الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وأما الكلام في الفصل الثاني فوجه القياس فيه أن العقد متى اشتمل على أعواض من أجناس مختلفة ينقسم البعض على البعض باعتبار القيمة كما لو باع عبدا أو ثوبا بجارية وحمار وهذا لأن الانقسام يكون على وجه يعتدل فيه النظر من الجانبين حال بقاء العقد وحال انفساخه في البعض يعارض وإنما يكون ذلك في الانقسام باعتبار القيمة وأما في صرف الجنس إلى خلاف الجنس يتضرر أحدهما عند انفساخ العقد في البعض بعارض والدليل عليه أنه باع قفيز تمر بقفيزي تمر لا يجوز ولا يجعل التمر من كل جانب بمقابلة النوى من الجانب الآخر ولو باع منا من لحم بنوى لحم لا يجوز ولا يجعل اللحم من كل جانب بمقابلة العظم من الجانب الآخر حتى يجوز ولو اشترى عبدا بألف [ ص: 190 ] درهم نسيئة ثم باعه من البائع مع آخر بألف وخمسمائة لا يجوز العقد فيما اشتراه لأنه اشترى ما باع بأقل مما باع وتصحيح العقد هنا يمكن بأن يجعل بمقابلة العبد الأول من الثمن الثاني مثل الثمن الأول والباقي بإزاء الآخر ومع ذلك اعتبر الانقسام بالقيمة فهذا مثله يدل عليه أن في الأموال الربوية يصرف الجنس إلى الجنس لا إلى خلاف الجنس فإنه إذا باع ثوبا وعشرة بثوب وعشرة بشرط قبض الدراهم في المجلس لأنه يجعل صرفا في حق الدراهم

ووجه الاستحسان الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم { فإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد } وقد اشتمل العقد هنا على نوعين مختلفين فينبغي أن يجوز العقد كيف شاء المتعاقدان والمعنى فيه ما بينا أن تحصيل مقصود المتعاقدين ممكن بطريق شرعي وهو صرف الجنس إلى خلاف الجنس فيجب المصير إليه ويجعل ذلك كالمصرح به وهذا لأن الانقسام في سائر المعاوضات باعتبار القيمة ليس بمقتضى العقد بل للمعاوضة والمساواة إذ ليس صرف البعض أولى من البعض فيصير الانقسام والتوزيع باعتبار القيمة للمعاوضة وذلك غير موجود هنا لأنه لو صرف الجنس إلى الجنس فسد العقد ولو صرف الجنس إلى خلاف الجنس صح العقد ولا معاوضة بين الجائز والفاسد الجائز مشروع بأصله ووصفه والفاسد مشروع بأصله حرام بوصفه فإذا لم تتحقق المعاوضة على وجه المساواة لا يصار إلى الانقسام باعتبار القيمة ولكن يترجح ما هو مشروع من كل وجه على ما هو مشروع من وجه دون وجه بخلاف النوى مع التمر فالتمر والنوى كله مكيل من جنس واحد ولو صرح بصرف التمر إلى النوى لم يجز العقد وكذلك العظم مع اللحم لأنه مركب فيه خلقه كالنوى في التمر فإذا كان عند التصحيح لا يصح العقد فعند الإطلاق لا يحمل عليه أيضا فأما مسألة العبدين

( قلنا ) فصل المعاوضة يتحقق هناك لأن جهات الجواز تكثر فإنه إن جعل بمقابلته مثل الثمن الأول يجوز وكذلك إن جعل بمقابلته أكثر من الثمن الأول فلكثرة جهات الجواز يتحقق معنى المعاوضة ويجب المصير إلى الانقسام باعتبار القيمة وهنا لا وجه للجواز إلا واحد وهو صرف الجنس إلى خلاف الجنس يوضحه أن شرط الجواز هناك أن لا يكون الثمن الثاني أقل من الثمن الأول فكأنهما ولو صرحا بهذا لم يصر مقدار الثمن معلوما فلا يجوز العقد فإن قيل المعاوضة هنا تتحقق أيضا فإنه إذا جعل الدراهم بمقابلة الدينارين يجوز وإن جعل نصف درهم والنصف الباقي بمقابلة الدينار ونصف دينار بمقابلة نصف الدينار والباقي بمقابلة درهم ونصف يجوز أيضا ( قلنا ) نعم [ ص: 191 ] ولكن هذا بطريق صرف الجنس إلى خلاف الجنس ونحن ادعينا أنه لا وجه للجواز هنا إلا هذا الطريق فكيف ما يشتغل به لا يخرج به الطريق من أن يكون عينا وإذا اشترى ثوبا وعشرة بثوب وعشرة ( قلنا ) هناك العقد صحيح من غير أن يصرف الجنس إلى خلاف الجنس فإن القبض في مجلس شرط بقاء العقد صحيحا لا شرط الانعقاد صحيحا ونحن إنما صححنا هذا التصحيح العقد لا للبقاء صحيحا فلا يلزم

التالي السابق


الخدمات العلمية