الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المسألة السابعة

[ المستحاضة ]

اختلف الفقهاء في المستحاضة إذا تمادى بها الدم متى يكون حكمها حكم الحائض ، كما اختلفوا في الحائض إذا تمادى بها الدم متى يكون حكمها حكم المستحاضة ، وقد تقدم ذلك .

فقال مالك في المستحاضة أبدا : حكمها حكم الطاهرة إلى أن يتغير الدم إلى صفة الحيض ، وذلك إذا مضى لاستحاضتها من الأيام ما هو أكثر من أقل أيام الطهر ، فحينئذ تكون حائضا ( أعني : إذا اجتمع لها هذان الشيئان تغير الدم وأن يمر لها في الاستحاضة من الأيام ما يمكن أن يكون طهرا ، وإلا فهي مستحاضة أبدا ) . وقال أبو حنيفة : تقعد أيام عادتها إن كانت لها عادة ، وإن كانت مبتدأة قعدت أكثر الحيض ، وذلك عنده عشرة أيام .

وقال الشافعي : تعمل على التمييز إن كانت من أهل التمييز ، وإن كانت من أهل العادة عملت على العادة ، وإن كانت من أهلهما معا فله في ذلك قولان ، أحدهما : تعمل على التمييز ، والثاني : على العادة .

والسبب في اختلافهم : أن في ذلك حديثين مختلفين ، أحدهما : حديث عائشة عن فاطمة بنت أبي حبيش " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - أمرها - وكانت مستحاضة - أن تدع الصلاة قدر أيامها التي كانت تحيض فيها قبل أن يصيبها الذي أصابها ، ثم تغتسل وتصلي " وفي معناه أيضا حديث أم سلمة المتقدم الذي خرجه مالك ، والحديث الثاني : ما خرجه أبو داود من حديث فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت استحيضت ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن دم الحيضة أسود يعرف ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق " ، وهذا الحديث صححه أبو محمد بن حزم ، فمن هؤلاء من ذهب مذهب الترجيح ، ومنهم من ذهب مذهب الجمع .

[ ص: 51 ] فمن ذهب مذهب ترجيح حديث أم سلمة وما ورد في معناه قال باعتبار الأيام ، ومالك - رضي الله عنه - اعتبر عدد الأيام فقط في الحائض التي تشك في الاستحاضة ، ولم يعتبرها في المستحاضة التي تشك في الحيض ( أعني : لا عددها ولا موضعها من الشهر إذا كان عندها ذلك معلوما ) والنص إنما جاء في المستحاضة التي تشك في الحيض ، فاعتبر الحكم في الفرع ولم يعتبره في الأصل ، وهذا غريب فتأمله .

ومن رجح حديث فاطمة بنت أبي حبيش قال باعتبار اللون ، ومن هؤلاء من راعى مع اعتبار لون الدم مضي ما يمكن أن يكون طهرا من أيام الاستحاضة ، وهو قول مالك فيما حكاه عبد الوهاب .

ومنهم من لم يراع ذلك ، ومن جمع بين الحديثين قال : الحديث الأول هو في التي تعرف عدد أيامها من الشهر وموضعها .

والثاني في التي لا تعرف عددها ولا موضعها ، وتعرف لون الدم ، ومنهم من رأى أنها إن لم تكن من أهل التمييز ، ولا تعرف موضع أيامها من الشهر ، وتعرف عددها أو لا تعرف عددها أنها تتحرى على حديث حمنة بنت جحش ، صححه الترمذي ، وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : " إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ، ثم اغتسلي " وسيأتي الحديث بكماله عند حكم المستحاضة في الطهر .

فهذه هي مشهورات المسائل التي في هذا الباب ، وهي بالجملة واقعة في أربعة مواضع : أحدها : معرفة انتقال الطهر إلى الحيض ، والثاني : معرفة انتقال الحيض إلى الطهر ، والثالث : معرفة انتقال الحيض إلى الاستحاضة ، والرابع : معرفة انتقال الاستحاضة إلى الحيض ، وهو الذي وردت فيه الأحاديث ، وأما الثلاثة فمسكوت عنها ( أعني : عن تحديدها ) وكذلك الأمر في انتقال النفاس إلى الاستحاضة .

التالي السابق


الخدمات العلمية