الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                القسم الرابع : المختلط من الطهور ، وغيره ، ويتصور ذلك ، وإن قلنا إن الباقي على خلقته طهور ، وغير الباقي غير طهور بأن يكون متغيرا بقراره أو لازمه ، إلى لون نجاسة وقعت في بعضه ، فالتبس بالبعض الآخر ، أو بصيرورة ماء بعض النبات كماء الورد أو غيره على صفة الطهور ، ثم يلتبس بالطهور .

                                                                                                                وفي الجواهر : فإن وجد ما يتيقن طهوريته لم يجتهد ، وإن لم يجد ، فللأصحاب أربعة أقوال :

                                                                                                                قال محمد بن مسلمة : يتوضأ بالإناءين ، وضوءين ، ويصلي صلاتين ، ويغسل أعضاء وضوئه من الإناء الثاني قبل وضوئه منه إن كان أحدهما نجسا لإمكان [ ص: 176 ] الوصول إلى اليقين كمن نسي صلاة من خمس ، قال الأصحاب : وهو الأشبه بقول مالك - رحمه الله - .

                                                                                                                وقال عبد الملك مثله إلا الغسل من الإناء الثاني قبل الوضوء لعدم تيقن النجاسة .

                                                                                                                وقال ابن المواز : يتحرى أحدهما ، فيتوضأ به كما يصلي إلى جهة من الجهات عند التباس جهة الكعبة .

                                                                                                                فرع : على هذا قال بعض العلماء : الاجتهاد في الأواني يختص بالبصير ، وقيل لا يختص بل يصح من الأعمى لإدراكه الطعم ، والرائحة ، وزيادة الإناء بعد نقصه .

                                                                                                                وقال سحنون أيضا : يتيمم ، ويتركها ، ولا يشرع له التحري كأخته من الرضاع إذا اختلط بأجنبية قال الطرطوشي في تعليقه بخلاف الثياب المشتبهة ، فإنه لا بدل لها ، وهاهنا بدل ، وهو التيمم ، وقال صاحب الطراز إذا أصابت النجاسة أحد الثوبين وجهل لا يصلي فيهما حتى يغسلهما ، وإنما يتحرى فيهما عند الضرورة ، فلو شك في موضع من الثوب ، وتيقن الإصابة في موضع آخر غسل المتيقن ، ونضح المشكوك ، وإذا قلنا بالتحري في الثوبين ، فلا يتحرى في جهات الثوب إذا اختلط عليه النجس بالطاهر من الجهتين ، والفرق أن التحري في الثوبين يوجب الصلاة في أحدهما بغير غسل ، ولا بد من الغسل في الثوب نعم لو لم يجد من الماء ما يعم الثوب ، ولم يجد غير الثوب ، وضاق الوقت تحرى ، وفي الجواهر يتحرى بين الثوبين ، ولم يشترط الضرورة قال : وقيل إنه يصلي بكل واحد صلاة قال : وقال القاضي أبو بكر : والصحيح الأول قال : فلو أصاب بعض ثوبه نجاسة لم يجز التحري ، ولو قسمه بنصفين لم يجز التحري بينهما لجواز انقسام النجاسة فيهما ، ولو أصابت أحد الكمين قال القاضي أبو بكر : جاز الاجتهاد كالثوبين باختلاف بين العلماء قال : فإن فصلهما جاز الاجتهاد إجماعا .

                                                                                                                بيان : النضح بالحاء المهملة ينطلق على الغسل ، ومنه سمي البعير الذي [ ص: 177 ] يستقي ناضحا ، وينطلق على الرش ، وبالخاء المعجمة على ما يكثر صب الماء فيه ، ومنه قوله تعالى : ( عينان نضاختان ) . وقيل ينطلق على ما يفور من السفل كالفوران .

                                                                                                                فرع : إذا قلنا يصلي بكل إناء صلاة ، فهل يفرق بين ما قل ، وبين ما كثر كما فرقنا في ترتيب الصلوات ؟ أشار الطرطوشي إلى الفرق .

                                                                                                                قاعدة : الأصل ألا تبنى الأحكام إلا على العلم لقوله تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) . لكن دعت الضرورة للعمل بالظن لتعذر العلم في أكثر الصور ، فتثبت عليه الأحكام لندرة خطئه ، وغلبة إصابته ، والغالب لا يترك للنادر ، وبقي الشك غير معتبر إجماعا ، ثم شرط العمل بالظن اقتباسه من الأمارات المعتبرة شرعا ، ثم حيث ظفرنا بالعلم لا نعدل عنه إلى الظن كتحصيل صلاة من خمس بفعل الخمس ، وحيث لم نظفر به اتبعنا الظن .

                                                                                                                ثم الظن قد ينشأ عن أمارة شرعية ، وتتعدد موارده ، فيتخير كإخبار بينات متعددة بما يستفاد من الشهادة ، وقد لا تتعدد موارده بل تنحصر جهة الظن الناشئ عن الأمارة في مورد ، فيتعين علينا اتباع ذلك المورد كجهة الكعبة ، فإن المظنون عن الأمارة فيها ليس إلا جهة واحدة ، وما عدا تلك الجهة يغلب على الظن عدم كون الكعبة فيها .

                                                                                                                وقد لا ينشأ عن أمارة شرعية ، فلا يعتبر شرعا ، وإن كان أرجح في النفس من الناشئ عن الأمارة الشرعية كشهادة ألف من عباد أهل الكتاب بفلس ، فإنا لا نتبع هذا الظن ، ولا يثبت الفلس ، وإن قوي في أنفسنا صدقهم ، وكذلك الأخت مع الأجنبية لما لم ينصب الشرع عليها أمارة وجب التوقف ، وعلى هذه القاعدة تتخرج مسألة الأواني ، وكثير من مسائل المذهب .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية