[ ص: 633 ]
ثم دخلت سنة أربع وستين
ففيها في أول المحرم منها سار
مسلم بن عقبة - بعد فراغه من حرب
أهل المدينة - إلى
مكة قاصدا
nindex.php?page=treesubj&link=31668قتال ابن الزبير ومن التف عليه من الأعراب على مخالفة
يزيد بن معاوية ، واستخلف عليها
روح بن زنباع ، فلما بلغ
ثنية هرشى بعث إلى رءوس الأجناد فجمعهم ، فقال : إن أمير المؤمنين عهد إلي إن حدث بي حدث الموت أن أستخلف عليكم
حصين بن نمير السكوني ، ووالله لو كان الأمر لي ما فعلت . ثم دعا به فقال : انظر يابن بردعة الحمار فاحفظ ما أوصيك به . ثم أمره إذا وصل
مكة أن يناجز
ابن الزبير قبل ثلاث ، ثم قال : اللهم إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن
محمدا عبده ورسوله أحب إلي من قتلي
أهل المدينة ولا أرجى عندي في الآخرة ، وإن دخلت النار بعد ذلك إني لشقي . ثم مات ، قبحه الله ، ودفن بالمشلل . فيما قاله
[ ص: 634 ] الواقدي .
وسار
حصين بن نمير بالجيش نحو
مكة ، فانتهى إليها لأربع بقين من المحرم فيما قاله
الواقدي . وقيل : لسبع مضين منه . وقد تلاحق
بابن الزبير جماعات ممن بقي من أشراف
أهل المدينة وانضاف إليه أيضا
نجدة بن عامر الحنفي من
أهل اليمامة في طائفة من أهلها ; ليمنعوا البيت من
أهل الشام ، فنزل
حصين بن نمير ظاهر مكة ، وخرج إليه
ابن الزبير في
أهل مكة ومن التف معه ، فاقتتلوا ذلك اليوم قتالا شديدا ، وتبارز
المنذر بن الزبير ورجل من
أهل الشام فقتل كل واحد منهما صاحبه ، وحمل
أهل الشام حملة صادقة ، فانكشف
أهل مكة ، وعثرت بغلة
عبد الله بن الزبير به ، فكر عليه
المسور بن مخرمة ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف وطائفة ، فقاتلوا دونه حتى قتلوا جميعا ، وصابرهم
ابن الزبير حتى الليل ، فانصرفوا عنه ، ثم اقتتلوا في بقية شهر المحرم وصفرا بكماله ، فلما كان يوم السبت ثالث ربيع الأول سنة أربع وستين ، نصبوا المجانيق على
الكعبة ، ورموها حتى بالنار ، فاحترق جدار البيت في يوم السبت - هكذا قال
الواقدي - وهم يقولون :
[ ص: 635 ] خطارة مثل الفنيق المزبد نرمي بها أعواد هذا المسجد
وجعل
عمرو بن حوطة السدوسي يقول :
كيف ترى صنيع أم فروه تأخذهم بين الصفا والمروه
وأم فروة اسم المنجنيق ، وقيل : إنما احترقت ; لأن أهل المسجد جعلوا يوقدون النار وهم حول
الكعبة ، فعلقت النار في بعض أستار
الكعبة ، فسرت إلى أخشابها وسقوفها فاحترقت . وقيل : إنما احترقت لأن
ابن الزبير سمع التكبير على بعض جبال
مكة في ليلة ظلماء ، فظن أنهم
أهل الشام ، فرفعت نار على رمح لينظروا من هؤلاء الذين على الجبل ، فأطارت الريح شررة من رأس الرمح إلى ما بين الركن اليماني والأسود من
الكعبة ، فعلقت في أستارها وأخشابها ، فاحترقت واسود الركن ، وانصدع في ثلاثة أمكنة منه .
واستمر الحصار إلى مستهل ربيع الآخر ، وجاء الناس نعي
يزيد بن معاوية ، وأنه قد مات لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين ، وهو ابن خمس أو ثمان أو تسع وثلاثين سنة ، فكانت ولايته ثلاث سنين وستة أو ثمانية أشهر ، فحينئذ خمدت الحرب وطفئت نار الفتنة ، ويقال : إنهم مكثوا يحاصرون
ابن الزبير بعد موت
يزيد أربعين ليلة . ويذكر أن
ابن الزبير [ ص: 636 ] علم بموت
يزيد قبل
أهل الشام ، فنادى فيهم : يا
أهل الشام ، قد أهلك الله طاغيتكم ، فمن أحب منكم أن يدخل فيما دخل فيه الناس فليفعل ، ومن أحب أن يرجع إلى شامه فليرجع . فلم يصدق الشاميون
أهل مكة فيما أخبروهم به ، حتى جاء
ثابت بن قيس بن المنقع بالخبر اليقين . ويذكر أن
حصين بن نمير دعاه
ابن الزبير ليحدثه بين الصفين ، فاجتمعا حتى اختلفت رءوس فرسيهما ، وجعلت فرس
حصين تنفر ويكفها ، فقال له
ابن الزبير : ما لك ؟ فقال : إن الحمام تحت رجلي فرسي تأكل من الروث ، فأكره أن أطأ حمام الحرم . فقال له : تفعل هذا وأنت تقتل المسلمين ؟ ! فقال له
حصين : فأذن لنا فلنطف
بالكعبة ثم نرجع إلى بلادنا . فأذن لهم فطافوا .
وذكر
ابن جرير أن
حصينا وابن الزبير اتعدا ليلة أن يجتمعا ، فاجتمعا بظاهر
مكة ، فقال له
حصين : إن كان هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الأمر بعده ، فهلم فارحل معي إلى
الشام ، فوالله لا يختلف عليك اثنان .
[ ص: 637 ] فيقال : إن
ابن الزبير لم يثق منه بذلك ، وأغلظ له في المقال ، فنفر منه
ابن نمير ، وقال : أنا أدعوه إلى الخلافة ، وهو يغلظ لي في المقال ؟ ! ثم كر بالجيش راجعا إلى
الشام ، وقال : أعده بالملك ويتواعدني بالقتل ؟ ! ثم ندم
ابن الزبير على ما كان منه إليه من الغلظة ، فبعث إليه يقول له : أما
الشام فلست آتيه ، ولكن خذ لي البيعة على من هناك ، فإني أؤمنكم وأعدل فيكم ، فبعث إليه يقول له : إن من يبتغيها من أهل هذا البيت
بالشام لكثير . فرجع فاجتاز
بالمدينة ، فطمع فيه أهلها وأهانوهم إهانة بالغة ، وأكرمهم
علي بن الحسين ، وأهدى
لحصين بن نمير قتا وعلفا ، وارتحلت
بنو أمية مع الجيش إلى
الشام ، فرجعوا إليه وقد استخلف
بدمشق nindex.php?page=showalam&ids=17113معاوية بن يزيد بن معاوية عن وصية من أبيه له بذلك . والله سبحانه أعلم بالصواب .
[ ص: 633 ]
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ
فَفِيهَا فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا سَارَ
مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ - بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ حَرْبِ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ - إِلَى
مَكَّةَ قَاصِدًا
nindex.php?page=treesubj&link=31668قِتَالَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمَنِ الْتَفَّ عَلَيْهِ مِنَ الْأَعْرَابِ عَلَى مُخَالَفَةِ
يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا
رَوْحَ بْنَ زِنْبَاعٍ ، فَلَمَّا بَلَغَ
ثَنِيَّةَ هَرْشَى بَعَثَ إِلَى رُءُوسِ الْأَجْنَادِ فَجَمَعَهُمْ ، فَقَالَ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَهِدَ إِلَيَّ إِنْ حَدَثَ بِي حَدَثُ الْمَوْتِ أَنْ أَسْتَخْلِفَ عَلَيْكَمْ
حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ السَّكُونِيَّ ، وَوَاللَّهِ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ لِي مَا فَعَلْتُ . ثُمَّ دَعَا بِهِ فَقَالَ : انْظُرْ يَابْنَ بَرْدَعَةِ الْحِمَارِ فَاحْفَظْ مَا أُوصِيكَ بِهِ . ثُمَّ أَمَرَهُ إِذَا وَصَلَ
مَكَّةَ أَنْ يُنَاجِزَ
ابْنَ الزُّبَيْرِ قَبْلَ ثَلَاثٍ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَعْمَلْ عَمَلًا قَطُّ بَعْدَ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ قَتْلِي
أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَلَا أَرْجَى عِنْدِي فِي الْآخِرَةِ ، وَإِنْ دَخَلْتُ النَّارَ بَعْدَ ذَلِكَ إِنِّي لَشَقِيٌّ . ثُمَّ مَاتَ ، قَبَّحَهُ اللَّهُ ، وَدُفِنَ بِالْمُشَلَّلِ . فِيمَا قَالَهُ
[ ص: 634 ] الْوَاقِدِيُّ .
وَسَارَ
حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ بِالْجَيْشِ نَحْوَ
مَكَّةَ ، فَانْتَهَى إِلَيْهَا لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ فِيمَا قَالَهُ
الْوَاقِدِيُّ . وَقِيلَ : لِسَبْعٍ مَضَيْنَ مِنْهُ . وَقَدْ تَلَاحَقَ
بِابْنِ الزُّبَيْرِ جَمَاعَاتٌ مِمَّنْ بَقِيَ مِنْ أَشْرَافِ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَانْضَافَ إِلَيْهِ أَيْضًا
نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ الْحَنَفِيُّ مِنْ
أَهْلِ الْيَمَامَةِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِهَا ; لِيَمْنَعُوا الْبَيْتَ مِنْ
أَهْلِ الشَّامِ ، فَنَزَلَ
حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ ظَاهِرَ مَكَّةَ ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ
ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي
أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنِ الْتَفَّ مَعَهُ ، فَاقْتَتَلُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا ، وَتَبَارَزَ
الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَرَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ الشَّامِ فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ، وَحَمَلَ
أَهْلُ الشَّامِ حَمْلَةً صَادِقَةً ، فَانْكَشَفَ
أَهْلُ مَكَّةَ ، وَعَثَرَتْ بَغْلَةُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِهِ ، فَكَرَّ عَلَيْهِ
الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَمُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَطَائِفَةٌ ، فَقَاتَلُوا دُونَهُ حَتَّى قُتِلُوا جَمِيعًا ، وَصَابَرَهُمُ
ابْنُ الزُّبَيْرِ حَتَّى اللَّيْلِ ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ ، ثُمَّ اقْتَتَلُوا فِي بَقِيَّةِ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ وَصَفَرًا بِكَمَالِهِ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ ثَالِثُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ ، نَصَبُوا الْمَجَانِيقَ عَلَى
الْكَعْبَةِ ، وَرَمَوْهَا حَتَّى بِالنَّارِ ، فَاحْتَرَقَ جِدَارُ الْبَيْتِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ - هَكَذَا قَالَ
الْوَاقِدِيُّ - وَهُمْ يَقُولُونَ :
[ ص: 635 ] خَطَّارَةٌ مِثْلُ الْفَنِيقِ الْمُزْبِدِ نَرْمِي بِهَا أَعْوَادَ هَذَا الْمَسْجِدِ
وَجَعَلَ
عَمْرُو بْنُ حَوْطَةَ السَّدُوسِيُّ يَقُولُ :
كَيْفَ تَرَى صَنِيعَ أُمِّ فَرْوَهْ تَأْخُذُهُمْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَهْ
وَأُمُّ فَرْوَةَ اسْمُ الْمَنْجَنِيقِ ، وَقِيلَ : إِنَّمَا احْتَرَقَتْ ; لِأَنَّ أَهْلَ الْمَسْجِدِ جَعَلُوا يُوقِدُونَ النَّارَ وَهُمْ حَوْلَ
الْكَعْبَةِ ، فَعَلِقَتِ النَّارُ فِي بَعْضِ أَسْتَارِ
الْكَعْبَةِ ، فَسَرَتْ إِلَى أَخْشَابِهَا وَسُقُوفِهَا فَاحْتَرَقَتْ . وَقِيلَ : إِنَّمَا احْتَرَقَتْ لِأَنَّ
ابْنَ الزُّبَيْرِ سَمِعَ التَّكْبِيرَ عَلَى بَعْضِ جِبَالِ
مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ ، فَظَنَّ أَنَّهُمْ
أَهْلُ الشَّامِ ، فَرُفِعَتْ نَارٌ عَلَى رُمْحٍ لِيَنْظُرُوا مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَلَى الْجَبَلِ ، فَأَطَارَتِ الرِّيحُ شَرَرَةً مِنْ رَأَسِ الرُّمْحِ إِلَى مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْأَسْوَدِ مِنَ
الْكَعْبَةِ ، فَعَلِقَتْ فِي أَسْتَارِهَا وَأَخْشَابِهَا ، فَاحْتَرَقَتْ وَاسْوَدَّ الرُّكْنُ ، وَانْصَدَعَ فِي ثَلَاثَةِ أَمْكِنَةٍ مِنْهُ .
وَاسْتَمَرَّ الْحِصَارُ إِلَى مُسْتَهَلِّ رَبِيعٍ الْآخِرِ ، وَجَاءَ النَّاسَ نَعْيُ
يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، وَأَنَّهُ قَدْ مَاتَ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً ، فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ وَسِتَّةً أَوْ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ ، فَحِينَئِذٍ خَمَدَتِ الْحَرْبُ وَطَفِئَتْ نَارُ الْفِتْنَةِ ، وَيُقَالُ : إِنَّهُمْ مَكَثُوا يُحَاصِرُونَ
ابْنَ الزُّبَيْرِ بَعْدَ مَوْتِ
يَزِيدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً . وَيُذْكَرُ أَنَّ
ابْنَ الزُّبَيْرِ [ ص: 636 ] عَلِمَ بِمَوْتِ
يَزِيدَ قَبْلَ
أَهْلِ الشَّامِ ، فَنَادَى فِيهِمْ : يَا
أَهْلَ الشَّامِ ، قَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ طَاغِيَتَكُمْ ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَدْخُلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى شَامِهِ فَلْيَرْجِعْ . فَلَمْ يُصَدِّقِ الشَّامِيُّونَ
أَهْلَ مَكَّةَ فِيمَا أَخْبَرُوهُمْ بِهِ ، حَتَّى جَاءَ
ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْمُنَقَّعِ بِالْخَبَرِ الْيَقِينِ . وَيُذْكَرُ أَنَّ
حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ دَعَاهُ
ابْنُ الزُّبَيْرِ لِيُحَدِّثَهُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ ، فَاجْتَمَعَا حَتَّى اخْتَلَفَتْ رُءُوسُ فَرَسَيْهِمَا ، وَجَعَلَتْ فَرَسُ
حُصَيْنٍ تَنْفِرُ وَيَكُفُّهَا ، فَقَالَ لَهُ
ابْنُ الزُّبَيْرِ : مَا لَكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّ الْحَمَامَ تَحْتَ رِجْلَيْ فَرَسِي تَأْكُلُ مِنَ الرَّوَثِ ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَطَأَ حَمَامَ الْحَرَمِ . فَقَالَ لَهُ : تَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ تَقْتُلُ الْمُسْلِمِينَ ؟ ! فَقَالَ لَهُ
حُصَيْنٌ : فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَطُفْ
بِالْكَعْبَةِ ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَى بِلَادِنَا . فَأَذِنَ لَهُمْ فَطَافُوا .
وَذَكَرَ
ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ
حُصَيْنًا وَابْنَ الزُّبَيْرِ اتَّعَدَا لَيْلَةً أَنْ يَجْتَمِعَا ، فَاجْتَمَعَا بِظَاهِرِ
مَكَّةَ ، فَقَالَ لَهُ
حُصَيْنٌ : إِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ هَلَكَ فَأَنْتَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ بَعْدَهُ ، فَهَلُمَّ فَارْحَلْ مَعِي إِلَى
الشَّامِ ، فَوَاللَّهِ لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ اثَنَانِ .
[ ص: 637 ] فَيُقَالُ : إِنَّ
ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يَثِقْ مِنْهُ بِذَلِكَ ، وَأَغْلَظَ لَهُ فِي الْمَقَالِ ، فَنَفَرَ مِنْهُ
ابْنُ نُمَيْرٍ ، وَقَالَ : أَنَا أَدْعُوهُ إِلَى الْخِلَافَةِ ، وَهُوَ يُغْلِظُ لِي فِي الْمَقَالِ ؟ ! ثُمَّ كَرَّ بِالْجَيْشِ رَاجِعًا إِلَى
الشَّامِ ، وَقَالَ : أَعِدُهُ بِالْمُلْكِ وَيَتَوَاعَدُنِي بِالْقَتْلِ ؟ ! ثُمَّ نَدِمَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ مِنَ الْغِلْظَةِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ يَقُولُ لَهُ : أَمَّا
الشَّامُ فَلَسْتُ آتِيهِ ، وَلَكِنْ خُذْ لِيَ الْبَيْعَةَ عَلَى مَنْ هُنَاكَ ، فَإِنِّي أُؤَمِّنُكُمْ وَأَعْدِلُ فِيكُمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ يَقُولُ لَهُ : إِنَّ مَنْ يَبْتَغِيهَا مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ
بِالشَّامِ لَكَثِيرٌ . فَرَجَعَ فَاجْتَازَ
بِالْمَدِينَةِ ، فَطَمِعَ فِيهِ أَهْلُهَا وَأَهَانُوهُمْ إِهَانَةً بَالِغَةً ، وَأَكْرَمَهُمْ
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، وَأَهْدَى
لِحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ قَتًّا وَعَلَفًا ، وَارْتَحَلَتْ
بَنُو أُمَيَّةَ مَعَ الْجَيْشِ إِلَى
الشَّامِ ، فَرَجَعُوا إِلَيْهِ وَقَدِ اسْتُخْلِفَ
بِدِمَشْقَ nindex.php?page=showalam&ids=17113مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ وَصِيَّةٍ مِنْ أَبِيهِ لَهُ بِذَلِكَ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .