الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) الأحكام على الظاهر والله ولي المغيب ومن حكم على الناس بالإزكان جعل لنفسه ما حظر الله تعالى عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم ; لأن الله عز وجل إنما يولي الثواب والعقاب على المغيب ; لأنه لا يعلمه إلا هو جل ثناؤه ، وكلف العباد أن يأخذوا من العباد بالظاهر ، ولو كان لأحد أن يأخذ بباطن عليه دلالة كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

وما وصفت من هذا يدخل في جميع العلم ، فإن قال : قائل ما دل على ما وصفت من أنه لا يحكم بالباطن ؟ قيل : كتاب الله ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ذكر الله تبارك وتعالى المنافقين فقال : لنبيه صلى الله عليه وسلم { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله } قرأ إلى { فصدوا عن سبيل الله } فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناكحون ويتوارثون ويسهم لهم إذا حضروا القسمة ويحكم لهم أحكام المسلمين ، وقد أخبر الله تعالى ذكره عن كفرهم وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم اتخذوا أيمانهم جنة من القتل بإظهار الأيمان على الإيمان .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه . فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ به فإنما أقطع له بقطعة من النار } فأخبرهم أنه يقضي بالظاهر وأن الحلال والحرام عند الله على الباطن وأن قضاءه لا يحل للمقضي له ما حرم الله تعالى عليه إذا علمه حراما .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله تعالى فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله } فأخبرهم أنه لا يكشفهم عما لا يبدون من أنفسهم وأنهم إذا أبدوا ما فيه الحق عليهم أخذوا بذلك ، وبذلك أمر الله تعالى ذكره فقال : { ولا تجسسوا } وبذلك أوصى صلى الله عليه وسلم { ولاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان ، ثم قال انظروا فإن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه } فجاءت به على النعت الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو للذي يتهمه به ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أمره لبين لولا ما حكم الله } ، ولم يستعمل عليهما الدلالة البينة التي لا تكون دلالة أبين منها .

، وذلك خبره أن يكون الولد ، ثم جاء الولد على ما قال مع أشياء لهذا كلها تبطل حكم الإزكان من الذرائع في البيوع وغيرها من حكم الإزكان فأعظم ما فيما وصفت من الحكم بالإزكان خلاف ما أمر الله عز وجل به أن يحكم بين عباده من الظاهر وما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يمتنع من حكم بالإزكان إن اختلفت أقاويله فيه حتى لو لم يكن آثما بخلافه ما وصفت من الكتاب والسنة كان ينبغي أن تكون أكثر أقاويله متروكة عليه لضعف مذهبه فيها ، وذلك أنه يزكن في الشيء الحلال فيحرمه ثم [ ص: 121 ] يأتي ما هو أولى أن يحرمه منه إن كان له التحريم بالإزكان فلا يحرمه ، فإن قال قائل : ومثل ماذا من البيوع ؟ قيل : أرأيت رجلا اشترى فرسا على أنها عقوق ، فإن قال : لا يجوز البيع ; لأن ما في بطنها مغيب غير مضمون بصفة عليه ، قيل له : وكذلك لو اشتراها وما في بطنها بدينار ، فإن قال : نعم قيل : أرأيت إذا كان المتبايعان بصيرين فقالا : هذه الفرس تسوى خمسة دنانير إن كانت غير عقوق عشرة إن كانت عقوقا فأنا آخذها منك بعشرة ، ولولا أنها عندي عقوق لم أزدك على خمسة ولكنا لا نشترط معها عقوقا لإفساد البيع فإن قال : هذا البيع يجوز ; لأن الصفقة وقعت على الفرس دون ما في بطنها ونيتهما معا وإظهارهما الزيادة لما في البطن لا يفسد البيع إذا لم تعقد الصفقة على ما يفسد البيع ، ولا أفسد البيع ها هنا بالنية قيل له إن شاء الله تعالى .

وكذلك لا يحل نكاح المتعة ويفسخ ، فإن قال : نعم ، قيل : وإن كان أعزب ، أو آهلا ؟ فإن قال : نعم ، قيل : فإن أراد أن ينكح امرأة ونوى أن لا يحبسها إلا يوما ، أو عشرا إنما أراد أن يقضي منها وطرا ، وكذلك نوت هي منه غير أنهما عقدا النكاح مطلقا على غير شرط ، وإن قال : هذا يحل قيل له : ولم تفسده بالنية إذا كان العقد صحيحا ؟ فإن قال : نعم ، قيل له : إن شاء الله تعالى فهل تجد في البيوع شيئا من الذرائع ، أو في النكاح شيئا من الذرائع تفسد به بيعا ، أو نكاحا أولى أن تفسد به البيع من شراء الفرس العقوق على ما وصف وكل ذات حمل سواها والنكاح على ما وصفت ، فإذا لم تفسد بيعا ، ولا نكاحا بنية يتصادق عليها المتبايعان والمتناكحان أيما كانت نيتهما ظاهرة قبل العقد ومعه وبعده ، وقلت لا أفسد واحدا منهما ; لأن عقد البيع وعقد النكاح وقع على صحة والنية لا تصنع شيئا وليس معها كلام فالنية إذا لم يكن معها كلام أولى أن لا تصنع شيئا يفسد به بيع ، ولا نكاح .

( قال الشافعي ) وإذا لم يفسد على المتبايعين نيتهما ، أو كلامهما فكيف أفسدت عليهما بأن أزكنت عليهما أنهما نويا ، أو أحدهما شيئا والعقد صحيح فأفسدت العقد الصحيح بإزكانك أنه نوى فيه ما لو شرط في البيع ، أو النكاح فسد فإن قال ومثل ماذا ؟ قال : قيل له : مثل قولك والله تعالى الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية