الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المسألة التاسعة

[ القنوت ]

اختلفوا في القنوت ، فذهب مالك إلى أن القنوت في صلاة الصبح مستحب ، وذهب الشافعي إلى أنه سنة ، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز القنوت في صلاة الصبح ، وأن القنوت إنما موضعه الوتر ، وقال قوم : بل يقنت في كل صلاة . وقال قوم : لا قنوت إلا في رمضان ، وقال قوم : بل في النصف الأخير منه ، وقال قوم : بل في النصف الأول منه .

والسبب في ذلك : اختلاف الآثار المنقولة في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقياس بعض الصلوات في ذلك على بعض : ( أعني : التي قنت فيها على التي لم يقنت فيها ) قال أبو عمر بن عبد البر : والقنوت بلعن الكفرة في رمضان مستفيض في الصدر الأول اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعائه على رعل وذكوان ، والنفر الذين قتلوا أصحاب بئر معونة .

وقال الليث بن سعد : ما قنت منذ أربعين عاما أو خمسة وأربعين عاما إلا وراء إمام يقنت . قال الليث : وأخذت في ذلك بالحديث الذي جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قنت شهرا أو أربعين يدعو لقوم ويدعو على آخرين ، حتى أنزل الله تبارك وتعالى عليه معاتبا : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) فترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القنوت فما قنت بعدها حتى لقي الله ، قال : فمنذ حملت هذا الحديث لم أقنت ، وهو مذهب يحيى بن يحيى .

قال القاضي : ولقد حدثني الأشياخ أنه كان العمل عليه بمسجده عندنا بقرطبة ، وأنه استمر إلى زماننا أو قريب من زماننا .

وخرج مسلم عن أبي هريرة " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قنت في صلاة الصبح ، ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم ) ، وخرج عن أبي هريرة أنه قنت في الظهر ، والعشاء الأخيرة وصلاة الصبح .

وخرج عنه - عليه الصلاة والسلام - " أنه قنت شهرا في صلاة الصبح يدعو على بني عصية " .

واختلفوا فيما يقنت به ، فاستحب مالك القنوت بـ " اللهم إنا نستعينك ، ونستغفرك ، ونستهديك ، ونؤمن بك ، ونخنع لك ، ونخلع ونترك من يكفرك ، اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخاف عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق " ويسميها أهل العراق السورتين ، ويروى أنها في مصحف أبي بن كعب .

وقال الشافعي ، وإسحاق : بل يقنت بـ " اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت ، وقنا شر ما [ ص: 113 ] قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، تباركت ربنا وتعاليت " وهذا يرويه الحسن بن علي من طرق ثابتة أن النبي - عليه الصلاة والسلام - : علمه هذا الدعاء يقنت به في الصلاة .

وقال عبد الله بن داود : من لم يقنت بالسورتين فلا يصلى خلفه ، وقال قوم : ليس في القنوت شيء موقوت .

التالي السابق


الخدمات العلمية