الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الموضع الثاني

في النظر في التقرر

واتفق العلماء على أن الصداق يجب كله بالدخول أو الموت :

أما وجوبه كله بالدخول : فلقوله تعالى : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) الآية .

وأما وجوبه بالموت : فلا أعلم الآن فيه دليلا مسموعا إلا انعقاد الإجماع على ذلك .

واختلفوا هل من شرط وجوبه مع الدخول المسيس ، أم ليس ذلك من شرطه ، بل يجب بالدخول والخلوة ، وهو الذي يعنون بإرخاء الستور ؟ فقال مالك ، والشافعي ، وداود : لا يجب بإرخاء الستور إلا نصف المهر ما لم يكن المسيس . وقال أبو حنيفة : يجب المهر بالخلوة نفسها إلا أن يكون محرما أو مريضا أو صائما في رمضان أو كانت المرأة حائضا . وقال ابن أبي ليلى : يجب المهر كله بالدخول ولم يشترط في ذلك شيئا .

وسبب اختلافهم في ذلك : معارضة حكم الصحابة في ذلك لظاهر الكتاب ، وذلك أنه نص تبارك وتعالى في المدخول بها المنكوحة أنه ليس يجوز أن يؤخذ من صداقها شيء في قوله تعالى : ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) . ونص في المطلقة قبل المسيس أن لها نصف الصداق ، فقال تعالى : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم وهذا نص كما ترى في حكم كل واحدة من هاتين الحالتين ( أعني : قبل المسيس ، وبعد المسيس ) ولا وسط بينهما ، فوجب بهذا إيجابا ظاهرا أن الصداق لا يجب إلا بالمسيس ، والمسيس هاهنا الظاهر من أمره أنه الجماع ، وقد يحتمل أن يحمل على أصله في اللغة وهو المس ، ولعل هذا هو الذي تأولت الصحابة ، ولذلك قال مالك في العنين المؤجل : إنه قد وجب لها الصداق عليه إذا وقع الطلاق لطول مقامه معها ، فجعل له دون الجماع تأثيرا في إيجاب الصداق .

وأما الأحكام الواردة في ذلك عن الصحابة فهو : أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب عليه الصداق لم يختلف عليهم في ذلك فيما حكموا .

واختلفوا من هذا الباب في فرع ، وهو إذا اختلفا في المسيس ( أعني : القائلين باشتراط المسيس ) ، [ ص: 411 ] وذلك مثل أن تدعي هي المسيس وينكر هو ، فالمشهور عن مالك أن القول قولها . وقيل : إن كان دخول بناء صدقت ، وإن كان دخول زيارة لم تصدق . وقيل : إن كانت بكرا نظر إليها النساء . فيتحصل فيها في المذهب ثلاثة أقوال ; وقال الشافعي ، وأهل الظاهر : القول قوله ، وذلك لأنه مدعى عليه . ومالك ليس يعتبر في وجوب اليمين على المدعى عليه من جهة ما هو مدعى عليه ; بل من جهة ما هو أقوى شبهة في الأكثر ، ولذلك يجعل القول في مواضع كثيرة قول المدعي إذا كان أقوى شبهة .

وهذا الخلاف يرجع إلى هل إيجاب اليمين على المدعى عليه معلل أو غير معلل ، وكذلك القول في وجوب البينة على المدعي ، وسيأتي هذا في مكانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية