الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( رجل قال : لرجل أسلمت إلي عشرة دراهم في كر حنطة ثم قال : بعد ما سكت ولكنى لم أقبض الدراهم منك وقال رب السلم بل قبضتها فالقول قول رب السلم استحسانا وفي القياس القول قول المسلم إليه ) وكذلك لو كان رأس المال ثوبا . وجه القياس أن السلم اسم للعقد وإقراره لا يكون إقرارا بالقبض كالبيع فإنه إذا قال : ابتعت منك كذا ثم قال : لم أقبض كان القول قوله في ذلك لأنه منكر للقبض والآخر يدعي عليه التسليم فجعل القول قول المنكر فكذا في السلم ألا ترى أنه لو قال : ذلك موصولا بكلامه كان القول قوله ولو صار بالإقرار بالسلم مقرا بالقبض لكان هذا رجوعا والرجوع لا يعمل موصولا كان أو مفصولا ولكنه استحسن فقال : السلم أخذ عاجل بآجل فمطلقه يقتضي الإقرار بالعقد والقبض جميعا فكان قوله لم أقبضه بيانا فيه تغيير لمقتضى مطلق كلامه والبيان المغير للفظه صحيح موصولا بكلامه لا مفصولا وهذا تخصيص للفظه العام والتخصيص ممن لا يملك الإبطال صحيح موصولا لا مفصولا بمنزلة الاستثناء قال : في الأصل وهذا مثل قوله قد أعطيتني عشرة دراهم في كر حنطة أو أسلفتني أو أقرضتني عشرة دراهم برءوسها ثم قال : لم أقبض والقياس والاستحسان في الكل ولكن من عادته الاستشهاد بالأوضح وكذلك لو قال : علي ألف درهم من ثمن جارية بعتنيها ثم قال : لم أقبضها وقال : الآخر قد قبضت فهو غير مصدق في قوله لم أقبضها وصل أم قطع في قول أبي حنيفة وكان أبو يوسف يقول أولا إن وصل يصدق وإن فصل لم يصدق ثم رجع وقال : إذا فصل يسأل المقر له عن جهة المال فإن أقر بجهة البيع وقال : قد قبضتها فالقول قول المقر إني لم أقبضها وإن قال : المال عليه من جهة أخرى فالقول قوله والمال لازم على المقر وهو قول محمد وهذا في الحقيقة ليس برجوع بل تفسير لما أبهمه في الابتداء

وجه قولهما أنهما تصادقا على البيع فالبائع يدعي تسليم المعقود عليه والمشتري منكر فالقول قول المنكر كما لو قال : ابتعت منك جارية بألف درهم ثم قال : لم أقبضها أو قال : لك علي ألف درهم ثمن هذه الجارية التي بعتها مني ولم أقبضها فالقول قوله في ذلك فإن لم يصدقه المقر له في الجهة فقد أقر بوجوب المال له عليه ثم ادعى ما يسقطه فلا يصدق إذا كان مفصولا لما بينا أن قوله لم أقبضها بيان مغير لموجب إقراره فيصح موصولا لا مفصولا كالاستثناء إذا قال : لفلان علي ألف درهم إلا مائة أو قال : إلا وزن خمسة وأبو حنيفة يقول أقر بالقبض ثم رجع والرجوع باطل موصولا كان أو [ ص: 165 ] مفصولا ومعنى هذا أنه أقر بكون المال دينا في ذمته بقوله له علي ألف درهم ثمن جارية غير معينة وثمن الجارية التي هي غير معينة لا يكون واجبا إلا بالقبض لأن التي هي غير معينة في حكم المستهلكة وثمن الجارية المستهلكة لا يكون واجبا إلا بعد القبض فعرفنا أنه أقر بالقبض ثم رجع بخلاف قوله ابتعت فهنالك ما أقر بأن المال واجب في ذمته إنما أقر بالابتياع وذلك لا يكون إقرارا بالقبض وبخلاف قوله ثمن هذه الجارية لأنه إنما أقر بوجوب المال عليه بمقابلة جارية معينة وثمن الجارية المعينة يكون واجبا قبل القبض يوضحه أنه أقر بالمال وادعى لنفسه أجلا غير متناه فإن المشتري لا يلزمه تسليم الثمن إلا بعد إحضار البائع المبيع وما من جارية يحضرها البائع إلا وللمشتري أن يقول المبيعة غيرها ولو ادعى لنفسه أجلا معلوما كشهر أو سنة لم يقبل قوله في ذلك وصل أو فصل فهنا أولى بخلاف الجارية المعينة فإن هناك ما ادعى لنفسه أجلا لأنها حاضرة وإنما أقر على نفسه بالمال بشرط أن يسلم له تلك الجارية ألا ترى أن المقر له لو قال : الجارية جاريتك ما بعتها ولي عليك ألف درهم يلزمه المال ولو قال : الجارية جاريتي ولي عليك المال لم يلزمه شيء لأنه لم يسلم له شرطه

التالي السابق


الخدمات العلمية