الفصل الرابع
في النفاس
والكلام على لفظه وحقيقته .
أما لفظه ، ولادة المرأة لا نفس الدم ؛ ذكره صاحب العين والصحاح ، ولذلك يقال : دم النفاس ، والشيء لا يضاف لنفسه ، وهو بكسر [ ص: 393 ] النون ، والمرأة نفساء بضمها وفتح الفاء والمد ، والجمع نفاس بكسرها ، وفتح الفاء . فالنفاس في اللغة
وليس في الكلام ما وزنه فعلاء يجمع على فعال غير نفساء وعشراء ، ويجمعان أيضا على نفساوات ، وعشراوات بضم الأول وفتح الثاني ، ويقال : نفست المرأة بفتح النون ، وكسر الفاء ، وبضم النون ، وكسر الفاء ، والولد منفوس ، وفي الحديث : ( ) . وما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة أو النار
ولا يتعين اشتقاقه من النفس بمعنى الدم ; لأن النفس مشترك بين الروح ، والدم ، والجسد ، والعين . يقال : أصيب فلان بنفس أي : عين ، والنافس : العائن ، ونفس الشيء : ذاته نحو رأيت زيدا نفسه ، والنفس : قدر دبغة مما يدبغ به الأديم من القرظ ، وغيره ، ومعاني هذا اللفظ كثيرة .
وأما حقيقته ، فهي أن دم الحيض إذا اشتغل الرحم بالولد انقسم ثلاثة أقسام : أصفاه وأعدله يتولد منه لحم الجنين ، فإن الأعضاء تتولد من المنيين ، واللحم يتولد من دم الحيض ، والقسم الذي يليه في الاعتدال يتولد منه لبن الجنين غذاؤه الذي يحل بعد الوضع في الثدي ، والثالث : الأردأ يجتمع فيخرج بعد الولادة ، دم حيض اجتمع . فدم النفاس في الحقيقة
وفي الفصل فروع خمسة :
الأول : قال في الكتاب : ستون يوما ، ثم رجع إلى العرف ، وكره التحديد ، وقال غايته : ستون ، الشافعي وأبو حنيفة : أربعون ، ومقصود الفريقين أن يكون أربع حيض ، فلما كان أبو حنيفة يقول أكثر الحيض عشرة قال : أكثر النفاس أربعون ، ولما قال مالك ، خمسة عشر قالوا أكثره ستون ، وذلك كله بناء على عوائد عندهم ، وأما أقله ، فلا حد له كالحيض خلافا ح في أن أقله خمسة وعشرون يوما ، وعند والشافعي أبي يوسف أحد عشر ليزيد النفاس على الحيض عنده بيوم ، وفائدة الخلاف ها هنا وفي الحيض ، ويرد على التحديد [ ص: 394 ] أنه موقوف على النصوص ، ولا نصوص فلا تحديد ، وأن الرجوع - في هذا إلى ما يقوله النساء - متعين . قضاء ما مضى من الصلوات
الثاني : قال في الكتاب : إذا كان نفاسا ، وإن بعد كان حيضا ، وهذا مبني على انقطع ، ثم رأته بعد ثلاثة أيام ونحوها ، وقد تقدم ، وقال أقل الطهر أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - : إذا كان قبل الأربعين فهو نفاس ، مثله مرة ، ومثلنا أخرى ، وقال والشافعي ابن حبيب : مشكوك فيه يعمل فيه بالاحتياط .
لنا : أن الطهر التام فصل بين دمين مانعين من العبادة ، فلا يلحق أحدهما بالآخر قياسا على الحيضتين .
الثالث : قال في الكتاب : إذا زاد على العادة كان استحاضة . قال صاحب الطراز : قال عبد الملك : تستظهر إلى السبعين ; لأن الدم قد يزيد كالحيض .
وجه المذهب أنه اجتهاد ، فلا يزاد فيه كزمان الاستظهار .
الرابع : قال ابن القاسم في الكتاب : إذا ولدت ولدا ، وبقي آخر إلى شهرين ، والدم متماد - فدمها محمول على عادة النفاس ، ولزوجها الرجعة . قال : وقيل إن حكمها حكم الحامل حتى تضع الولد الثاني . وقد اختلف الشافعية ، والحنفية على هذين القولين .
لنا : أن موجودة ، وأن المانع من خروج الدم إنما هو انغلاق فم الرحم لسبب الحمل ، وقد انفتح بالولد الأول ، فيكون الخارج دم نفاس ، فلا يتوقف جعله نفاسا على الثاني . قال صاحب الطراز : والذي يرى أنه حيض يقول تجلس مدة حيض الحامل فقط ، وقال : لو جعلناه نفاسا وهو شهران ، وتضع آخر ، فإن قلنا تجلس شهرين لزم أن يكون النفاس أربعة أشهر ، ولا قائل به ، وإن قلنا لا تجلس مع أنه دم عقيب الولادة ، فذلك خلاف الأصل ، فالواجب حينئذ أن يكون حيضا ، والنفاس بعد الولد الثاني . حقيقة دم النفاس
فرع : إذا قلنا إنه نفاس ، فوضعت الثاني بعد شهرين قال التونسي : [ ص: 395 ] يكون الثاني نفاسا ، فإنه كأي ولد في وعائه بدمه ، ولأن الرحم ينصب إليه عند حركة الوضع من الدم ما لا ينصب إليه قبل الوضع ، فلو وضعت الثاني قبل تمام النفاس الأول ألغت الماضي ، واستأنفت من الثاني .
وقال أبو حنيفة : ، وتابعه الشافعية محتجين بأن الحيضتين لا يتصلان ، فكذلك النفاسان ، وقياسا على ما إذا اتصلا قبل الولادة . النفاس من الأول ، فإن أتمت أربعين لم يكن الثاني نفاسا
الخامس : لو ، ففي الغسل قولان مبنيان على أنه مخلوق من مائها ، وماؤها لو خرج لوجب الغسل ، أو الوضوء ، فكذلك هو ، أو أنه خرج عن ذلك الطور إلى طور الحصا ونحوه . وضعت الولد جافا
انتهى الجزء الأول من كتاب الذخيرة .
يليه الجزء الثاني ، وأوله كتاب الصلاة .