الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (84) قوله تعالى: وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون : كقوله: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل: لا تعبدون إلا الله .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: من دياركم متعلق بتخرجون ومن لابتداء الغاية.

                                                                                                                                                                                                                                      وديار جمع دار والأصل: دور؛ لأنها من دار يدور دورانا، وأصل ديار: دوار، وإنما قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، واعتلالها في الواحد، وهذه قاعدة مطردة في كل جمع على فعال صحيح اللام قد اعتلت عين مفرده أو سكنت حرف علة نحو: دار وديار وثياب، ولذلك صح "رواء" لاعتلال لامه، و"طوال" لتحرك عين مفرده وهو طويل، فأما "طيال" في طوال فشاذ.

                                                                                                                                                                                                                                      وحكم المصدر حكم هذا نحو: قام قياما وصام صياما، ولذلك صح "لواذا" لصحة فعله في قولهم: لاوذ، وأما "ديار" فهو من لفظة الدار، وأصله ديوار، فاجتمع الياء والواو فأعلا على القاعدة المعروفة فوزنه: فيعال لا فعال، إذ لو كان فعالا لقيل: دوار كصوام وقوام.

                                                                                                                                                                                                                                      والدار مجتمع القوم من الأبنية، وقال الخليل: "كل موضع حله الناس، وإن لم يكن أبنية".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ: "تسفكون" بضم الفاء، و"تسفكون" من سفك مضعفا، "وتسفكون" من أسفك الرباعي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: دماءكم يحتمل الحقيقة وقد وجد من قتل نفسه، ويحتمل المجاز وذلك من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: إقامة السبب مقام المسبب، أي: إذا سفكتم [ ص: 474 ] دم غيركم فقد سفك دمكم، وهو قريب من قولهم: "القتل أنفى للقتل".

                                                                                                                                                                                                                                      قال:


                                                                                                                                                                                                                                      583 - سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ولكنهم كانوا على الموت أصبرا



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: "المعنى: لا يسفك بعضكم دم بعض" واختاره الزمخشري .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: "لا تسفكوها بارتكابكم ما يوجب سفكها كالارتداد ونحوه".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ثم أقررتم قال أبو البقاء : فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما أن "ثم" على بابها في إفادة العطف والتراخي، والمعطوف عليه محذوف تقديره: فقبلتم ثم أقررتم.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن تكون "ثم" جاءت لترتيب الخبر لا لترتيب المخبر عنه، كقوله تعالى: ثم الله شهيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وأنتم تشهدون كقوله: وأنتم معرضون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية