الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6966 7401 - حدثنا أبو نعيم، حدثنا ورقاء، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " لا تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفا فليحلف بالله ". [ فتح: 13 \ 279 ].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء أحدكم إلى فراشه فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث [ ص: 236 ] مرات، وليقل: باسمك رب وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين".

                                                                                                                                                                                                                              تابعه يحيى وبشر بن المفضل، عن عبيد الله، عن سعيد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              وزاد زهير وأبو ضمرة وإسماعيل بن زكرياء، عن عبيد الله، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              تابعه محمد بن عبد الرحمن، والدراوردي، وأسامة بن حفص.

                                                                                                                                                                                                                              عن ربعي، عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه قال: "اللهم باسمك أحيا وأموت" إذا أصبح قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني، وهو في الحقيقة ثالث:

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا سعد بن حفص، ثنا شيبان، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ مضجعه من الليل قال: "باسمك نموت ونحيا" فإذا استيقظ قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".

                                                                                                                                                                                                                              وسعد هذا طلحي، مولاهم كوفي أبو محمد المعروف بالضخم، مات سنة خمس عشرة ومائتين، انفرد به البخاري وروي عن شيبان النحوي فقط.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : "لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله فقال: باسم الله" الحديث سلف

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 237 ] الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عدي - رضي الله عنه - في التسمية على الصيد وفيه: "إذا رميت بالمعراض فخزق فكل ".

                                                                                                                                                                                                                              وخزق المعراض: شق اللحم وقطعه، وهو بالزاي وروي بالراء، ومعناهما واحد. والمعراض سهم لا ريش له.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الخامس:

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت هشام ابن عروة يحدث عن أبيه، عن عائشة قالت: قالوا: يا رسول الله، إن هنا أقواما حديث عهدهم بشرك، يأتونا بلحمان لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا. قال: " اذكروا أنتم اسم الله وكلوا ". تابعه محمد بن عبد الرحمن والدراوردي وأسامة بن حفص.

                                                                                                                                                                                                                              السادس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أنس - رضي الله عنه - قال: ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين، يسمي ويكبر.

                                                                                                                                                                                                                              السابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث جندب - رضي الله عنه - : "ومن لم يذبح فليذبح باسم الله".

                                                                                                                                                                                                                              الثامن:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - : "لا تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفا فليحلف بالله".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              متابعة أبي ضمرة ويحيى سلفت في الدعوات بزيادات.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 238 ] ومتابعة يحيى أخرجها النسائي عن عمرو بن علي وابن مثنى، عن يحيى، عن عبيد الله به، ورواه أيضا عن زياد بن يحيى، عن معتمر بن سليمان، عن عبيد الله، عن سعيد، وعن محمد بن حاتم، عن سويد، عن ابن المبارك، عن عبيد الله، عن سعيد به ولم يرفعه.

                                                                                                                                                                                                                              وزيادة زهير أخرجها البخاري وأبو داود عن أحمد بن يونس عنه.

                                                                                                                                                                                                                              وزيادة إسماعيل أخرجها الطبراني في "الأوسط" عن محمد بن عمران، أنا محمد بن الربان عنه، ورواية ابن عجلان سلفت هناك، وأخرجها النسائي عن قتيبة، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن ابن عجلان، عن سعيد به.

                                                                                                                                                                                                                              ومتابعة أسامة في حديث عائشة أسندها في الذبائح فقال: حدثنا محمد بن عبد الله، ثنا أسامة بن حفص به.

                                                                                                                                                                                                                              ومتابعة الدراوردي رواها محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني عنه.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              و ( صنفة ثوبه ): طرفه، وقيل: حاشيته أي: جانبه، وقيل: هي الناحية التي عليها الهدب، وقيل: الطرة، والمراد هنا: طرفه. قاله عياض.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 239 ] وقال الجوهري: طرته وهو جانبه الذي لا هدب له، ويقال: الصنفة: النوع، والصنف بالفتح لغة، وكذا قال ابن قتيبة: صنفة الثوب: حاشيته التي لا هدب فيها، وعليه اقتصر ابن بطال.

                                                                                                                                                                                                                              وقد أسلفنا في الدعاء أن سره خشية أن يخالفه إليه شيء من الهوام، والصنفة بفتح الصاد وكسر النون، وقال ابن التين: رويناه بكسر الصاد وسكون النون، وفي "الصحاح": الأول.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( "وضعت جنبي" ). قال الداودي: يقول أنت خلقت فعلي.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( "بعد ما أماتنا" ) سمي النوم موتا; لقرب حاله من الميت، والعرب تسمي الشيء بالشيء إذا قاربه، قاله الداودي.

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ( "جنب الشيطان ما رزقتنا" ) يعني: الولد، فوقعت ( ما ) هنا لمن يعقل، وهي لغة غير مشهورة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( "لم يضره شيطان أبدا" ) يعني: الشرك; إذ لا يكاد أحد يخلو من الذنب، قاله الداودي.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( "اذكروا اسم الله وكلوا" ) فيه: أن ما في الشرع محمول على الإباحة حتى يظهر موجب تحريمه.

                                                                                                                                                                                                                              وتضحيته بكبشين حجة لمن فضل الغنم، وعندنا وعند أبي حنيفة الإبل ثم البقر ثم الغنم.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              غرض البخاري في هذا الباب أن يثبت أن الاسم هو المسمى في الله تعالى على ما ذهب إليه أهل السنة وموضع الدلالة منه قوله - عليه السلام - : ( "باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه" ).

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 240 ] وقوله في حديث حذيفة - رضي الله عنه - : ( "باسمك أحيا وأموت" )، ومعناه: بإقدارك إياي على وضع جنبي، كقولك: ( بغيرك ) وضعت جنبي. وقوله: "باسمك أحيا وأموت" ( بغيرك ) أحيا وأموت، وهذا كفر بالله تعالى، ويكون قوله: "وبك أرفعه" وقوله: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا" مراد به: الله تعالى، فيكون بعض الدعاء إلى الله وصرف الأمر فيه إلى غير الله تعالى. وهذا كفر صريح لا يخفى.

                                                                                                                                                                                                                              ومما يدل على أن اسم الله تعالى هو هو، قوله: فسبح باسم ربك العظيم [ الواقعة: 96 ] أي: سبح ربك العظيم ونزهه بأسمائه الحسنى، ولو كان اسم غيره لكان الله تعالى أمر نبينا بتنزيه معنى هو غير الله، وهذا مستحيل، ومما يدل على ذلك قوله - سبحانه وتعالى - : تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام [ الرحمن: 78 ] في قراءة من قرأ ( ذو الجلال ). وذو: وصف لا يشك فيه.

                                                                                                                                                                                                                              فإذا قد وصف الاسم بالجلال والإكرام، وهذا بخلاف القدرية التي تزعم كون كلامه محدث، وأنه تعالى لم يزل غير ذي اسم ولا صفة حتى يخلق الخلق وخلق كلامه، فسماه خلقه بأسماء محدثة، وسمى نفسه بمثلها. وهذا من الفساد بما قدمناه أنه تعالى لا يجوز أن يأمر نبيه بتنزيه غيره.

                                                                                                                                                                                                                              فإن قلت: فإذا قلتم إن اسم الله هو هو، فما معنى قوله - عليه السلام - : "إن لله [ ص: 241 ] تسعة وتسعين اسما"، وكيف تكون الذات الواحدة تسعة وتسعين شيئا، قالوا: وهذا كفر ممن قال به، فبان من هذا الحديث أن اسمه غيره.

                                                                                                                                                                                                                              فالجواب: أنه لو كان اسمه [ غيره ] لم يجز أن يأمر نبيه بتنزيه مخلوق غيره على ما قدمناه، ونرجع إلى تأويل الحديث فنقول: المراد بالحديث التسمية; لأنه في نفسه واحد، والاسم يكون لمعنيين يكون بمعنى المسمى، ويكون بمعنى التسمية التي هي كلامه فالذي بمعنى المسمى هو المسمى والذي بمعنى التسمية لا يقال فيه: هو المسمى ولا هو غيره، وإنما لم يقل فيه هو المسمى; لاستحالة كون ذاته تعالى كلاما وسادة مسده، ولم يقل أيضا: هو غيره; لأن تسميته - عز وجل - لنفسه ككلام له، ولا يقال في كلامه: إنه غيره.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى الترجمة معنى قوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [ الأعراف: 180 ] فأمر بدعائه بها ووصفه لها بالحسنى يقتضي نفي تضمن كل اسم منها نقيض ما يوصف أنه حسن ونقيض الحسن: قبيح لا يجوز على الله تعالى، ومعنى هذا أن عالما من أسمائه يقتضي علما ينفي نقيضه من الجهل، وقادرا يقتضي قدرة تنفي نقيضها من العجز، وحيا يقتضي حياة تنفي ضدها من الموت، وكذلك سائر صفاته تعالى كلها، ففائدة كل واحدة منها خلاف فائدة الأخرى، فأمر تعالى عباده بالدعاء بأسمائه كلها; لما يتضمن كل اسم منها ويخصه من الفائدة; ليجتمع للعباد الداعين له بجميعها فوائد عظيمة ويكون معبودا بكل معنى.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية