الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        قال : الأمر المجتمع عليه عندنا ، فيمن باع عبدا أو وليدة أو حيوانا بالبراءة ، من أهل الميراث أو غيرهم ، فقد برئ من كل عيب فيما باع ، إلا أن يكون علم في ذلك عيبا فكتمه ، فإن كان علم عيبا فكتمه ، لم تنفعه تبرئته ، وكان ما باع مردودا عليه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        28065 - قال أبو عمر : هكذا هو في " الموطأ " عند أكثر الرواة فيمن باع عبدا ، أو وليدة ، أو حيوانا بالبراءة .

                                                                                                                        28066 - وكان مالك يفتي به مرة في سائر الحيوان ، ثم رجع عنه إلى أن البراءة لا تكون في شيء من الحيوان إلا في الرقيق .

                                                                                                                        28067 - قال ابن القاسم عن مالك : البراءة لا تكون في الثياب .

                                                                                                                        28068 - وقال في الخشب إذا كان العيب داخل الخشبة ، فليس بعيب ترد منه .

                                                                                                                        28069 - قال : وكان مالك يقول مرة : لا تنفعه البراءة في شيء يتابعه الناس ، كانوا أهل ميراث ، أو غيرهم إلا بيع الرقيق وحده ، فإنه كان يرى البراءة فيه ما [ ص: 46 ] لم يعلم ، وإن علم عيبا ، فلم يسمه وقد باع بالبراءة لم تنفعه البراءة من ذلك العيب .

                                                                                                                        28070 - قال : ولو أن أهل الميراث باعوا دواب ، وشرطوا البراءة ، وباع الوصي كذلك لم ينفعه ذلك في الدواب ، وليست البراءة إلا في الرقيق ، ثم رجع فقال : لا أرى البراءة تنفع في الرقيق لأهل الميراث ، ولا للوصي ، ولا لغيرهم ، وإنما كانت البراءة لأهل الديون يفلسون ، فيبيع عليهم السلطان .

                                                                                                                        28071 - قال مالك : ولا أرى البراءة تنفع أهل الميراث ، ولا غيرهم إلا أن يكون عيبا خفيفا ، وليست البراءة إلا في الرقيق .

                                                                                                                        28072 - والبراءة الذي يتبرأ بها في هذا إذا قال : أبيعك بالبراءة ، فقد برئ مما يصيب العبد من الأيام الثلاثة ، ومن عهدتها أيضا .

                                                                                                                        28073 - وقال ابن خواز منداد : اختلف قول مالك في البيع بالبراءة : 28074 - فقال مرة : إذا باع بالبراءة برئ من كل عيب لم يعلمه ، ولا يبرأ من عيب علمه فكتمه في الحيوان كله .

                                                                                                                        28075 - وقال مرة أخرى : لا براءة إلا في الرقيق .

                                                                                                                        28076 - وقد قال : لا تنفعه البراءة بوجه من الوجوه إلا من عيب يريه المشتري .

                                                                                                                        28077 - وبهذا قال الشافعي في الكتاب العراقي ببغداد .

                                                                                                                        28078 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إذا باع بيعا بالبراءة من كل عيب [ ص: 47 ] جاز ، سمى العيوب أو لم يسم .

                                                                                                                        28079 - وبه قال أبو ثور .

                                                                                                                        28080 - وقال الثوري : إذا باع السلعة بالبراءة ، فسمى العيوب ، وتبرأ منها ، فقد برئ ، وإن لم يرها إياه .

                                                                                                                        28081 - وقال ابن أبي ليلى : لا يبرأ حتى يسمي العيوب كلها بأسمائها .

                                                                                                                        28082 - وهو قول شريح ، والحسن ، وطاوس .

                                                                                                                        28083 - وقال الحسن بن حي : لا يبرأ حتى يبين ، ويسمي .

                                                                                                                        28084 - وقال أحمد بن حنبل : لا يبرأ حتى يسمي العيوب كلها ، ويضع يده عليها .

                                                                                                                        28085 - وقال أحمد : من باع رقيقا ، أو حيوانا بالبراءة من كل عيب لم يبرأ مما علم ، إنما يبرأ مما لم يعلم .

                                                                                                                        28086 - وقال الليث بن سعد في بيع المواريث : إنه بيع براءة ، وإن باع صاحب الميراث ، فقد برئ من العيوب كلها ، إلا أن تقوم بينة ، أنه علم ذلك العيب ، فكتمه .

                                                                                                                        28087 - وقال عبيد الله بن الحسن في رجل اشترى إبلا ، فقال البائع : إنه [ ص: 48 ] بريء من الجرب ، ولم يعلمه أن بها جربا ، فإذا هي جرباء ، فإنه يردها ، وإذا تبرأ من كل عيب ، لم يبرأ بذلك ، وإذا أراه العيب ، فقد برأه .

                                                                                                                        28088 - وقال الشافعي : إذا باع شيئا من الحيوان بالبراءة ، فالذي أذهب إليه في ذلك قضاء عثمان بن عفان أنه بريء من كل عيب لم يعلمه ، ولم يبرأ من عيب علمه ، ولا يسمه ، ولم يقف عليه ، والحيوان يفارق ما سواه ; لأنه يعتدي بالصحة والسقم ، وتحول طبائعه ، وقل ما يبرأ من عيب يخفى ، أو يظهر ، فإن صح ما في القياس لولا ما وصفنا من افتراق الحيوان وغيره إلا أن يبرأ من عيوب لم يرها ، وإن سماها لاختلافها ، أو يبرأ من كل عيب ، والأول أصح .

                                                                                                                        28089 - وقال إسحاق بن راهويه في بيع البراءة بقول عثمان رضي الله عنه .

                                                                                                                        28090 - قال أبو عمر : روي عن زيد بن ثابت أنه كان يرى البراءة من كل عيب جائزة .

                                                                                                                        28091 - وهو مذهب ابن عمر على ما تقدم عنه في أول الباب .

                                                                                                                        28092 - وحجة من قال بهذا القول القياس والاستدلال بأن من أبرأ رجلا كان يعامله من كل حق له قبله ، فإنه يبرأ منه في الحكم ; لأنه حق [ ص: 49 ] للمشتري إذا جاز تركه تركه .

                                                                                                                        28093 - وأصح ما فيه عندي - والله أعلم - قول من قال : لا يبرأ من العيوب حتى يريه إياه ، ويقفه عليه ، فيتأمله المشتري ، وينظر إليه ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الخبر كالمعاينة " .

                                                                                                                        28094 - معلوم أن العيوب تتفاوت بعضها أكثر من بعض ، فكيف يبرأ بما لم يعلم المشتري قدره .




                                                                                                                        الخدمات العلمية