الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإذا أسلم الرجل إلى رجل في كر حنطة فأعطاه كرا بغير كيل فليس له أن يبيعه ولا يأكله حتى يكتاله ) لأن المسلم فيه مبيع وإنما اشتراه رب السلم بذكر الكر فلا يتصرف فيه حتى يكتاله والأصل فيه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان صاع البائع وصاع المشتري } يعني إذا اشتراه بشرط الكيل فليس له أن يكتفي بكيل البائع ولا يتصرف فيه بعد القبض حتى يكيله وهذا لأنه إنما يملك المعقود عليه والمعقود عليه القدر المسمى ولا يعلم ذلك إلا بالكيل ألا ترى أنه لو كاله فوجده أزيد يلزمه رد الزيادة وتصرفه من حيث الأكل والبيع بحكم الملك فما لم يتعين ملكه بمعرفة المقدار لم يكن له أن يتصرف فيه وإن هلك عنده وهو مقر بأنه كر واف فهو مستوف لأنه قبضه على وجه التملك بعقد السلم فيصير مضمونا عليه بالقبض وقد هلك عنده فيلزمه مثله وقد أقر أنه كان كرا فيصير مستوفيا بطريق المقاصة لأن ما في المقاصة آخر الدينين قضاء عن أولهما وآخره دين المسلم إليه فيصير رب السلم مقتضيا طعام السلم به ولأن القبض تلاقي العين واستيفاء الدين لا يكون إلا من العين فإذا أقر أنه كان كرا فقد علمنا أنه بقبضه صار مستوفيا لحقه وهذا الحكم في كل مكيل وموزون فأما في المذروعات له أن يتصرف قبل الذرع لأن الذرع [ ص: 166 ] صفة حتى لو وجدوه أزيد يسلم له الزيادة

ولو وجده أنقص لا يحط شيئا من الثمن فعرفنا أن الملك بالعقد إنما يثبت له في العين وقد تم قبضه في العين وفي العدديات المتقاربة أظهر الروايتين عن أبي حنيفة أنه لا يتصرف قبل العد في العدديات مقدار كالكيل والوزن حتى لو وجده زائدا لا يسلم له الزيادة ولو وجده أنقص يحط حصة النقصان من الثمن وقد روي عنه أنه جوز التصرف فيه قبل العد وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأن بصفة العدد لا يصير مال الربا فهو بمنزلة الذرع في المذروعات والزيادة والنقصان لا يتحققان فيه إلا بغلط في العدد بخلاف الكيل والوزن والزيادة والنقصان هناك يظهران باجتهاد من الكيال والوزان من غير أن يتيقن بالخطأ فيه وهنا الزيادة والنقصان لا يظهران إلا بغلط في العد فكان العقد متناولا للعين فيجوز التصرف فيه قبل العد كما في المذروعات وجه قول أبي حنيفة أن المقصود عليه في العدديات العدد لأنه مقدار كالكيل والوزن ألا ترى أنه لو وجده أزيد لا يسلم له الزيادة ولو وجده أنقص يحط بحصة النقصان من الثمن فصار المعقود عليه القدر والقدر لا يصير معلوما إلا بالعد إلا أنه لا يجري فيه الربا لأنه صار عدديا باصطلاح الناس لا بجعل الشرع أمثالا متساوية فإذا باع جوزة بجوزتين فقد أعرضا عن ذلك الاصطلاح وما ثبت باصطلاح الناس يبطل باصطلاحهم أيضا بخلاف المكيل والموزون

التالي السابق


الخدمات العلمية