الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وسؤر الكلب نجس ) ويغسل الإناء من ولوغه ثلاثا ، لقوله عليه الصلاة والسلام { يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا }ولسانه يلاقي الماء دون الإناء ، فلما تنجس الإناء فالماء أولى ، وهذا يفيد النجاسة والعدد في الغسل ، وهو حجة على الشافعي رحمه الله في اشتراط السبع ، ولأن ما يصيبه بوله يطهر بالثلاث ، فما يصيبه سؤره وهو دونه أولى ، والأمر الوارد بالسبع محمول على ابتداء الإسلام .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        فصل في الأسآر وغيرها

                                                                                                        الحديث الرابع والأربعون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا }قلت : روي عن أبي هريرة من طريقين :

                                                                                                        الأول : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الوهاب بن الضحاك عن إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : تفرد به عبد الوهاب بن الضحاك عن ابن عياش ، وهو متروك ، وغيره [ ص: 201 ] يرويه عن ابن عياش بهذا الإسناد ، { فاغسلوه سبعا } ، وهو الصحيح انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني أيضا عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة ، قال : إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه ثم اغسله ثلاث مرات ، وأخرجه بهذا الإسناد عن أبي هريرة ، أنه كان إذا ولغ الكلب في الإناء أهرقه وغسله ثلاث مرات انتهى ، قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : وهذا سند صحيح انتهى .

                                                                                                        الطريق الثاني : أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن الحسين بن علي الكرابيسي ثنا إسحاق الأزرق ثنا عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله ثلاث مرات }انتهى ، ثم أخرجه عن عمرو بن شيبة ثنا إسحاق الأزرق به موقوفا ، قال : ولم يرفعه غير الكرابيسي ، والكرابيسي لم أجد له حديثا منكرا غير هذا ، وإنما حمل عليه أحمد بن حنبل من جهة اللفظ بالقرآن ، فأما في الحديث فلم أر به بأسا ، انتهى كلامه . ورواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " من طريق ابن عدي ، ثم قال : هذا حديث لا يصح ، لم يرفعه غير الكرابيسي ، وهو ممن لا يحتج بحديثه انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي في " كتاب المعرفة " : حديث عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة في " غسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرات " ، تفرد به عبد الملك من بين أصحاب عطاء ، ثم عطاء من بين أصحاب أبي هريرة ، والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء ، وأصحاب أبي هريرة يروونه " سبع مرات " وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات ، ولمخالفته أهل الحفظ والثقة في بعض رواياته تركه شعبة بن الحجاج ، ولم يحتج به البخاري في " صحيحه " ، وقد اختلف عليه في هذا الحديث ، فمنهم من يرويه عنه مرفوعا ، ومنهم من يرويه عنه من قول أبي هريرة ، ومنهم من يرويه عنه من فعله ، قال : وقد اعتمد الطحاوي على الرواية الموقوفة في نسخ حديث " السبع " وأن أبا هريرة لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ، وكيف يجوز ترك رواية الحفاظ الأثبات من أوجه كثيرة لا يكون مثلها غلطا برواية واحد قد عرف بمخالفة الحفاظ في بعض أحاديثه انتهى .

                                                                                                        وهذا [ ص: 202 ] الذي نقله عن الطحاوي ذكره في " شرح الآثار " فقال بعد أن روى الموقوف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة ، قال : إذا ولغ الكلب ، إلخ ، ثم قال : فثبت بذلك نسخ " السبع " لأنا نحسن الظن بأبي هريرة ، ولا يجوز عليه أنه يترك ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وإلا سقطت عدالته ، ولم يقبل روايته ، بل كان يجب على الخصم المخالف أن يعمل بحديث عبد الله بن المغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه مسلم أنه يغسل سبعا ، ويعفر الثامنة بالتراب ; لأنه قد زاد على السبع ، والأخذ بالزائد أوجب عملا بالحديثين ، وهم لا يقولون به ، فثبت أنه منسوخ ، انتهى .

                                                                                                        الحديث الخامس والأربعون : حديث الأمر الوارد بالسبع ، قلت : رواه الأئمة الستة في " كتبهم " من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات : أولاهن أو أخراهن بالتراب }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ لمسلم . وأبي داود { طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات } ، انتهى .

                                                                                                        وهو أولى ما يستدل به على نجاسة سؤر الكلب ، وكذلك الأمر بإراقته ، ورواه مالك في " الموطأ " وقال فيه : { إذا شرب } ، عوض : { إذا ولغ }.

                                                                                                        قال ابن عبد البر : هكذا قال مالك . وغير مالك من رواية حديث أبي هريرة ، كلهم يقولون : { إذا ولغ } ، وهو الذي يعرفه أهل اللغة ، وقال الحافظ : أبو بكر الإسماعيلي في " صحيحه " ما معناه : أن مالكا قد انفرد عن الكل بهذه اللفظة ، وكذلك قال الحافظ أبو عبد الله بن منده : قال : فرواه هشام بن عروة . وموسى بن عقبة . وابن عيينة . وشعيب بن أبي حمزة . وغيرهم عن أبي الزناد ، وقالوا : { إذا ولغ الكلب } ، وكذلك رواه جعفر بن ربيعة . وغيره عن عبد الرحمن الأعرج ، ورواه عبيد بن حسين . وثابت الأعرج ، وعبد الرحمن بن أبي عمرة . وأبو يونس سليم بن جبير . ومحمد بن سيرين . وأبو صالح . وأبو رزين ، كلهم عن أبي هريرة . واتفقوا على قوله : { إذا ولغ }.

                                                                                                        قال الشيخ في " الإمام " : وقد وقعت هذه اللفظة عن أبي الزناد من غير رواية مالك ، ذكرها الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ في " الجزء الثالث من العوالي " فرواه عن أبي يعلى عن سعيد بن عبد الجبار عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا { إذا شرب الكلب }الحديث ، وكذلك وقعت في " كتاب الحافظ أبي بكر الجوزقي " من رواية ورقاء عن أبي الزناد ، قال الشيخ : وهاهنا شيء آخر ، وهو أن قول أبي عمر . وغير مالك من رواة حديث أبي هريرة : يقول : { إذا ولغ }ظاهره يقتضي [ ص: 203 ] اتفاق الرواة عن مالك على ذلك ، وقد رواه الإسماعيلي فيما وجدته من صحيحه عن محمد بن يحيى بن سليمان المروزي عن أبي عبيد القاسم بن سلام عن إسماعيل بن عمر عن مالك بن أنس بإسناده ، سواء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا ولغ الكلب في الإناء غسل سبع مرات }كسائر الرواة انتهى كلامه . وفي الباب حديث عبد الله بن مغفل رواه مسلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية