغني بسفح جبل المقطم ، وقد أجاز . للبرزالي
قال : وفي يوم السبت ثاني عشر ربيع الأول ورد الخبر بموت ستة أمراء من الحافظ البرزالي الديار المصرية; سنقر البغدادي ، وبسطا البلدي التتري ، وبدر الدين الوزيري ، وسنقر الرومي ، وآقسنقر الفارقاني ، رحمهم الله .
الشيخ خضر الكردي شيخ الملك الظاهر : خضر بن أبي بكر بن موسى الكردي المهراني العدوي
ويقال : إن أصله من قرية المحمدية من جزيرة ابن عمر . كان ينسب إليه أحوال ومكاشفات ، ولكنه لما خالط الناس افتتن ببعض بنات الأمراء ، وكان يقول عن الملك الظاهر وهو أمير : إنه سيلي الملك . فلهذا كان الملك الظاهر يعتقده ويبالغ في إكرامه بعد أن ولي المملكة ، ويعظمه [ ص: 539 ] تعظيما زائدا ، وينزل إلى عنده إلى زاويته في الأسبوع مرة أو مرتين ، ويستصحبه معه في كثير من أسفاره ، ويكرمه ويحترمه ويستشيره ، فيشير عليه برأيه ومكاشفات صحيحة مطابقة; إما رحمانية أو شيطانية ، أو حال أو استفادة ، لكنه افتتن لما خالط الناس ببعض بنات الأمراء ، وكن لا يحتجبن منه ، فوقع في الفتنة . وهذا في الغالب واقع في مخالطة الناس ، فلا يسلم المخالط لهم من الفتنة ، ولا سيما مخالطة النساء مع ترك الاحتجاب ، فلا يسلم العبد البتة منهن . فلما وقع ما وقع فيه حوقق عند السلطان وبيسري وقلاوون فاعترف ، فهم بقتله ، فقال له : إنما بيني وبينك أيام قلائل . فأمر بسجنه ، فسجن سنين عديدة من سنة إحدى وسبعين إلى سنة ست وسبعين ، وقد هدم والفارس أقطاي الأتابك ، بالقدس كنيسة ، وذبح قسيسها ، وعملها زاوية ، وقد قدمنا ترجمته قبل ذلك فيما تقدم ، ثم لم يزل مسجونا حتى مات في يوم الخميس سادس المحرم من هذه السنة ، فأخرج من القلعة ، وسلم إلى قرابته ، فدفن في تربة أنشأها في زاويته . مات وهو في عشر الستين ، وقد كان يكاشف السلطان في أشياء ، وإليه تنسب قبة الشيخ خضر التي على الجبل غربي الربوة ، وله زاوية بالقدس الشريف .
الشيخ محيي الدين النووي ، يحيى بن شرف بن مرى بن حسن بن [ ص: 540 ] حسين بن جمعة بن حزام الحزامي العالم ، محيي الدين أبو زكريا النووي ثم الدمشقي الشافعي
العلامة شيخ المذهب ، وكبير الفقهاء في زمانه ، ولد بنوى سنة إحدى وثلاثين وستمائة ، ونوى قرية من قرى حوران ، وقد قدم دمشق سنة تسع وأربعين وقد حفظ القرآن فشرع في قراءة " التنبيه " فيقال : إنه قرأه في أربعة أشهر ونصف ، وقرأ ربع العبادات من " المهذب " في بقية السنة ، ثم لزم المشايخ تصحيحا وشرحا ، فكان يقرأ في كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ ، ثم اعتنى بالتصنيف فجمع شيئا كثيرا ، منها ما أكمله ، ومنها ما لم يكمله ، فمما كمل " شرح مسلم " و " الروضة " و " المنهاج " و " الرياض " و " الأذكار " و " التبيان " و " تحرير التنبيه وتصحيحه " و " تهذيب الأسماء واللغات " و " طبقات الفقهاء " وغير ذلك . ومما لم يتممه - ولو كمل لم يكن له نظير في بابه - " شرح المهذب " الذي سماه " المجموع " وصل فيه إلى كتاب الربا ، فأبدع فيه وأجاد وأفاد وأحسن الانتقاد ، وحرر الفقه فيه في المذهب وغيره ، وحرر فيه الحديث على ما ينبغي ، والغريب واللغة وأشياء مهمة لا توجد إلا فيه ، وقد جعله نخبة على ما عن له ، ولا أعرف في كتب الفقه أحسن منه ، على أنه محتاج إلى أشياء كثيرة تزاد فيه وتضاف إليه .
وقد كان من الزهادة والعبادة والورع والتحري والانجماع عن الناس على جانب كبير ، لا يقدر عليه أحد من الفقهاء غيره ، وكان يصوم الدهر ، [ ص: 541 ] ولا يجمع بين إدامين ، وكان غالب قوته مما يحمله إليه أبوه من نوى ، وقد باشر تدريس الإقبالية نيابة عن ابن خلكان وكذلك ناب في الفلكية والركنية ، وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية ، وكان لا يضيع شيئا من أوقاته ، وحج في مدة إقامته بدمشق ، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر للملوك وغيرهم ، توفي في ليلة أربع وعشرين من رجب من هذه السنة بنوى ، ودفن هناك ، رحمه الله وعفا عنا وعنه .
علي بن علي بن أسفنديار نجم الدين
الواعظ بجامع دمشق أيام السبوت في الأشهر الثلاثة ، وكان شيخ الخانقاه المجاهدية ، وبها توفي في هذه السنة ، وكان فاضلا بارعا ، وكان جده يكتب الإنشاء وأصلهم من للخليفة الناصر ، بوشنج . ومن شعر نجم الدين هذا قوله :
إذا زار بالجثمان غيري فإنني أزور مع الساعات ربعك بالقلب وما كل ناء عن ديار بنازح
ولا كل دان في الحقيقة ذو قرب