الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 491 - 493 ] ( وإذا قال الإمام ولا الضالين قال آمين ، ويقولها المؤتم ) لقوله عليه الصلاة والسلام " { إذا أمن الإمام فأمنوا }" ولا متمسك لمالك رحمه الله تعالىفي قوله عليه الصلاة والسلام " { إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين }" من حيث القسمة ، لأنه . قال في آخره " { فإن الإمام يقولها }" . [ ص: 494 ] قال : ( ويخفونها ) لما روينا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، ولأنه دعاء فيكون مبناه على الإخفاء ، والمد والقصر فيه وجهان . والتشديد فيه خطأ فاحش .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        { الحديث الرابع عشر } : قال عليه السلام : " { إذا أمن الإمام فأمنوا }" ، قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه }" ، قال ابن شهاب : { وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : آمين ، }انتهى .

                                                                                                        ولفظ النسائي ، وابن ماجه فيه : { إذا أمن القارئ } ، وزاد فيه البخاري في " كتاب الدعوات " : { فإن الملائكة تؤمن ، فمن وافق تأمينه } ، الحديث ، وهو عند ابن حبان في " صحيحه " : { فإن الملائكة تقول : آمين }.

                                                                                                        قال ابن حبان : يريد أنه إذا أمن كتأمين الملائكة من غير إعجاب ولا سمعة ولا رياء ، خالصا لله تعالى ، فإنه حينئذ يغفر له انتهى .

                                                                                                        قلت : هذا التفسير يندفع بما في " الصحيحين " عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " { إذا قال أحدكم : آمين ، وقالت الملائكة في السماء ، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه }" انتهى .

                                                                                                        وزاد فيه مسلم : إذا قال أحدكم في الصلاة ، ولم يقلها البخاري ، وغيره ، وهي زيادة حسنة ، نبه عليها عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين " ، وفي هذه اللفظة فائدة أخرى ، وهي : اندراج المنفرد فيه ، وغير هذا اللفظ إنما هو في الإمام ، أو في المأموم أو فيهما ، والله أعلم .

                                                                                                        { الحديث الخامس عشر } : قال عليه السلام : " { إذا قال الإمام : { ولا الضالين }فقولوا : آمين }" وفي آخره : " { فإن الإمام يقولها }" ، قلت : رواه النسائي في " سننه " أخبرنا إسماعيل بن مسعود نا يزيد بن زريع حدثني معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { إذا قال الإمام : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين }فقولوا : آمين ، فإن الملائكة تقول : آمين ، وإن الإمام يقول : [ ص: 494 ] آمين ، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه }" انتهى .

                                                                                                        ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر به ، ومن طريق عبد الرزاق رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الأول ، من القسم الأول ، بسنده ومتنه ، والحديث في " الصحيحين " ليس فيه : فإن الإمام يقول : آمين أخرجه البخاري . ومسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا قال الإمام : { ولا الضالين }فقولوا : آمين ، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له }" . انتهى .

                                                                                                        بلفظ البخاري ، ولفظ مسلم ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا ، يقول : لا تبادروا الإمام ، إذا كبر فكبروا ، وإذا قال : { ولا الضالين } ، فقولوا : آمين ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : اللهم ربنا ولك الحمد }" انتهى ، وأخرجه مسلم ، أيضا عن حطان بن عبد الله عن أبي موسى ، أنه قال : { خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمنا صلاتنا ، وبين لنا سنتنا ، فقال : إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ، ثم ليؤمكم أحدكم ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قال : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } ، فقولوا : آمين يجبكم الله }" ، الحديث . قوله : لما روينا من حديث ابن مسعود " يعني قوله : { أربع يخفيهن الإمام }" وذكر منها " آمين " ، وقد تقدم الكلام عليه . ومن أحاديث الباب : ما رواه أحمد ، وأبو داود الطيالسي ، وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " ، والطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه " ، والحاكم في " المستدرك " من حديث شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة بن وائل عن أبيه { أنه صلى الله عليه وسلم صلى ، فلما بلغ { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } ، قال : آمين ، وأخفى بها صوته }انتهى ، أخرجه الحاكم في " كتاب القراءة " ولفظه : { وخفض بها صوته } ، وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، انتهى .

                                                                                                        وقال الدارقطني : هكذا قال شعبة ، وأخفى بها صوته ، ويقال : إنه وهم فيه ; لأن سفيان الثوري . ومحمد بن سلمة بن كهيل ، وغيرهما رووه عن سلمة ، فقالوا : ورفع بها صوته ، وهو الصواب انتهى .

                                                                                                        وطعن صاحب " التنقيح " في حديث شعبة هذا بأنه قد روي عنه [ ص: 495 ] خلافه ، كما أخرجه البيهقي في " سننه " عن أبي الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل ، سمعت حجرا أبا عنبس يحدث عن وائل الحضرمي { أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال : { ولا الضالين }قال : آمين ، رافعا بها صوته ، }قال : فهذه الرواية توافق رواية سفيان . وقال البيهقي في " المعرفة " : إسناد هذه الرواية صحيح ، وكان شعبة يقول : سفيان أحفظ ، وقال يحيى القطان ويحيى بن معين : إذا خالف شعبة سفيان فالقول قول سفيان ، قال : وقد أجمع الحفاظ : البخاري ، وغيره على أن شعبة أخطأ ، فقد روي من أوجه : فجهر بها انتهى .

                                                                                                        وقال ابن القطان في " كتابه " : هذا الحديث فيه أربعة أمور : أحدها : اختلاف سفيان ، وشعبة ، فشعبة يقول : خفض ، وسفيان الثوري يقول : رفع . الثاني : اختلافهما في حجر ، فشعبة يقول : حجر أبو العنبس ، والثوري يقول : حجر بن عنبس . وصوب البخاري ، وأبو زرعة قول الثوري ، ولا أدري لم لم يصوبا قولهما جميعا حتى يكون حجر بن عنبس أبا العنبس ؟ اللهم إلا أن يكون البخاري ، وأبو زرعة قد علما له كنية أخرى . الثالث : أن حجرا لا يعرف حاله ، فإن المستور الذي روى عنه ، أكثر من واحد مختلف في قبول حديثه ، للاختلاف في ابتغاء مزيد العدالة بعد الإسلام . والرابع : اختلافهما أيضا ، فجعله الثوري من رواية حجر عن وائل ، وجعله شعبة من رواية حجر عن علقمة بن وائل ، وصحح الدارقطني رواية الثوري ، وكأنه عرف من حال حجر الثقة ، ولم يره منقطعا ، بزيادة شعبة علقمة بن وائل في " الوسط " ، وهذا هو الذي حمل الترمذي على أن حسنه ، والحديث إلى الضعف أقرب منه إلى الحسن انتهى كلامه . وهذا الذي قال ابن القطان تفقها ، قاله ابن حبان صريحا فقال في " كتاب الثقات " : حجر بن عنبس أبو العنبس الكوفي ، وهو الذي يقال له : حجر أبو العنبس ، يروي عن علي ، ووائل بن حجر ، روى عنه مسلمة بن كهيل انتهى .

                                                                                                        واعلم أن في الحديث علة أخرى ذكرها الترمذي في " علله الكبير " ، فقال : سألت محمد بن إسماعيل ، هل سمع علقمة من أبيه ؟ فقال : إنه ولد بعد موت أبيه لستة أشهر انتهى . أحاديث الخصوم : أخرج أبو داود ، والترمذي عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر ، واللفظ لأبي داود ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا [ ص: 496 ] قرأ : { ولا الضالين }قال : آمين ، ورفع بها صوته }انتهى .

                                                                                                        ولفظ الترمذي : ومد بها صوته ، وقال : حديث حسن ، ورواه شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة بن وائل عن أبيه ، وقال فيه : { وخفض بها صوته }.

                                                                                                        قال : وسمعت محمدا يقول : حديث سفيان أصح من حديث شعبة ، وأخطأ فيه شعبة في مواضع : فقال : عن حجر أبي العنبس ، وإنما هو حجر بن العنبس ، ويكنى أبا السكن ، وزاد فيه : عن علقمة ، وليس فيه علقمة ، وإنما هو حجر بن عنبس عن وائل ، وقال : وخفض بها صوته ، وإنما هو : ومد بها صوته ، وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث ، فقال : حديث سفيان أصح من حديث شعبة انتهى كلام الترمذي . طريق آخر : أخرجه أبو داود ، والترمذي عن علي بن صالح ، ويقال : العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى فجهر بآمين ، وسلم عن يمينه وشماله }انتهى .

                                                                                                        وسكتا عنه . طريق آخر : رواه النسائي : أخبرنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه ، قال : { صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حتى حاذيا أذنيه ، ثم قرأ فاتحة الكتاب ، فلما فرغ منها ، قال : آمين ، يرفع بها صوته }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن بشر بن رافع عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين }قال : آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول }انتهى .

                                                                                                        زاد ابن ماجه : فيرتج بها المسجد ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الرابع من القسم الخامس ، ولفظه : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع بها صوته ، وقال : آمين }انتهى . ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : على شرط الشيخين ، [ ص: 497 ] وليس كما قال ، ورواه الدارقطني في " سننه " ، وقال : إسناده حسن . وينظر أسانيدهم الثلاثة ، وبشر بن رافع الحارثي ضعفه البخاري ، والترمذي ، والنسائي ، وأحمد ، وابن معين ، وابن حبان ، وقال ابن القطان في " كتابه " : بشر بن رافع أبو الأسباط الحارثي ضعيف ، وهو يروي هذا الحديث عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة ، وأبو عبد الله هذا لا يعرف له حال ، ولا روى عنه غير بشر ، والحديث لا يصح من أجله انتهى كلامه .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا النضر بن شميل ثنا هارون الأعور عن إسماعيل بن مسلم عن أبي إسحاق عن ابن أم الحصين عن أمه { أنها صلت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال : { ولا الضالين }قال : آمين ، فسمعته وهي في صف النساء }انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية