الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            16 - هدم الجاني على الباني

            بسم الله الرحمن الرحيم

            أخبرني شيخنا شيخ الإسلام قاضي القضاة علم الدين البلقيني إجازة عن أبي إسحاق التنوخي ، عن القاسم بن مظفر أن عبد الرحيم بن تاج الأمناء ، أخبره الحافظ أبو القاسم بن عساكر أنبأنا أبو محمد بن الأكفاني ، أنا أبو محمد الحسن بن علي بن عبد الصمد الكلاعي أنا تمام بن محمد أخبرني أبي ، حدثني أبو الحسن علي بن شيبان الدينوري ، أخبرني محمد بن عبد الرحمن الدينوري ، عن رجل أظنه الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : سمعت سفيان بن عيينة يقول : إن العالم لا يماري ولا يداري ينشر حكمة الله فإن قبلت حمد الله ، وإن ردت حمد الله ، وبعد فقد رفع إلي أن رجلا أخذ خربة بجوار مسجد وبنى بها مخازن ثم إنه قصرها على سكنى من يعدها للفساد فيسكن فيها جماعة بعضهم عزاب ، وبعضهم متزوجون وعيالهم بمسكن آخر ، وإنما يعدون هذا المسكن ليختلوا فيه للفساد ، وأن هذا الموضع يجتمع فيه كل يوم ثلاثاء خلق كثيرون ، يأتونه من أطراف البلد من نساء ورجال وشباب مرد فيجتمعون فيه على شرب الخمر ، والزنا ، واللواط بحيث يدخل جماعة يباشرون الزنا واللواط ، ويتأخر جماعة ينتظرون انتهاء النوبة إليهم ، فمنهم من يقف بالدهليز ، ومنهم من يقف بالطريق ، ومنهم من يجلس على باب المسجد حتى قيل : إنه رؤي رجل في ذلك المسجد ، ومعه صبي يلوط به ، وصار ذلك مشاعا في تلك الخطة وصار المكان معروفا بذلك بحيث يقصد من أمكنة بعيدة لهذه الأمور ، وبجوار هذا المكان الخبيث رجل مبارك يقوم في إنكار ما يراه بحسب استطاعته ، فراجع صاحب البيت في إخلائه من هؤلاء وتسكين من هو على [ ص: 136 ] سيرة حميدة فأبى بعد طول المراجعة سنين رغبة في زيادة الأجرة ، وكان من جملة قوله له : هذه أمة مذنبة ، ثم اتفق أن أخلى الله المكان من هؤلاء بعوارض طرأت لهم ثم زالت تلك العوارض فعادوا ليسكنوا على منوالهم ، فجاءني ذلك الرجل المبارك وشكا إلي هذا الأمر فقلت له : اذهب إلى صاحب المكان ، وقل له : إن لم يخل هؤلاء منه أفتيت بهدمه ، ومن جملة الساكنين ثم رجل جهله فوق جهل الجاهلين ، ومقامه أسفل سافلين فلما بلغه هذا الكلام قال : هذا ليس بحكم الله ، وذهب إلى الشيخ شمس الدين الياني فاستفتاه فأفتاه بأنه لا يهدم ، وأن من قال بهدمه يلزمه التعزير ، ثم جاء بهذه الفتوى وصار يجلس على الدكاكين في الأسواق ويقول : فلان مجازف في دين الله ، وانضم إليه عصبة من نمطه ، فمنهم من يقول هذا الذي أفتى به - يعني قولي بالهدم - خرق للإجماع ، وآخر يقول : هذا جاء به من إرم ذات العماد ، وصار كل من الجهال يرمي بكلام فألفت في ذلك كتابا سميته ( رفع منار الدين وهدم بناء المفسدين ) وهذا الكتاب مختصر منه ليسهل تناوله .

            فأقول : أما ما تلفظ به الجهال ، فإن كلام الجاهلين لا يعبأ به ، ولا يلتفت إليه ، وأما ما أفتى به الياني فإنه قد كتب في صحيفة عمله وطبع عليها بطابع وسوف يعرض عليه وهو واقف على الصراط فيقرؤه ويطلب منه الخروج من عهدته يوم لا ينفع جاه ولا تعصب ، وأما الذي أفتيت أنا به فهو الذي وردت به الأحاديث ، وثبت عن الصحابة والتابعين ، ونص عليه العلماء من أئمة المذاهب الأربعة ولم تزل عليه الخلفاء والملوك وولاة الأمور سلفا وخلفا ، وها أنا أبين ذلك .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية