فصل
في كيفية الصرف إلى المستحقين وما يتعلق به .
فيه مسائل .
إحداها : فيما يعول عليه في صفات المستحقين . قال الأصحاب : من ، لم يجز الصرف إليه . وإن علم استحقاقه ، جاز ، ولم يخرجوه على القضاء بعلمه . طلب الزكاة ، وعلم الإمام أنه ليس مستحقا
وإن لم يعرف حاله ، فالصفات قسمان . خفية وجلية ، فالخفي : الفقر والمسكنة ، فلا يطالب مدعيهما ببينة ، لعسرهما . لكن إن عرف له مال ، فادعى هلاكه ، طولب بالبينة لسهولتها ، ولم يفرقوا بين دعواه الهلاك بسبب خفي كالسرقة ، أو ظاهر كالحريق .
وإن قال : لي عيال لا يفي كسبي بكفايتهم ، طولب ببينة على العيال على الأصح . ولو قال : لا كسب لي [ ص: 323 ] وحاله تشهد بصدقه ، بأن كان شيخا كبيرا ، أو زمنا ، أعطي بلا بينة ولا يمين . وإن كان قويا جلدا ، أو قال : لا مال لي ، واتهمه الإمام ، فهل يحلف ؟ فيه وجهان .
أصحهما : لا ، فإن حلفناه ، فهل هو واجب ، أم مستحب ؟ وجهان . فإن نكل وقلنا : اليمين واجبة ، لم يعط . وإن قلنا : مستحبة ، أعطي . وأما الصفة الجلية ، فضربان .
أحدهما : يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في المستقبل ، وهو الغازي ، وابن السبيل ، فيعطيان بقولهما بلا بينة ولا يمين . ثم إن لم يحققا الموعود ويخرجا في السفر ، استرد منهما .
ولم يتعرض الجمهور لبيان القدر الذي يحتمل تأخير الخروج فيه ، وقدره السرخسي في " أماليه " بثلاثة أيام ، فإن انقضت ولم يخرج استرد منه . ويشبه أن يكون هذا على التقريب ، وأن يعتبر ترصده للخروج ، وكون التأخير لانتظار الرفقة وتحصيل أهبة وغيرهما .
الضرب الثاني : يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في الحال ، وتدخل فيه بقية الأصناف . فإذا ادعى العامل العمل ، طولب بالبينة لسهولتها ، ويطالب بها المكاتب والغارم . ولو صدقهما المولى ، وصاحب الدين ، كفى على الأصح ، ولو كذبه المقر له ، لغا الإقرار .
وأما ، قبل قوله ، لأن كلامه يصدقه ، وإن قال : أنا شريف مطاع في قومي ، طولب بالبينة ، كذا فصله جمهور الأصحاب ، ومنهم من أطلق : أنه لا يطالب بالبينة ، ويقوم مقام البينة الاستفاضة باشتهار الحال بين الناس ، لحصول العلم ، أو غلبة الظن ، ويشهد لما ذكرناه من اعتبار غلبة الظن ثلاثة أمور . المؤلف قلبه ، فإن قال : نيتي في الإسلام ضعيفة
أحدها : قال بعض الأصحاب : لو أخبر عن الحال واحد يعتمد قوله ، كفى . الثاني : قال الإمام : رأيت للأصحاب رمزا إلى تردد في أنه لو حصل الوثوق بقول من يدعي الغرم ، وغلب على الظن صدقه ، هل يجوز اعتماده ؟ [ ص: 324 ] الثالث : حكى بعض المتأخرين ما لا بد من معرفته ، وهو أنه لا يعتبر في هذه المواضع سماع القاضي ، والدعوى والإنكار والإشهاد ، بل المراد إخبار عدلين .
واعلم أن كلامه في " الوسيط " يوهم أن إلحاق الاستفاضة بالبينة مختص بالمكاتب والغارم ، ولكن الوجه تعميم ذلك في كل مطالب بالبينة من الأصناف .