الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        1645 - كما حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا يحيى بن حسان ، قال : ثنا وهيب بن خالد ، عن منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .

                                                        ففي هذا الحديث أنه أدخل في الصلاة ركعة من غيرها قبل السلام ، ولم ير ذلك مفسدا للصلاة ، ولو رآه مفسدا لها إذا لأعادها ، فلما لم يعدها ، وقد خرج منها إلى الخامسة ، لا بتسليم ، دل ذلك أن السلام ليس من صلبها .

                                                        ألا ترى أنه لو كان جاء بالخامسة ، وقد بقي عليه مما قبلها سجدة ، كان ذلك مفسدا للأربع ، لأنه خلطهن بما ليس منهن ، فلو كان السلام واجبا كوجوب سجود الصلاة ، لكان حكمه أيضا كذلك ، ولكنه بخلافه فهو سنة .

                                                        وقد روي أيضا في حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى أحدكم فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليبن على اليقين ويدع الشك ، فإن كانت صلاته نقصت فقد أتمها ، وكانت السجدتان ترغمان الشيطان ، وإن كانت صلاته تامة ، كان ما زاد والسجدتان له نافلة .

                                                        فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخامسة الزائدة والسجدتين اللتين للسهو تطوعا ، ولم يجعل ما تقدم من الصلاة بذلك [ ص: 276 ] فاسدا وإن كان المصلي قد خرج منها إليه ، فثبت بذلك أن الصلاة تتم بغير تسليم وأن التسليم من سننها لا من صلبها .

                                                        فكان تصحيح معاني الآثار في هذا الباب يوجب ما ذهب إليه الذين قالوا : لا تتم الصلاة حتى يقعد مقدار التشهد ؛ لأن حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قد احتمل ما ذكرنا ، واختلف في حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما وصفنا ، وأما حديث ابن مسعود فهو الذي لم يختلف فيه .

                                                        وأما وجه ذلك من طريق النظر ، فإن الذين قالوا : إنه إذا رفع رأسه من آخر سجدة من صلاته ، فقد تمت صلاته . قالوا : رأينا هذا القعود قعود التشهد وفيه ذكر يتشهد به وتسليم يخرج به من الصلاة ، وقد رأينا قبله في الصلاة قعودا فيه ذكر يتشهد به .

                                                        فكل قد أجمع أن ذلك القعود الأول وما فيه من الذكر ، ليس هو من صلب الصلاة ، بل هو من سننها . واختلف في القعود الأخير فالنظر على ما ذكرنا أن يكون كالقعود الأول ، ويكون ما فيه كما في القعود الأول ، فيكون سنة ، وكل ما يفعل فيه سنة كما كان القعود الأول سنة وكل ما يفعل فيه سنة ، وقد رأينا القيام الذي في كل الصلاة والركوع والسجود الذي فيها أيضا كله كذلك ، فالنظر على ما ذكرنا أن يكون القعود فيها أيضا كله كذلك . فلما كان بعضه باتفاقهم سنة كان ما بقي منه كذلك أيضا في النظر .

                                                        واحتج عليهم الآخرون فقالوا : قد رأينا القعود الأول من قام عنه ساهيا فاستتم قائما أمر بالمضي في قيامه ولم يؤمر بالرجوع إلى القعود ، وقد رأينا من قام من القعود الأخر ساهيا حتى استتم قائما أمر بالرجوع إلى قعوده .

                                                        قالوا : فما يؤمر بالرجوع إليه بعد القيام عنه فهو الفرض ، وما لا يؤمر بالرجوع إليه بعد القيام عنه ، فليس ذلك بفرض .

                                                        ألا ترى أن من قام وعليه سجدة من صلاته حتى استتم قائما أمر بالرجوع إلى ما قام عنه ؛ لأنه قام فترك فرضا فأمر بالعود إليه ، وكذلك القعود الأخير ، لما أمر الذي قام عنه بالرجوع إليه كان ذلك دليلا أنه فرض ، ولو كان غير فرض إذا لما أمر بالرجوع إليه كما لم يؤمر بالرجوع إلى القعود الأول .

                                                        فكان من الحجة عليهم للآخرين أنه إنما أمر الذي قام من القعود الأول حتى استتم قائما بالمضي في قيامه ، وأن لا يرجع إلى قعوده ؛ لأنه قام من قعود غير فرض فدخل في قيام فرض فلم يؤمر بترك الفرض والرجوع إلى غير الفرض وأمر بالتمادي على الفرض حتى يتمه .

                                                        فكان لو قام عن القعود الأول فلم يستتم قائما أمر بالعود إلى القعود ؛ لأنه ما لم يستتم قائما فلم يدخل في فرض ، فأمر بالعود مما ليس بسنة ولا فرض إلى القعود الذي هو سنة ، وكان يؤمر بالعود مما ليس بسنة ولا فريضة إلى ما هو سنة ، ويؤمر بالعود من السنة إلى ما هو فريضة ، وكان الذي قام من القعود الأخير حتى استتم قائما داخلا لا في سنة ولا في فريضة وقد قام من قعود هو سنة فأمر بالعود إليه وترك التمادي فيما ليس بسنة ولا فريضة .

                                                        كما أمر الذي قام من القعود الأول الذي هو سنة فلم يستتم قائما فيدخل في الفريضة أن يرجع من ذلك [ ص: 277 ] إلى القعود الذي هو سنة ، فلهذا أمر الذي قام من القعود الأخير حتى استتم قائما بالرجوع إليه لا لما ذهب إليه الآخرون . قال أبو جعفر : فهذا هو النظر عندنا في هذا الباب لا ما قال الآخرون . ولكن أبا حنيفة ، وأبا يوسف ، ومحمدا ، رحمهم الله تعالى ، ذهبوا في ذلك إلى قول الذين قالوا : إن القعود الأخير مقدار التشهد من صلب الصلاة ؛ لأنه ثبت بالنص كما ذكرنا .

                                                        وقد قال بعض المتقدمين بما قالوا من ذلك .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية