الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( فإن بالت فيها شاة نزح الماء كله عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ، وقال محمد رحمه الله : لا ينزح إلا إذا غلب على الماء فيخرج من أن يكون طهورا ) وأصله : أن بول ما يؤكل لحمه طاهر عنده نجس عندهما ، له : أن { النبي عليه الصلاة والسلام أمر العرنيين بشرب أبوال الإبل وألبانها }. [ ص: 192 - 195 ] ولهما : قوله عليه الصلاة والسلام { استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه }من غير فصل ; ولأنه يستحيل إلى نتن وفساد ، فصار كبول ما لا يؤكل لحمه ، وتأويل ما روي أنه عليه الصلاة والسلام عرف شفاءهم فيه وحيا ، ثم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالىلا يحل شربه للتداوي ولا لغيره لأنه [ ص: 196 ] لا يتيقن بالشفاء فيه فلا يعرض عن الحرمة ، وعند أبي يوسف رحمه الله تعالىيحل للتداوي للقصة ، وعند محمد يحل للتداوي وغيره لطهارته عنده .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثاني والأربعون : عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر العرنيين بشرب أبوال الإبل وألبانها } ، قلت : رواه الأئمة الستة في " كتبهم " من حديث أنس { أن أناسا من عرينة اجتووا المدينة ، فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها ، فقتلوا الراعي واستاقوا الذود ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمر أعينهم ، وتركهم بالحرة يعضون الحجارة }انتهى .

                                                                                                        أخرجه البخاري . ومسلم في " الصلاة " عن شعبة عن قتادة عن أنس ، وعجب من الشيخ زكي الدين المنذري ، كيف قال في " مختصره " : وأخرجه البخاري ، تعليقا من حديث قتادة عن أنس ، والبخاري رواه متصلا ، وأخرجه أبو داود . وابن ماجه في " الحدود " والترمذي في " الطهارة " والنسائي في " تحريم الدم " ولفظ أبي داود . والترمذي . والنسائي : { وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها }.

                                                                                                        ورواه البخاري . ومسلم أيضا من حديث أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي عن أنس ، والبخاري في " الطهارة " ولفظه : { فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 192 ] بلقاح ، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها } ، ومسلم في " الحدود " ، وقال فيه : { وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها }. أحاديث الباب .

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه البخاري . ومسلم عن ابن مسعود في حديث { أبي جهل حين وضع على ظهره صلى الله عليه وسلم سلا جزور ، وهو ساجد ، واستمر ساجدا حتى جاءت فاطمة رضي الله عنهافطرحته عنه }.

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه " عن { عمر بن الخطاب ، قال : خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد ، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش شديد ، حتى أن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ، ويجعل ما بقي على كبده ، فقال أبو بكر الصديق : يا رسول الله إن الله عودك في الدعاء خيرا ، فادع الله لنا ، قال : أتحب ذلك ؟ قال : نعم ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، ودعا . فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت ، ثم سكبت فملئوا ما معهم ، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر }انتهى .

                                                                                                        قال الحاكم صحيح : على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وقال صاحب " التنقيح " : رجاله رجال الصحيح ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " وقال : فلو كان ماء الفرث نجسا لم يجز لأحد أن يجعله على كبده ، فينجس يديه ، وهو غير واجد لماء طاهر يغسله به ، هذا لا يسع أحدا أن يفعله ، وأما شربه فأبيح اضطرارا لإحياء النفس ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه البخاري . ومسلم عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم }.

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه أصحاب السنن عن أبي هريرة { عن النبي صلى الله عليه وسلم صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل } ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه الدارقطني عن عمرو بن الحصين ثنا يحيى بن العلاء عن مطرف عن محارب بن دثار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما أكل لحمه فلا بأس ببوله }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : عمرو بن الحصين متروك ، ويحيى بن العلاء ، قال فيه [ ص: 193 ] أحمد : كذاب يصنع الحديث .

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه الدارقطني عن سوار بن مصعب عن مطرف بن طريف عن أبي الجهم عن البراء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا بأس ببول ما أكل لحمه }انتهى قال ابن الجوزي : قال أحمد . والنسائي . وابن معين : سوار بن مصعب متروك الحديث .

                                                                                                        الحديث السادس : روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمى بالروثة ، وقال : هذا رجس أو ركس } ، قلت : رواه البخاري في " صحيحه " من حديث عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى الغائط ، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار ، فوجدت حجرين ، والتمست الثالث فلم أجده ، فأخذت روثة فأتيته بها ، فأخذ الحجرين ، وألقى الروثة ، وقال : هذا ركس }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن ماجه ، وقال فيه : { هذا رجس }بالجيم " ، ورواه الدارقطني ، ثم البيهقي فزاد فيه : { أتيتني بحجر }محتجين بذلك على وجوب الاستنجاء بثلاثة أحجار ، وسيأتي قريبا ، والكلام عليه في " الاستنجاء " .

                                                                                                        الحديث السابع : حديث المستيقظ من منامه ، تقدم أول الكتاب .



                                                                                                        الأحاديث الواردة في بول الصبي ، روى الأئمة الستة في " كتبهم " عن { أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه عليه في حجره ، فبال عليه ، فدعا بماء فنضحه على بوله . ولم يغسله }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ لمسلم فرشته ، ذكره في " الطب " وهو لفظ ابن حبان في " صحيحه " وزاد ، قال ابن شهاب : فمضت السنة أن لا يغسل من بول الصبي حتى يأكل الطعام ، فإذا أكل غسل انتهى .

                                                                                                        قال الطحاوي في " شرح الآثار " : السنة قد يراد بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد يراد بها سنة غيره قال عليه السلام : { عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي } ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البخاري . ومسلم ، واللفظ له ، عن عائشة ، قالت : { كان [ ص: 194 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ، فأتي بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ، ولم يغسله }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود . والترمذي . وابن ماجه . عن علي بن أبي طالب { عن النبي صلى الله عليه وسلم في بول الرضيع ، قال : ينضح بول الغلام ، ويغسل بول الجارية }انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " المستدرك " وقال : على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وله شاهدان صحيحان ، ثم أخرجه من حديث لبابة . وأبي السمح .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود . والنسائي . وابن ماجه عن أبي السمح قال : { كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بحسن أو حسين ، فبال على صدره ، فجئت أغسله ، فقال : يغسل من بول الجارية ، ويرش من بول الغلام }انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : إنه شاهد صحيح .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود . وابن ماجه عن أم الفضل لبابة بنت الحارث ، قالت : { كان الحسين بن علي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال عليه ، فقالت : البس ثوبا ، وأعطني إزارك حتى أغسله ، قال : إنما يغسل من بول الأنثى ، وينضح من بول الذكر }انتهى . ورواه الحاكم أيضا وقال : إنه شاهد صحيح .

                                                                                                        { حديث آخر } ، رواه ابن ماجه في " سننه " حدثنا محمد بن بشار أنبأ أبو بكر الحنفي ثنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أم كرز الخزاعية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ينضح بول الغلام وبول الجارية يغسل }انتهى .

                                                                                                        ثم قال ابن ماجه : قال أبو الحسن بن سلمة : حدثنا أحمد بن موسى بن معقل ثنا أبو اليمان المصري ، قال : سألت الشافعي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم : { يرش من بول الغلام ويغسل من بول الجارية } ، والماءين واحد ، فقال : " لأن بول الغلام من الماء والطين وبول الجارية من اللحم والدم ، قال لي : فهمت ، أو قال لقنت ؟ قلت : لا ، قال : إن الله لما خلق آدم خلق حواء من ضلعه ، فصار بول الغلام من الماء والطين ، وصار بول الجارية من اللحم والدم " انتهى . [ ص: 195 ]

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا عبد السلام بن حرب عن ليث عن أبي القاسم مولى زينب { عن زينب بنت جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نائما عندها ، وحسين يحبو في البيت فغفلت عنه ، فحبا حتى صعد على صدر النبي صلى الله عليه وسلم فبال ، واستيقظ عليه السلام ، فقمت ، فأخذته عنه ، فقال : دعي ابني ، فلما قضى بوله أخذ كوزا من ماء فصبه عليه ، وقال : إنه يصب من بول الغلام ، ويغسل من بول الجارية }انتهى .

                                                                                                        وأجاب الطحاوي في " شرح الآثار " عن هذه الأحاديث ، وقال : إن المراد بالنضح فيها الصب ، قال : وقد ورد ما يدل على صحة ذلك ، ثم أخرج عن أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : { أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي ، فبال عليه ، فقال : صبوا عليه الماء صبا } ، ثم أخرج من طريق مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي فبال عليه ، فأتبعه الماء } ، انتهى .

                                                                                                        قال : ورواه زائدة عن هشام ، فقال فيه : { فدعا بماء فنضحه عليه } ، قال : فدل ذلك على أن النضح عندهم الصب . ثم أخرج عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه ، قال : { كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجيء بالحسن ، فبال عليه ، فلما فرغ صب عليه الماء }ثم أخرج عن شريك عن سماك عن قابوس عن أم الفضل { أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع الحسين على صدره ، فبال عليه ، فقلت : يا رسول الله أعطني إزارك أغسله ، فقال : إنما يصب على بول الغلام ، ويغسل بول الجارية } ، قال : فهو في غير هذه الرواية : { إنما ينضح بول الغلام }فثبت أن المراد فيه بالنضح الصب ، ليتفق الأثران . فثبت بهذه الآثار أن حكم بول الغلام الغسل إلا أن ذلك الغسل يجزئ منه الصب ، وأن حكم بول الجارية الغسل أيضا . إلا أن الصب لا يكفي فيه ; لأن بول الغلام يكون في موضع واحد لضيق مخرجه ، وبول الجارية يتفرق لسعة مخرجه ، فأمر في بول الغلام بالنضح " يريد صب الماء في موضع واحد " وفي بول الجارية بالغسل لأنه يقع في مواضع متفرقة ، والله أعلم انتهى كلامه .

                                                                                                        الحديث الثالث والأربعون : قال عليه السلام : { استنزهوا من البول ، فإن عامة [ ص: 196 ] عذاب القبر فيه } ، قلت : روي من حديث أنس . ومن حديث أبي هريرة . ومن حديث ابن عباس . أما حديث أنس ، فرواه الدارقطني في " سننه " حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا أحمد بن علي الأبار ثنا علي بن الجعد عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تنزهوا من البول ، فإن عامة عذاب القبر منه }انتهى .

                                                                                                        ثم قال : المحفوظ مرسل انتهى . وأبو جعفر متكلم فيه ، قال ابن المديني : كان يخلط ، وقال أحمد : ليس بقوي .

                                                                                                        وقال أبو زرعة : يهم كثيرا . وأما حديث أبي هريرة ، فرواه الدارقطني أيضا من حديث أزهر بن سعد السمان عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { استنزهوا من البول ، فإن عامة عذاب القبر منه }انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك " من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أكثر عذاب القبر من البول }انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولا أعرف له علة ، ولم يخرجاه . وأما حديث ابن عباس ، فرواه الطبراني في " معجمه " والدارقطني ثم البيهقي في " سننيهما " والحاكم في " مستدركه " وسكت عنه كلهم عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا منه }انتهى .

                                                                                                        قلت : قال الدارمي عن ابن معين : أبو يحيى القتات ثقة ، وقال أحمد بن سنان القطان عنه : أبو يحيى في الكوفيين مثل ثابت في البصريين .

                                                                                                        وقال عباس عنه : في حديثه ضعف ، وقال أحمد : روى عنه إسرائيل أحاديث كثيرة مناكير جدا ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال ابن عدي : يكتب حديثه على ما فيه .




                                                                                                        الخدمات العلمية