9743 عبد الرزاق ، عن معمر ، عن في حديثه عن الزهري عروة قال : قريش بمن آمن من قبائلهم يعذبونهم ويسجنونهم ، وأرادوا فتنتهم عن دينهم قال : فبلغنا أن قالوا : فأين نذهب يا رسول الله ؟ قال : " هاهنا " وأشار بيده إلى أرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للذين آمنوا به : " تفرقوا في الأرض " الحبشة وكانت أحب الأرض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهاجر قبلها فهاجر ناس ذو عدد ، منهم من هاجر بأهله ، ومنهم من هاجر بنفسه حتى قدموا أرض الحبشة ، قال : فخرج في الهجرة الزهري بامرأته جعفر بن أبي طالب [ ص: 385 ] أسماء بنت عميس الخثعمية رحمه الله بامرأته وعثمان بن عفان ، وخرج فيها رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأته خالد بن سعيد بن العاص أميمة ابنة خلف ، وخرج فيها أبو سلمة بامرأته ، ورجل من أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة قريش خرجوا بنسائهم ، فولد بها عبد الله بن جعفر ، وولدت بها أمة ابنة خالد بن سعيد أم عمرو بن الزبير ، وخالد بن الزبير ، وولد بها الحارث بن حاطب في ناس من قريش ولدوا بها . فلما كثر المسلمون ، وظهر الإيمان فتحدث به المشركون من كفار
قال : وأخبرني الزهري أن عروة بن الزبير عائشة قالت : أبو بكر رضي الله عنه مهاجرا قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة ، وهو سيد القارة ، فقال [ ص: 386 ] ابن الدغنة : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي ، فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي ، فقال ابن الدغنة : مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار ، فارجع فاعبد ربك ببلدك ، فارتحل ابن الدغنة ورجع مع أبي بكر ، فطاف ابن الدغنة في كفار قريش فقال : إن أبا بكر خرج ولا يخرج مثله ، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق ، فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة ، وأمنوا أبا بكر ، وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ، وليصل فيها ما شاء ، ولا يؤذينا ، ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره ، ففعل ثم بدا لأبي بكر فبنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناءهم يعجبون منه وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن ، فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا : إنما أجرنا أبا بكر على أن يعبد الله [ ص: 387 ] في داره ، وإنه قد جاوز ذلك وبنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة ، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فأته ، فأمره فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد الله في داره فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فاسأله أن يرد عليك ذمتك فإنا قد كرهنا خفرك و [ لسنا ] مقرين لأبي بكر بالاستعلان قالت : عائشة : فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : يا أبا بكر قد علمت الذي عقدت لك إما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلي ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في عهد رجل عقدت له ، فقال أبو بكر : فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين : " وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، ورجع إلى إني قد أريت دار هجرتكم إني أريت دارا سبخة ذات نخل بين لابتين " المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين ، وتجهز أبو بكر مهاجرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي " ، فقال أبو بكر : أترجو ذلك يا نبي الله ؟ قال : " نعم " ، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف أبو بكر راحلتين كانتا عنده ورق [ ص: 388 ] السمر أربعة أشهر . قال لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلي المسلمون خرج : قال الزهري عروة : قالت عائشة : لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا رأسه في ساعة لم يكن يأتينا فيها ، فقال أبو بكر : فدا له أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة إلا أمر قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل ، فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فإنه قد أذن لي في الخروج " فقال أبو بكر فالصحابة بأبي أنت يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم " فقال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله وأمي إحدى راحلتي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بالثمن " قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز فصنعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت من نطاقها فأوكت به الجراب ، فلذلك كانت [ ص: 389 ] تسمى ذات النطاقين ، ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت أبي بكر وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور ، فمكثا فيه ثلاث ليال .
قال فبينا نحن يوما جلوسا في بيتنا في نحر الظهيرة قال قائل معمر : وأخبرني عثمان الجزري أن مقسما مولى ابن عباس أخبره قال : تشاورت وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك قريش بمكة فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : بل اقتلوه ، وقال بعضهم : أن أخرجوه فأطلع الله نبيه على ذلك فبات [ علي ] على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا : أين صاحبك هذا ؟ قال : لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل ، اختلط عليهم الأمر فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل هاهنا لم يكن بنسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاثا .
قال في قوله : معمر : قال قتادة : فقالوا : لا يدخل معكم أحد ليس منكم فدخل معهم الشيطان [ ص: 390 ] في صورة شيخ من أهل دخلوا في دار الندوة يأتمرون بالنبي صلى الله عليه وسلم نجد فقال بعضهم : ليس عليكم من هذا عين ، هذا رجل من أهل نجد قال : فتشاوروا فقال رجل منهم : أرى أن تركبوه بعيرا ثم تخرجوه فقال الشيطان : بئسما رأى هذا ، هو هذا قد كان يفسد ما بينكم وهو بين أظهركم فكيف إذا أخرجتموه فأفسد الناس ، ثم حملهم عليكم يقاتلوكم فقالوا : نعم ما رأى هذا الشيخ ، فقال قائل آخر : فإني أرى أن تجعلوه في بيت وتطينوا عليه بابه وتدعوه فيه حتى يموت ، فقال الشيطان : بئس ما رأى هذا ، أفترى قومه يتركونه فيه أبدا لا بد أن يغضبوا له فيخرجوه ، فقال أبو جهل : أرى أن تخرجوا من كل قبيلة رجلا ثم يأخذوا أسيافهم فيضربونه ضربة واحدة فلا يدرى من قتله فتدونه فقال الشيطان : نعم ما رأى هذا ، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فخرج هو وأبو بكر إلى غار في الجبل يقال له ثور ، ونام [ علي ] على فراش النبي صلى الله عليه وسلم وباتوا يحرسونه يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبحوا قام علي لصلاة الصبح بادروا إليه فإذا هم بعلي فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري فاقتصوا أثره حتى بلغوا الغار ثم رجعوا فمكث فيه هو وأبو بكر ثلاث ليال .
قال معمر : قال في حديثه عن الزهري عروة : وهو غلام شاب لقن ثقف فيخرج من عندهما سحرا فيصبح عند عبد الله بن أبي بكر قريش بمكة [ ص: 391 ] كبائت ، فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب ساعة من الليل فيبيتان في رسلها حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس ، يفعل ذلك كل ليلة من الليالي الثلاث .
واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل من بني عبد بن عدي هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ، فأتى غارهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث ، فارتحلا [ ص: 392 ] وانطلق معهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر والدليل الديلي ، فأخذ بهم طريق أذاحر وهو طريق الساحل . فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما
قال معمر : قال : فأخبرني الزهري عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن جعشم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة يقول : قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتلهما أو أسرهما قال : فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي من كفار بني مدلج ، أقبل رجل منهم حتى قام علينا فقال : يا سراقة إني رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمد وأصحابه قال سراقة : فعرفت أنهم هم فقلت : إنهم ليسوا بهم ، ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بغاة قال : ثم ما لبثت في المجلس إلا ساعة حتى قمت فدخلت بيتي فأمرت جاريتي أن تخرج لي فرسي وهي من وراء أكمة تحبسها علي ، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت [ ص: 393 ] فخططت بزجي بالأرض وخفضت عليه الرمح ، حتى أتيت فرسي فركبتها ، فرفعتها تقرب بي حتى رأيت أسودتهم ، حتى [ إذا ] دنوت منهم حيث يسمعون الصوت ، عثرت بي فرسي فخررت عنها ، فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها - أي الأزلام - فاستقسمت بها أضرهم أم لا ، فخرج الذي أكره لا أضرهم فركبت فرسي ، وعصيت الأزلام فرفعتها تقرب بي أيضا حتى إذا دنوت [ و ] سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغت الركبتين ، فخررت عنها ، فزجرتها فنهضت فلم تكد تخرج [ ص: 394 ] يداها ، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان .
قال معمر : قلت : ما العثان ؟ فسكت ساعة ثم قال : هو الدخان من غير نار ، قال لأبي عمرو بن العلاء معمر : قال في حديثه فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره لا أضرهم ، فناديتهما بالأمان فوقفا وركبت فرسي حتى جئتهم وقد وقع في نفسي حين لقيت منهم ما لقيت من الحبس عنهم أنه سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : إن قومك جعلوا فيك الدية ، وأخبرتهم من أخبار سفري وما يريد الناس بهم ، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزءوني شيئا ، ولم يسألوني إلا أن أخف عنا ، فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به فأمر الزهري عامر بن فهيرة فكتبه لي في رقعة من أدم ، ثم مضى . جاءتنا رسل
[ ص: 395 ] قال معمر : قال ، وأخبرني الزهري عروة بن الزبير الزبير وركبا من المسلمين كانوا تجار المدينة بالشام قافلين إلى مكة فعرضوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ثياب بياض ، يقال : كسوهم أعطوهم ، وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يؤذيهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظاره ، فلما انتهوا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود أطما من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله وأصحابه مبيضين ، يزول بهم السراب ، فلم يتناهى اليهودي أن نادى بأعلى صوته فثار المسلمون إلى السلاح فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتوه بظاهر يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرونه الحرة فعدل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 396 ] وأبو بكر يذكر الناس ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا ، وطفق من جاء من الأنصار ممن لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسبه أبا بكر حتى أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم الشمس فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه ، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة ، وابتنى المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فسار ومشى الناس حتى بركت به عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين أخوين في حجر من أبي أمامة أسعد بن زرارة بني النجار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته : " هذا المنزل إن شاء الله " ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبله هبة حتى ابتاعه منهما وبناه مسجدا ، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في ثيابه وهو يقول :
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول : [ ص: 397 ]اللهم إن الأجر أجر الآخره فارحم الأنصار والمهاجره
فلما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش حالت الحرب بين مهاجرة أرض الحبشة وبين القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقوه بالمدينة زمن الخندق ، فكانت تحدث أن أسماء بنت عميس كان يعيرهم بالمكث في أرض عمر بن الخطاب الحبشة فذكرت ذلك - زعمت أسماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لستم كذلك " وكان أول آية أنزلت في القتال أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . أنه لقي