ذكر بني العباس ، وكان ظهورهم من الإخبار عن دولة خراسان بالرايات السود في سنة ثنتين وثلاثين ومائة
قال يعقوب بن سفيان : حدثني محمد بن خالد بن العباس ، ثنا حدثني الوليد بن مسلم ، أبو عبد الله ، عن الوليد بن هشام المعيطي ، عن أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال : قدم على عبد الله بن عباس معاوية وأنا حاضر ، فأجازه فأحسن جائزته ، ثم قال : يا أبا العباس ، هل لكم دولة؟ فقال : أعفني يا أمير المؤمنين . فقال : لتخبرني . قال : نعم . فأخبره ، قال : فمن أنصاركم؟ قال : أهل خراسان ، ولبني أمية من بني هاشم بطحات . رواه . وقال البيهقي : أنا ابن عدي محمد بن عبدة بن حرب ، ثنا أنا سويد بن سعيد ، حجاج بن تميم ، عن [ ص: 276 ] ، عن ميمون بن مهران ابن عباس قال : مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وإذا معه جبريل ، وأنا أظنه فقال دحية الكلبي ، جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنه لوسخ الثياب ، وسيلبس ولده من بعده السواد . وذكر تمام الحديث في ذهاب بصره ، ثم عوده إليه قبل موته . قال : تفرد به البيهقي حجاج بن تميم ، وليس بالقوي .
وقال : أنا البيهقي ثنا الحاكم ، أبو بكر بن إسحاق في آخرين قالوا : حدثنا وأبو بكر بن محمد بن أحمد بن بالويه عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا ثنا يحيى بن معين ، عبيد بن أبي قرة ، ثنا الليث بن سعد ، عن عن أبي قبيل ، أبي ميسرة مولى العباس قال : سمعت العباس قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال : " انظر هل ترى في السماء من شيء؟ " قلت : نعم . قال : " ما ترى؟ " قلت : الثريا . قال : " أما إنه سيملك هذه الأمة بعددها من صلبك . قال : البخاري عبيد بن أبي قرة بغدادي سمع الليث ، لا يتابع على حديثه في قصة العباس .
وروى من حديث البيهقي محمد بن عبد الرحمن العامري - وهو ضعيف - عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس : فيكم النبوة وفيكم الملك . [ ص: 277 ] وقال أبو بكر بن أبي خيثمة : ثنا ، ثنا يحيى بن معين سفيان ، عن عن عمرو بن دينار ، أبي معبد قال : قال ابن عباس : كما فتح الله بأولنا فأرجو أن يختمه بنا . هذا إسناد جيد ، وهو موقوف على ابن عباس من كلامه .
وقال يعقوب بن سفيان : حدثني إبراهيم بن أيوب ثنا الوليد ، ثنا عبد الملك بن حميد بن أبي غنية ، عن عن المنهال بن عمرو ، سعيد بن جبير قال : سمعت ابن عباس ونحن نقول : اثني عشر أميرا ثم لا أمير ، واثني عشر أميرا ، ثم هي الساعة . فقال ابن عباس : ما أحمقكم! إن منا أهل البيت بعد ذلك المنصور ، والسفاح ، والمهدي; يدفعها إلى عيسى بن مريم . وهذا أيضا موقوف ، وقد رواه من طريق البيهقي الأعمش ، عن الضحاك ، عن ابن عباس مرفوعا : " منا السفاح ، والمنصور ، والمهدي " . وهذا إسناد ضعيف ، والضحاك لم يسمع من ابن عباس شيئا على الصحيح ، فهو منقطع . والله أعلم .
وقد قال عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، [ ص: 278 ] عن أبي أسماء ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقتل عند كنزكم هذه ثلاثة ، كلهم ولد خليفة ، لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تقبل الرايات السود من خراسان ، فيقتلونكم مقتلة لم يروا مثلها ، ثم يجيء خليفة الله المهدي ، فإذا سمعتم فأتوه فبايعوه ولو حبوا على الثلج ، فإنه خليفة الله المهدي . أخرجه ابن ماجه عن أحمد بن يوسف السلمي ، كلاهما عن ومحمد بن يحيى الذهلي ، عبد الرزاق به . ورواه من طرق ، عن البيهقي عبد الرزاق ، ثم قال : تفرد به عبد الرزاق ، قال : ورواه البيهقي عبد الوهاب بن عطاء ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أسماء ، عن ثوبان موقوفا .
ثم قال : أنا البيهقي علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفار ، ثنا محمد بن غالب ، ثنا كثير بن يحيى ، ثنا شريك ، عن علي بن زيد ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أقبلت الرايات السود من عقب خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج ، فإن فيها خليفة الله المهدي
وقال الحافظ : حدثنا أبو بكر البزار الفضل بن سهل ، ثنا عبد الله بن داهر [ ص: 279 ] الرازي ، ثنا أبي ، عن عن ابن أبي ليلى ، الحكم ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود ، ثم قال : وهذا الحديث لا نعلم رواه عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتية من بني هاشم ، فاغرورقت عيناه ، وذكر الرايات ، قال : " فمن أدركها فليأتها ولو حبوا على الثلج الحكم إلا ولا نعلم يروى إلا من حديث ابن أبي ليلى ، داهر بن يحيى ، وهو من أهل الرأي ، صالح الحديث ، وإنما يعرف من حديث عن يزيد بن أبي زياد ، إبراهيم .
وقال : ثنا الحافظ أبو يعلى أبو هشام محمد بن يزيد بن رفاعة ، ثنا أبو بكر بن عياش ، ثنا عن يزيد بن أبي زياد ، إبراهيم ، عن علقمة ، عن قال : عبد الله ، هو ابن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تجيء رايات سود من قبل المشرق ، تخوض الخيل الدم إلى ثنتها ، يظهرون العدل ، ويطلبون العدل فلا يعطونه ، فيظهرون فيطلب منهم العدل فلا يعطونه . وهذا إسناد حسن .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن غيلان قالا : ثنا وقتيبة بن سعيد ، . قال رشدين بن سعد يحيى بن غيلان في حديثه ، قال : حدثني عن يونس بن يزيد ، ابن شهاب ، عن عن قبيصة ، هو ابن ذؤيب الخزاعي ، عن [ ص: 280 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : أبي هريرة ، يخرج من خراسان رايات سود ، لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء . وقد رواه الترمذي عن قتيبة به ، وقال : غريب . ورواه البيهقي من حديث والحاكم عبد الله بن يوسف ، عن . وقال رشدين بن سعد : تفرد به البيهقي وقد روي قريب من هذا ، عن رشدين بن سعد ، كعب الأحبار ، ولعله أشبه والله أعلم .
ثم روى من طريق يعقوب بن سفيان ، حدثنا محدث عن أبي المغيرة عبد القدوس ، عن إسماعيل بن عياش ، عمن حدثه عن كعب الأحبار قال : لبني العباس حتى ينزلوا تظهر رايات سود بالشام ، ويقتل الله على أيديهم كل جبار وكل عدو لهم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا ثنا عثمان بن أبي شيبة ، جرير ، عن الأعمش ، عن عطية العوفي ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي سعيد الخدري يخرج عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن ، رجل يقال له : السفاح . فيكون إعطاؤه المال حثيا ورواه عن البيهقي عن الحاكم الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، [ ص: 281 ] عن أبي معاوية ، عن الأعمش به . وقال فيه : السفاح " . فذكره ، وهذا الإسناد على شرط أهل السنن ، ولم يخرجوه . " يخرج رجل من أهل بيتي يقال له :
فهذه الأخبار في خروج الرايات السود من خراسان وفي ولاية السفاح ، وهو أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، وقد وقعت ولايته في حدود سنة ثلاثين ومائة ، ثم ظهر بأعوانه ومعهم الرايات السود ، وشعارهم السواد ، كما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر وفوقه عمامة سوداء ، ثم بعث عمه عبد الله لقتال بني أمية ، فكسرهم في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وهرب من المعركة آخر خلفائهم ، وهو ويلقب مروان بن محمد بن مروان ، بمروان الحمار ، ويقال له : مروان الجعدي . لاشتغاله على الجعد بن درهم ، فيما قيل ، ودخل عمه دمشق واستحوذ على ما كان لبني أمية من الملك والأملاك والأموال ، وجرت خطوب كثيرة سنوردها مفصلة في موضعها ، إن شاء الله تعالى .
وقد ورد عن جماعة من السلف في ذكر الرايات السود التي تخرج من خراسان بما يطول ذكره ، وقد استقصى ذلك نعيم بن حماد في كتابه ، وفي بعض الروايات ما يدل على أنه لم يقع أمرها بعد ، وأن ذلك يكون في آخر الزمان ، كما سنورده في موضعه ، إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة وعليه التكلان .
[ ص: 282 ] وقد روى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى تكون الدنيا للكع بن لكع قال أبو معمر : هو أبو مسلم الخراساني . يعني الذي أقام دولة بني العباس .
والمقصود أنه تحولت الدولة من بني أمية إلى بني العباس في هذه السنة ، وكان أول قائم منهم ثم أخوه أبو العباس السفاح ، باني مدينة السلام أبو جعفر عبد الله المنصور بغداد ، ثم ابنه المهدي محمد بن عبد الله ، ثم من بعده ابنه الهادي ، ثم ابنه الآخر هارون الرشيد ثم انتشرت الخلافة في ذريته ، على ما سنفصله إذا وصلنا إلى تلك الأيام ، وقد نطقت هذه الأحاديث التي أوردناها آنفا بالسفاح والمنصور والمهدي ، ولا شك أن ثالث خلفاء المهدي الذي هو ابن المنصور بني العباس ، ليس هو المهدي الذي وردت الأحاديث المستفيضة بذكره وأنه يكون في آخر الزمان ، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، وقد أفردنا للأحاديث الواردة فيه جزءا على حدة ، كما أفرد له أبو داود كتابا في " سننه " ، وقد تقدم في بعض هذه الأحاديث آنفا أنه يسلم الخلافة إلى عيسى ابن مريم إذا نزل إلى الأرض . والله أعلم . وأما السفاح فقد تقدم أنه يكون في آخر الزمان ، فيبعد أن يكون هو الذي بويع أول خلفاء بني العباس ، فقد يكون خليفة آخر ، وهذا هو الظاهر ، فإنه قد روى نعيم بن حماد ، عن ابن وهب ، [ ص: 283 ] عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن عمرو المعافري ، عن تدوم الحميري سمع تبيع بن عامر يقول : يعيش السفاح أربعين سنة ، اسمه في التوراة طائر السماء .
قلت : وقد تكون صفة للمهدي الذي يظهر في آخر الزمان; لكثرة ما يسفح - أي يريق - من الدماء لإقامة العدل ، ونشر القسط ، وتكون الرايات السود المذكورة في هذه الأحاديث ، إن صحت ، هي التي تكون مع المهدي ، ويكون أول ظهور بيعته بمكة ، ثم تكون أنصاره من خراسان كما وقع قديما للسفاح ، والله تعالى أعلم . هذا كله تفريع على صحة هذه الأحاديث ، وإلا فلا يخلو سند منها عن كلام . والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .