الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (33) قوله تعالى: قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم . . "آدم" مبني [ ص: 268 ] على الضم؛ لأنه مفرد معرفة، وكل ما كان كذلك بني على ما كان يرفع به، وهو في محل نصب لوقوعه موقع [المفعول به فإن تقديره: أدعو آدم، وبني لوقوعه موقع] المضمر، والأصل: يا إياك، كقولهم: "يا إياك قد كفيتك" ويا أنت كقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      351 - يا أبجر بن أبجر يا أنتا

                                                                                                                                                                                                                                      أنت الذي طلقت عام جعتا

                                                                                                                                                                                                                                      قد أحسن الله وقد أسأتا

                                                                                                                                                                                                                                      و"يا إياك" أقيس من "يا أنت" لأن الموضع موضع نصب، فإياك لائق به، وتحرزت بالمفرد من المضاف، نحو: يا عبد الله، ومن الشبيه به وهو عبارة عما كان الثاني فيه من تمام معنى الأول، نحو: يا خيرا من زيد ويا ثلاثة وثلاثين، وبالمعرفة من النكرة غير المقصودة، نحو قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      352 - أيا راكبا إما عرضت فبلغن نداماي من نجران ألا تلاقيا



                                                                                                                                                                                                                                      فإن هذه الأنواع الثلاثة معربة نصبا.

                                                                                                                                                                                                                                      و"أنبئهم" فعل أمر وفاعل ومفعول، والمشهور: أنبئهم مهموزا مضموم الهاء، وقرئ بكسر الهاء، وتروى عن ابن عامر، كأنه أتبع الهاء لحركة الباء [ ص: 269 ] ولم يعتد بالهمزة لأنها ساكنة، فهي حاجز غير حصين، وقرئ بحذف الهمزة ورويت عن ابن كثير، قال ابن جني: "هذا على إبدال الهمزة ياء كما تقول: أنبيت بزنة أعطيت.

                                                                                                                                                                                                                                      قال: "وهذا ضعيف في اللغة؛ لأنه بدل لا تخفيف، والبدل عندنا لا يجوز إلا في ضرورة"، وهذا من أبي الفتح غير مرض لأن البدل جاء في سعة الكلام، حكى الأخفش في "الأوسط" له أنهم يقولون في أخطأت: أخطيت، وفي توضأت: توضيت، قال: "وربما حولوه إلى الواو، وهو قليل، قالوا: رفوت في رفأت ولم يسمع رفيت".

                                                                                                                                                                                                                                      إذا تقرر ذلك فللنحويين في حرف العلة المبدل من الهمزة نظر في أنه هل يجري مجرى حرف العلة الأصلي أم ينظر أصله؟ ورتبوا على ذلك أحكاما ومن جملتها: هل يحذف جزما كالحرف غير المبدل [أم لا] نظرا إلى أصله، واستدل بعضهم على حذفه جزما بقول زهير:


                                                                                                                                                                                                                                      353 - جريء متى يظلم يعاقب بظلمه     سريعا وإلا يبد بالظلم يظلم



                                                                                                                                                                                                                                      لأن أصله "يبدأ" بالهمزة فكذلك هذه الآية أبدلت الهمزة ياء ثم حذفت حملا للأمر على المجزوم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ "أنبيهم" بإثبات الياء نظرا إلى [ ص: 270 ] الهمزة، وهل تضم الهاء نظرا للأصل أم تكسر نظرا للصورة؟ وجهان منقولان عن حمزة عند الوقف عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      و"بأسمائهم" متعلق بـ(أنبئهم)، وهو المفعول الثاني كما تقدم، وقد يتعدى بـ"عن" نحو: أنبأته عن حاله، وأما تعديته بـ"من" في قوله تعالى: قد نبأنا الله من أخباركم فسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: قال ألم أقل لكم إني أعلم الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      "قال" جواب "فلما" والهمزة للتقرير إذا دخلت على نفي قررته فيصير إثباتا نحو: ألم نشرح أي: قد شرحنا و"لم" حرف جزم وقد تقدم أحكامها، و"أقل" مجزوم بها حذفت عينه وهي الواو لالتقاء الساكنين.

                                                                                                                                                                                                                                      و"لكم" متعلق به، واللام للتبليغ، والجملة من قوله: "إني أعلم" في محل نصب بالقول، وقد تقدم نظائر هذا التركيب فلا حاجة إلى إعادته.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وأعلم ما تبدون كقوله: أعلم ما لا تعلمون من كون "أعلم" فعلا مضارعا أو أفعل بمعنى فاعل أو أفعل تفضيل، وكون "ما" في محل نصب أو جر وقد تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      والظاهر: أن جملة قوله: "وأعلم" معطوفة على قوله: إني أعلم غيب فتكون في محل نصب بالقول، وقال أبو البقاء : "إنه مستأنف وليس محكيا بالقول"، ثم جوز فيه ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 271 ] و"تبدون" وزنه: تفعون؛ لأن أصله تبدوون مثل تخرجون، فأعل بحذف الواو بعد سكونها.

                                                                                                                                                                                                                                      والإبداء: الإظهار.

                                                                                                                                                                                                                                      والكتم: الإخفاء، يقال: بدا يبدو بداء، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      354 - . . . . . . . .     بدا لك في تلك القلوص بداء



                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وما كنتم تكتمون : "ما" عطف على "ما" الأولى بحسب ما تكون عليه من الإعراب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية