فصل
إذا ، فقد سبق أنه ينقض حكمه ، وكذا لو بانا فاسقين على الأظهر ، قال الإمام : ومعنى نقضه أنا نتبين الأمر على خلاف ما ظنه وحكم به ، فإن كان المشهود به طلاقا أو عتقا أو عقدا فقد بان أنه لا طلاق ولا عتق ولا عقد ، فإن كانت المرأة ماتت ، فقد ماتت وهي زوجته ، وإن مات العبد مات وهو رقيق له ، ويجب ضمانه ، وإن كان المشهود به قتلا أو قطعا أو حدا استوفى وتعذر التدارك ، فضمانه على عاقلة القاضي على الأظهر ، وفي بيت المال على قول كما سبق في ضمان الولاة . حكم القاضي بشهادة اثنين ، ثم بان كونهما كافرين ، أو عبدين ، أو صبيين
وإنما تعلق الضمان بالقاضي ، لتفريطه بترك البحث التام على حال الشهود ، ولا ضمان على المشهود له ؛ لأنه يقول : استوفيت حقي ، ولا على الشهود ، لأنهم ثابتون على شهادتهم زاعمون صدقهم بخلاف الراجعين .
فيه خلاف وتفصيل سبق في باب ضمان الولاة ، والذي قطع به العراقيون أنه لا ضمان عليهم ، وقالوا : وكذا لا ضمان على المزكين ؛ لأن الحكم غير مبني على شهادتهم ، قال القاضي وإذا غرمت العاقلة أو بيت المال ، فهل يثبت الرجوع على الشهود ؟ أبو حامد : يرجع الغارم على المزكين ، ويستقر عليهم الضمان بخلاف الشهود ؛ لأنه ثبت عند القاضي أن الأمر على خلاف قول المزكين ، ولم يثبت أنه خلاف قول الشهود ، وإلى هذا مال القاضيان أبو الطيب والروياني ، ومفهوم ما ذكروه أنه يجوز تغريم المزكين أولا ، ثم لا رجوع [ ص: 309 ] لهم على القاضي ، وأشار الإمام إلى مثل ذلك في الشهود إذا قلنا بالرجوع عليهم ، ولا فرق فيما ذكرناه من تعليق الضمان بالقاضي بين أن يكون الحكم في حد الله - تعالى أو قصاص - وسواء في القصاص استوفاه المدعي أو القاضي بنفسه ، أو فوض استيفاءه بإذن المدعي إلى شخص ، وسبق في إذن القاضي عن الإصطخري أن المدعي إن استوفاه بنفسه ، فالضمان عليه ، وأنه إنما يعلق الضمان بالقاضي إذا باشر الاستيفاء أو فوضه إلى غيره بإذن المدعي ، وإن كان المحكوم به مالا ، فإن كان باقيا عند المحكوم له انتزع ، وإن كان تالفا ، أخذ منه ضمانه ، وقيل : إن تلف بآفة سماوية ، فلا ضمان ، والصحيح الأول .
وفرقوا بينه وبين الإتلاف حيث قلنا : لا غرم عليه فيه بأن الإتلاف إنما يضمن إذا وقع على وجه التعدي ، وحكم القاضي أخرجه عن التعدي ، وأما المال ، فإذا حصل في يد إنسان بغير حق كان مضمونا ، وإن لم يوجد منه تعد ، فإن كان المحكوم له معسرا أو غائبا ، فللمحكوم عليه مطالبة القاضي ليغرم له من بيت المال في قول ، ومن خالص ماله في قول ؛ لأنه ليس بدل نفس تتعلق بالعاقلة ، ثم القاضي يرجع على المحكوم له إذا ظفر به موسرا ، وهل له الرجوع على الشهود ؟ جعله الإمام على الخلاف والتفصيل المشار إليهما في الإتلافات ، ويجيء أن يقال على قياس ما سبق : إن المحكوم عليه يتخير في تغريم القاضي ، وتغريم المحكوم له ، وبالله التوفيق .