الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                البحث السادس : في شروط النية ، وهي ثلاثة :

                                                                                                                الأول : أن يتعلق بمكتسب الناوي ، فإنها مخصصة ، وتخصيص غير المفعول للمخصص محال .

                                                                                                                وأشكل هذا الشرط بنية الإمام الإمامة ، فإن صلاته حالة الإمامة مساوية لصلاته حالة الانفراد ، فهذه النية لا بد لها من مكتسب ، ولا مكتسب فيشكل .

                                                                                                                وأجاب بعض العلماء عن هذا السؤال بأن النية يشترط فيها أن تتعلق بمكتسب استقلالا ، ويجوز أن تتعلق بتوابع ذلك المكتسب ، وإن لم تكن مكتسبة كما تتعلق بالوجوب في الصبح ، والندب في صلاة الضحى ، ونحو ذلك . وليس الوجوب ، والندب مكتسبا للعبد ، فإن الأحكام الشرعية واجبة الوجود قديمة ، صفة الله تعالى سبحانه ، فحسن القصد إليها تبعا لقصد المكتسب ، وكذلك الإمامة ، وإن لم تكن فعلا زائدة على الصلاة مكتسبا ، فإن القصد إليها تبعا لقصد المكتسب .

                                                                                                                الشرط الثاني : أن يكون المنوي معلوما ، أو مظنونا ، فإن المشكوك تكون فيه النية مترددة ، فلا تنعقد ، ولذلك لا يصح وضوء الكافر ، ولا غسله قبل انعقاد الإسلام لأنهما عنده غير معلومين ، ولا مظنونين . فروع :

                                                                                                                الأول : لو شك في طهارته ، وقلنا لا يجب عليه الوضوء ، أو كان شكه غير مستند إلى سبب ، فتوضأ في الحالتين احتياطا ، ثم تيقن الحدث ، ففي وجوب الإعادة قولان ، أما لو قلنا بوجوب الوضوء عليه ، فإنه معلوم ، فلا تردد .

                                                                                                                [ ص: 247 ] الثاني : لو توضأ مجددا ، ثم تيقن الحدث ، ففي كتاب سحنون : لا يجزئه ، وعند أشهب : يجزئه .

                                                                                                                الثالث : لو أغفل لمعة من الغسلة الأولى ، وغسل الثانية بنية الفضيلة ، ففي الإجزاء قولان ، وخرج أصحابنا هذه المسألة ، ونحوها على أن القصد إلى الفضائل إنما يكون بعد اعتقاد حصول الفرائض ، فقد اندرجت نية الفرض في نية الفضيلة ، وهذا لا يستقيم لأنا قد بينا أن النية من القصود والإرادات لا من باب العلوم والاعتقادات .

                                                                                                                والحاصل : أن الناسي لفرضه الفاعل للنفل إنما هو على اعتقاد حصول الفرض ، والاعتقاد ليس بنية كما تقدم . نظائر ثمانية في المذهب وقع فيها إجزاء غير الواجب :

                                                                                                                أربعة في الطهارة ، وهي : من جدد ثم ذكر الحدث ، ومن غسل الثانية بنية الفضيلة وقد بقيت لمعة من الأولى ، ومن اغتسل للجمعة ناسيا للجنابة ، ومن توضأ احتياطا ، ثم تيقن الحدث .

                                                                                                                وثلاثة في الصلاة ، وهي : من سلم من اثنتين ، ثم صلى ركعتين عقيب ذلك بنية النافلة ، أو ظن أنه سلم ، وفعل ذلك ، ولم يكن سلم ، أو أعاد في جماعة ، ثم تبين له أنه كان محدثا في صلاته الأولى .

                                                                                                                والثامنة في الحج ، وهي : من نسي طواف الإفاضة ، وقد طاف طواف الوداع ، وبعد عن مكة .

                                                                                                                والمشهور في هذه المسائل يختلف .

                                                                                                                ولا يشكل على هذا الشرط من نسي صلاة من خمس ، فإنه يصلي خمسا مع شكه في وجوب كل واحدة منهن ; لأن الشرع جعل شكه سببا لإيجاب الجميع ، فالجميع معلوم الوجوب .

                                                                                                                [ ص: 248 ] ولا يشكل أيضا من شك أصلى ثلاثا ، أو أربعا ، فإنه ينوي صلاة ركعة رابعة ليتم صلاته مع شكه في وجوبها لأنا نمنع الشك فيها بناء على أنا نقطع بشغل ذمته بالصلاة حتى يغلب على الظن عند الحنفي ، أو يقطع عند المالكي ، والشافعي بإيقاع الأربع ، وما حصل ذلك ، فالقطع الأول مستصحب .

                                                                                                                الشرط الثالث : أن تكون النية مقارنة للمنوي ; لأن أول العبادة لو عرا عن النية لكان أولها مترددا بين القربة ، وغيرها ، وآخر الصلاة مبني على أولها ، وتبع له بدليل أن أولها إن نوى نفلا ، أو واجبا ، أو قضاء ، أو أداء كان آخرها كذلك ، فلا تصح .

                                                                                                                واستثني من ذلك الصوم للمشقة ، والزكاة في الوكالة على إخراجها عونا على الإخلاص ، ودفعا لحاجة الفقير من باذلها ، فتتقدم النية عند الوكالة ، ولا تتأخر لإخراج المنوي .

                                                                                                                فرع : قال صاحب الطراز : جوز ابن القاسم تقدم النية عندما يأخذ في أسباب الطهارة بذهابه إلى الحمام ، أو النهر بخلاف الصلاة ، وخالفه سحنون في الحمام ، ووافقه في النهر ، وفرق بأن النهر لا يؤتى غالبا إلا لذلك ، فتميزت العبادة فيه بخلاف الحمام ، فإنه يؤتى لذلك ، ولإزالة الدرن ، والرفاهية غالبة فيه ، فلم تتميز العبادة ، وافتقرت إلى النية ، وقيل : لا تجزئ النية المتقدمة في الموضعين حتى تتصل بفعل الواجب ، وقيل : إذا نوى عند أول الوضوء ، وهو أول السنن أجزأه ; لأن الثواب على السنن ، والتقرب بها إنما يحصل عند النية ، وقيل : إن عزبت نيته قبل المضمضة ، والاستنشاق ، وبعد اليدين لا يجزئه ، وإن اتصلت بهما ، وعزبت قبل الوجه أجزأه ; لأن المضمضة من الوجه ، وبها غسل طاهر الفم ، وهي الشفة من الوجه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية