الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6844 7272 - حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن عبد الله بن دينار، أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه: وأقر بذلك بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت. [ انظر: 7203 - فتح: 13 \ 245 ].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              تقدمت غالب أحاديثه لننبه عليها، فنقول:

                                                                                                                                                                                                                              ذكر في الباب حديث سفيان عن مسعر وغيره، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: قال رجل من اليهود لعمر: يا أمير المؤمنين، لو علينا نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [ المائدة: 3 ] لاتخذنا ذلك اليوم عيدا.

                                                                                                                                                                                                                              فقال عمر: إني لأعلم أي يوم نزلت هذه الآية، نزلت يوم عرفة في يوم جمعة.
                                                                                                                                                                                                                              سمع سفيان مسعرا، ومسعر قيسا، وقيس طارقا.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه سمع عمر - رضي الله عنه - حين بايع المسلمون أبا بكر - رضي الله عنه - ، فقال: أما بعد، فاختار الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي عنده على الذي عندكم، وهدا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا لما هدى الله به رسوله.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ضمني إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقال: "اللهم علمه الكتاب".

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي برزة قال: إن الله نعشكم بالإسلام وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - : أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه: وأقر بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 11 ] الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              قيل معنى الآية: اليوم أكملت لكم دينكم بأن أهلكت عدوكم، وأظهرت دينكم على الدين كله، وقيل المعنى: أكملت فوق ما تحتاجون إليه من الحلال والحرام في أمر دينكم، قال الداودي: في الآية تقديم وتأخير رضاه الإسلام منذ خلق الله تعالى الخلق، والواو لا توجب التقديم والتأخير، والاشتراك والرتبة، فأنزل الله على نبيه جملا فسر منها ما احتيج إليه، وما تأخر بيانه ولم ينزل في وقته فسره عند نزوله; قال تعالى: ولو ردوه إلى الرسول الآية [ النساء: 84 ].

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وكان تقديم عمر - رضي الله عنه - في الكلام بين يدي الصديق الغد من وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليذكر من فضائل أبي بكر - رضي الله عنه - ما لم يمكن أن يذكره أبو بكر - رضي الله عنه - .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقول ابن عباس - رضي الله عنهما - : ( ضمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فيه قبول الخبر إذا سمعه وهو صغير، وقوله: ( يغنيكم - أو - نعشكم ) وقيل: صوابه: نعشكم، وفي رواية: يغنيكم، وهو مطابق للتبويب، وقال الداودي: ذكره لحديث أبي برزة إنما ذكره لقبول خبر الواحد.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 12 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              لا عصمة لأحد إلا في الكتاب والسنة والإجماع، والسنة: الطريقة، وقسمها ابن بطال إلى واجب وغيره، فالأول: ما كان تفسيرا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفرض الله، وكل ما أمر به أو نهى عنه أو فعله فهو سنة، ما لم يكن خاصا له.

                                                                                                                                                                                                                              والثاني: ما كان من فعله تطوعا ولا يحرج أحد في تركه كإجابة المؤذن، وكقوله: "لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا".

                                                                                                                                                                                                                              وأكثر الصحابة كان لهم ضياع، فدل على أنه أدب منه نستعين به على دفع الرغبة في الدنيا، ومثل ذلك مما أمر به تأديبا لأمته بأكرم الأخلاق من غير أن يوجب ذلك عليهم، ومن ذلك ما فعله في خاصة نفسه من أمر الدنيا كاتخاذه لنعله قبالين، ولبسه النعال السبتية، وصبغه إزاره بالورس، وحبه القرع، وإعجابه بالطيب، وحبه من الشاة الذراع، ونومه على الشق الأيمن، وسرعته في المشي، وخروجه يوم الخميس في السفر، وقدومه منه في الضحى وشبه ذلك، فلم يسنه لأمته ولا دعاهم إليه، ومن تشبه به حبا له كان أقرب إلى ربه كفعل ابن عمر - رضي الله عنهما - في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو بكر بن الطيب: ما كان من أفعاله بيانا ( لجملة ) [ ص: 13 ] فلا خلاف بين العلماء أنها على ( الجملة ).

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا ما كان منها واقعا موقع القرب لا على وجه البيان والامتثال لتمثيل أمر ( ربه ) فقال مالك وأكثر أهل العراق: إنها على الوجوب إلا أن يمنع من ذلك دليل، وهو قول ابن سريج وابن خيران، وقال بعض أصحاب الشافعي: إنها على الندب وإن التأسي به مندوب إليه إلا أن يقوم دليل على [ وجوبها، وقال كثير من أهل الحجاز والعراق وأصحاب الشافعي: إنها على الوقف إلا أن يقوم دليل على ] كونها ندبا أو مباحة أومحظورة. قال أبو بكر: وبهذا أقول.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حزم في "إحكامه": أجمعوا كلهم إنسهم وجنهم في كل زمان ومكان على أن السنة واجب اتباعها، ( وأنه ) ما سنه رسول الله، ومن اتبع ما صح برواية الثقات مسندا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقد اتبع السنة يقينا، ولزم الجماعة وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والتابعون لهم بإحسان، ومن أتى بعدهم من الأئمة، وأن من اتبع أحدا غير سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يتبع السنة ولا الجماعة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية