الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  [ ص: 102 ] 9106 عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عبد الله ، عن أبي الطفيل قال : " كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم ليس فيها مدر ، وكانت قدر ما يقتحمها العناق ، وكانت غير مسقوفة ، وإنما توضع ثيابها عليها ، ثم يسدل سدلا عليها ، وكان الركن الأسود موضوعا على سورها باديا ، وكانت ذات ركنين كهيئة هذه الحلقة ، فأقبلت سفينة من أرض الروم حتى إذا كانوا قريبا من جدة انكسرت السفينة ، فخرجت قريش ليأخذوا خشبها ، فوجدوا روميا عندها فأخذوا الخشب ، أعطاهم إياها ، وكانت السفينة تريد الحبشة ، وكان الرومي الذي في السفينة نجارا ، فقدموا بالخشب ، وقدموا بالرومي ، فقالت قريش : نبني بهذا الخشب بيت ربنا ، فلما أن أرادوا هدمه إذا هم بحية على سور البيت مثل قطعة الجائز سوداء الظهر ، بيضاء البطن ، فجعلت كلما دنا أحد من البيت ليهدمه أو يأخذ من حجارته ، سعت إليه فاتحة فاها ، فاجتمعت قريش عند الحرم ، فعجوا إلى الله وقالوا : ربنا لم نرع ، أردنا تشريف بيتك وترتيبه ، فإن كنت [ ص: 103 ] ترضى بذلك ، وإلا فما بدا لك فافعل ، فسمعوا خوارا في السماء ، فإذا هم بطائر أعظم من النسر ، أسود الظهر ، وأبيض البطن والرجلين ، فغرز مخالبه في قفا الحية ، ثم انطلق بها يجرها ، وذنبها أعظم من كذا وكذا ساقط حتى انطلق بها نحو أجياد ، فهدمتها قريش ، وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي ، تحملها قريش على رقابها ، فرفعوها في السماء عشرين ذراعا ، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة ، إذ ضاقت عليه النمرة ، فذهب يضع النمرة على عاتقه ، فبدت عورته من صغر النمرة ، فنودي يا محمد ، خمر عورتك ، فلم ير عريانا بعد ذلك ، وكان بين الكعبة وبين ما أنزل الله عليه خمس سنين ، وبين مخرجه وبنائها خمس عشرة سنة " ، فلما كان [ ص: 104 ] جيش الحصين بن نمير ، فذكر حريقها في زمان ابن الزبير ، فقال ابن الزبير : إن عائشة أخبرتني ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا حداثة قومك بالكفر لهدمت الكعبة ، فإنهم تركوها سبعة أذرع في الحجر ضاقت بهم النفقة ، والخشب " .

                                                                  قال ابن خثيم : فأخبرني ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، أنها سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ولجعلت لها بابين : شرقيا وغربيا ، يدخلون من هذا ويخرجون من هذا " " ففعل ذلك ابن الزبير ، وكانت قريش جعلت لها درجا ، يرقى الذي يأتيها عليها فجعلها ابن الزبير لاصقة بالأرض " .

                                                                  فقال ابن خثيم : وأخبرني ابن سابط ، أن زيدا أخبره أنه لما بناها ابن الزبير كشفوا عن القواعد ، فإذا بحجر منها مثل الخلفة ، متشبكا بعضها ببعض ، إذا حركت بالعتلة تحرك الذي من ناحية الأخرى " ، قال ابن سابط : " ورأيت زيدا ليلا بعد العشاء في ليلة [ ص: 105 ] مقمرة ، فرأيتها أمثال الخلف متشبكة أطراف بعضها ببعض " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية