الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (50) قوله: وإذ فرقنا بكم البحر . . "بكم" الظاهر أن الباء على بابها من كونها داخلة على الآلة فكأنه فرق بهم كما يفرق بين الشيئين بما توسط بينهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء : ويجوز أن تكون المعدية كقولك: ذهبت بزيد، فيكون التقدير: أفرقناكم البحر، ويكون بمعنى: وجاوزنا ببني إسرائيل البحر وهذا قريب من الأول.

                                                                                                                                                                                                                                      ويحوز أن تكون الباء للسببية أي: بسببكم، ويجوز أن تكون للحال من "البحر" أي: فرقناه ملتبسا بكم، ونظره الزمخشري بقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      454 - . . . . . . تدوس بنا الجماجم والتريبا



                                                                                                                                                                                                                                      أي: تدوسها ونحن راكبوها.

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو البقاء : أي: فرقنا البحر وأنتم به، فتكون إما حالا مقدرة أو مقارنة".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: وأي حاجة إلى جعله إياها حالا مقدرة وهو لم يكن مفروقا إلا بهم حال كونهم سالكين فيه؟ وقال أيضا: و"بكم" في موضع نصب، مفعول ثان لفرقنا، و"البحر" مفعول أول، والباء هنا في معنى اللام" وفيه نظر؛ لأنه على تقدير تسليم كون الباء بمعنى اللام فتكون لام العلة، والمجرور بلام العلة لا يقال إنه مفعول ثان، لو قلت: [ ص: 350 ] ضربت زيدا لأجلك، لا يقول النحوي: "ضرب" يتعدى لاثنين إلى أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر.

                                                                                                                                                                                                                                      والفرق والفلق واحد، وهو الفصل والتمييز، ومنه وقرآنا فرقناه [أي: فصلناه] وميزناه بالبيان، والقرآن فرقان لتمييزه بين الحق والباطل، وفرق الرأس لوضوحه، والبحر أصله: الشق الواسع، ومنه: البحيرة لشق أذنها.

                                                                                                                                                                                                                                      والخلاف المتقدم في النهر في كونه حقيقة في الماء أو في الأخدود جار هنا، فليلتفت إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وهل يطلق على العذب بحر، أو هو مختص بالماء الملح؟ خلاف يأتي تحقيقه في موضعه.

                                                                                                                                                                                                                                      ويقال: أبحر الماء أي: صار ملحا قال نصيب:


                                                                                                                                                                                                                                      455 - وقد عاد ماء الأرض بحرا فزادني     إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب



                                                                                                                                                                                                                                      والغرق: الرسوب في الماء، وتجوز به عن المداخلة في الشيء، فيقال: أغرق فلان في اللهو، ويقال: غرق فهو غرق وغارق، وقال أبو النجم:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 351 ]

                                                                                                                                                                                                                                      456 - من بين مقتول وطاف غارق      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      ويطلق على القتل بأي نوع كان، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      457 - . . . . . . . . ...     ألا ليت قيسا غرقته القوابل



                                                                                                                                                                                                                                      والأصل فيه أن القابلة كانت تغرق المولود في دم السلى عام القحط ليموت، ذكرا كان أو أنثى، ثم جعل كل قتل تغريقا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه قول ذي الرمة:


                                                                                                                                                                                                                                      458 - إذا غرقت أرباضها ثني بكرة     بتيهاء لم تصبح رؤوما سلوبها



                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وأنتم تنظرون جملة من مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال من "آل فرعون" والعامل "أغرقنا"، ويجوز أن يكون حالا من مفعول "أنجيناكم".

                                                                                                                                                                                                                                      والنظر يحتمل أن يكون بالبصر لأنهم كانوا يبصرون بعضهم بعضا لقربهم، وقيل: إن آل فرعون طفوا على الماء فنظروا إليهم، وأن يكون بالبصيرة والاعتبار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: وأنتم بحال من ينظر لو نظرتم، ولذلك لم يذكر له مفعول.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 352 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية