[ ص: 247 ] ذكر من
ابن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو الفضل المكي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ووالد الخلفاء توفي من الأعيان في هذه السنة العباسيين ، وكان أسن من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بسنتين أو ثلاث ، بدر ، فافتدى نفسه بمال ، وافتدى ابني أخويه ؛ أسر يوم عقيل بن أبي طالب ، . وقد ذكرنا أنه لما أسر وشد في الوثاق وأمسى الناس أرق رسول ، صلى الله عليه وسلم ، فقيل : يا رسول الله مالك ؟ فقال : ونوفل بن الحارث العباس في وثاقه فلا أنام . فقام رجل من المسلمين فحل من وثاق العباس حتى سكن أنينه ، فنام رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . ثم أسلم عام الفتح وتلقى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى إني أسمع أنين الجحفة ، فرجع معه ، وشهد الفتح . ويقال : إنه أسلم قبل ذلك ولكنه أقام بمكة بإذن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، له في ذلك ، كما ورد به الحديث . فالله أعلم . وقد كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يجله ويعظمه وينزله منزلة الوالد من الولد ، ويقول : هذا بقية آبائي . وكان من أوصل الناس لقريش وأشفقهم عليهم ، وكان ذا [ ص: 248 ] رأي وعقل تام واف ، وكان طويلا جميلا أبيض بضا ذا ضفيرتين ، وكان له من الولد عشرة ذكور سوى الإناث ، وهم تمام - وكان أصغرهم - والحارث ، وعبد الله ، وعبيد الله ، وعبد الرحمن ، وعون ، والفضل ، وقثم ، وكثير ، ومعبد . وأعتق سبعين مملوكا من غلمانه .
وقال الإمام أحمد : ثنا علي بن عبد الله قال : حدثني محمد بن طلحة التميمي من أهل المدينة ، حدثني أبو سهيل نافع بن مالك ، عن عن سعيد بن المسيب ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، سعد بن أبي وقاص للعباس : ، أجود العباس بن عبد المطلب قريش كفا وأوصلها هذا . تفرد به .
وثبت في " الصحيحين " أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال لعمر حين بعثه على الصدقة فقيل : منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله ، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا ؛ وقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله ، وأما العباس فهي علي ومثلها . ثم قال يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه ؟ [ ص: 249 ] وثبت في " صحيح " عن البخاري أنس أن عمر خرج يستسقي وخرج بالعباس معه يستسقي به ، وقال : اللهم إنا كنا إذا قحطنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا . قال : فيسقون .
ويقال : إن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا إذا مرا بالعباس وهما راكبان ترجلا إكراما له . قال الواقدي وغير واحد : توفي العباس في يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب - وقيل : من رمضان - سنة ثنتين وثلاثين عن ثمان وثمانين سنة ، وصلى عليه عثمان بن عفان ، ودفن بالبقيع . وقيل : توفي سنة ثلاث وثلاثين ، وقيل : سنة أربع وثلاثين . وفضائله ومناقبه كثيرة جدا .
عبد الله بن مسعود
ابن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن [ ص: 250 ] مضر ، أبو عبد الرحمن الهذلي ، حليف بني زهرة ، أسلم قديما قبل عمر ، وكان سبب إسلامه حين وأبو بكر ، رضي الله عنه ، وهو يرعى غنما فسألاه لبنا ، فقال : إني مؤتمن . قال فأخذ رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عناقا لم ينز عليها الفحل فاعتقلها ثم حلب وشرب وسقى أبا بكر ، ثم قال للضرع : " اقلص " . فقلص ، فقلت : علمني من هذا الدعاء . فقال : " إنك غليم معلم " الحديث . مر به رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ،
وروى محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه أن ابن مسعود كان أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عند البيت وقريش في أنديتها ؛ قرأ سورة : الرحمن علم القرآن [ الرحمن : 1 ، 2 ] . فقاموا إليه فضربوه .
ولزم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حين أسلم ، وكان يحمل نعليه وسواكه ، وقال له : " . ولهذا كان يقال له : صاحب السواك والسواد . " إذنك علي أن تسمع سوادي
وهاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة ، ثم هاجر إلى المدينة ، وشهد بدرا ، وهو [ ص: 251 ] الذي قتل أبا جهل بعد ما أثبته ابنا عفراء وشهد بقية المشاهد .
وقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يوما : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا [ النساء : 41 ] . وقال : " حسبك فبكى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، " " اقرأ علي " . فقلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ فقال : " إني أحب أن أسمعه من غيري " . فقرأ عليه من أول سورة النساء إلى قوله :
وقال أبو موسى : قدمت أنا وأخي من اليمن وما كنا نظن إلا أن ابن مسعود وأمه من أهل بيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ؛ لكثرة دخولهم بيت النبي ، صلى الله عليه وسلم .
وقال حذيفة : ما رأيت أحدا أشبه برسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في هديه ودله وسمته من ابن مسعود ، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد ، صلى الله عليه وسلم ، أن ابن أم عبد أقربهم إلى الله زلفى . وفي الحديث : ابن أم عبد . وتمسكوا بعهد
وفي الحديث الآخر الذي رواه أحمد ، عن عن محمد بن فضيل ، مغيرة ، عن أم موسى ، عن علي أن ابن مسعود صعد شجرة يجتني الكباث ، فجعل [ ص: 252 ] الناس يعجبون من دقة ساقيه ، فقال رسول الله : والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد
وقال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه - وقد نظر إلى قصره وكان يوازي بقامته الجلوس - فجعل يتبعه بصره ثم قال : . هو كنيف ملئ علما
وقد شهد ابن مسعود بعد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، مواقف كثيرة ؛ منها اليرموك وغيرها ، وكان قد قدم من العراق حاجا فمر بالربذة فشهد وفاة أبي ذر ودفنه ، ثم قدم إلى المدينة ، فمرض بها ، فجاءه عثمان بن عفان عائدا ، فيروى أنه قال له : ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي . قال : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي . قال : ألا آمر لك بطبيب ؟ فقال : الطبيب أمرضني . قال : ألا آمر لك بعطائك - وكان قد تركه سنتين ؟ فقال : لا حاجة لي فيه . فقال : يكون لبناتك من بعدك . فقال : أتخشى على بناتي الفقر ؟ إني أمرت بناتي أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة ، وإني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا .
وأوصى إلى عبد الله بن مسعود فيقال : إنه هو الذي صلى عليه ليلا ثم عاتب الزبير بن العوام ، عثمان الزبير على ذلك . وقيل : بل صلى عليه عثمان . وقيل : عمار . فالله أعلم ، ودفن بالبقيع عن بضع وستين سنة .
[ ص: 253 ] عبد الرحمن بن عوف
ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة أبو محمد القرشي الزهري ، أسلم قديما على يدي أبي بكر ، وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة ، وآخى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بينه وبين سعد بن الربيع ، وشهد بدرا وما بعدها ، وأمره رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حين بعثه إلى بني كلب ، وأرخى له عذبة بين كتفيه ؛ لتكون أمارة عليه للإمارة ، وهو ، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام ، وأحد الستة أصحاب الشورى ، ثم أحد الثلاثة الذين انتهت إليهم منهم ، كما ذكرنا . ثم كان هو الذي اجتهد في تقديم أحد العشرة المشهود لهم بالجنة عثمان ، رضي الله عنه ، وقد تقاول هو في بعض الغزوات فأغلظ له وخالد بن الوليد خالد في المقال ، فلما بلغ ذلك رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه . وهو في " الصحيح " . وقال معمر عن الزهري : تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بشطر ماله ؛ أربعة آلاف ، ثم تصدق بأربعين ألفا ، ثم تصدق بأربعين ألف دينار ، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله ، ثم حمل [ ص: 254 ] على خمسمائة راحلة في سبيل الله ، وكان عامة ماله من التجارة .
فأما الحديث الذي قال عبد بن حميد في " مسنده " : ثنا يحيى بن إسحاق ، ثنا عمارة بن زاذان ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، أن عبد الرحمن بن عوف لما هاجر آخى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بينه وبين عثمان بن عفان فقال له : إن لي حائطين فاختر أيهما شئت . فقال : بارك الله لك في حائطيك ، ما لهذا أسلمت دلني على السوق . قال : فدله ، فكان يشتري السمينة والأقيطة والإهاب ، فجمع فتزوج ، فأتى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : بارك الله لك . أولم ولو بشاة . قال فكثر ماله حتى قدمت له سبعمائة راحلة تحمل البر وتحمل الدقيق والطعام . قال : فلما دخلت المدينة سمع لأهل المدينة رجة ، فقالت عائشة : ما هذه الرجة ؟ فقيل لها : عير قدمت سبعمائة تحمل البر والدقيق والطعام . لعبد الرحمن بن عوف فقالت عائشة : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يدخل عبد الرحمن بن عوف الجنة حبوا . فلما بلغ ذلك عبد الرحمن قال : أشهدك يا أمه أنها بأحمالها وأحلاسها وأقتابها في سبيل الله .
وقال الإمام أحمد : ثنا عبد الصمد بن حسان ، ثنا عمارة - هو ابن زاذان - عن ثابت ، عن أنس قال : بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتا في المدينة فقالت : ما هذا ؟ قالوا : عير قدمت من لعبد الرحمن بن عوف الشام تحمل [ ص: 255 ] كل شيء - قال : وكانت سبعمائة بعير - قال : فارتجت المدينة من الصوت ، فقالت عائشة : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا . فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف قال : لئن استطعت لأدخلنها قائما . فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله . فقد تفرد به عمارة بن زاذان الصيدلاني وهو ضعيف . وقوله في سياق عبد بن حميد : إنه آخى بينه وبين عثمان بن عفان . فغلط محض مخالف لما في " صحيح " من أن الذي آخى بينه وبينه إنما هو البخاري رضي الله عنهما . وثبت في " الصحيح " سعد بن الربيع الأنصاري ، . وهذه منقبة عظيمة لا تبارى . أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، صلى وراءه الركعة الثانية من صلاة الفجر في بعض الأسفار
ولما حضرته الوفاة أوصى لكل رجل ممن بقي من أهل بدر بأربعمائة دينار - وكانوا مائة - فأخذوها حتى عثمان وعلي . وقال علي : اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوها ، وسبقت رنقها . حتى كانت وأوصى لكل امرأة من أمهات المؤمنين بمبلغ كثير عائشة تقول : سقاه الله من السلسبيل . وأعتق خلقا من مماليكه ، ثم ترك بعد ذلك كله مالا جزيلا ؛ من ذلك ذهب قطع [ ص: 256 ] بالفئوس حتى مجلت أيدي الرجال ، وترك ألف بعير ومائة فرس ، وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع ، وكان نساؤه أربعا ، فصولحت إحداهن من ربع الثمن بثمانين ألفا .
ولما مات صلى عليه عثمان بن عفان ، وحمل في جنازته ودفن بالبقيع عن خمس وسبعين سنة . سعد بن أبي وقاص ،
وكان أبيض مشربا حمرة ، حسن الوجه ، رقيق البشرة ، أعين ، أهدب الأشفار ، أقنى ، له جمة ، ضخم الكفين ، غليظ الأصابع ، لا يغير شيبه ، رضي الله عنه .
أبو ذر الغفاري واسمه على المشهور . أسلم قديما بمكة فكان رابع أربعة أو خامس خمسة ، وقصة إسلامه تقدمت قبل الهجرة ، وهو أول من حيا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بتحية الإسلام ، ثم رجع إلى بلاده وقومه ، فكان هناك حتى هاجر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى جندب بن جنادة ، المدينة ، فهاجر بعد الخندق ، ثم لزم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حضرا وسفرا ، وروى عنه أحاديث كثيرة . وجاء في فضله أحاديث كثيرة ؛ من أشهرها ما رواه الأعمش ، عن أبي اليقظان عثمان بن عمير ، عن [ ص: 257 ] أبي حرب بن أبي الأسود عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر . وفيه ضعف . ثم لما مات رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ومات أبو بكر خرج إلى الشام فكان فيه حتى وقع بينه وبين معاوية فاستقدمه عثمان إلى المدينة ، ثم نزل بالربذة فأقام بها حتى مات في ذي الحجة من هذه السنة ، وليس عنده سوى امرأته وأولاده ، فبينما هم كذلك لا يقدرون على دفنه إذ قدم من عبد الله بن مسعود العراق في جماعة من أصحابه ، فحضروا موته وأوصاهم كيف يفعلون به . وقيل : قدموا بعد موته ، فولوا غسله ودفنه . وكان قد أمر أهله أن يطبخوا لهم شاة من غنمه ليأكلوها بعد الموت . قد أرسل عثمان بن عفان إلى أهله فضمهم إلى أهله