الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة السابعة : قوله : { لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله }

                                                                                                                                                                                                              اختلف السلف فيها ، فمنهم من قال : { لا تأخذكم بهما رأفة } فتسقطوا الحد . ومنهم من قال : { لا تأخذكم بهما رأفة } فتخففوا الحد ; وهو عندي محمول عليهما جميعا ; فلا يجوز أن تحمل أحدا رأفة على زان بأن يسقط الحد أو يخففه عنه .

                                                                                                                                                                                                              وصفة الضرب أن يكون سوطا بين السوطين ، وضربا بين الضربين ، وتستوي في ذلك الحدود كلها .

                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : لا سواء بين الحدود ، ضرب الزاني أشد من ضرب القذف ، وضرب القذف أشد من ضرب الشرب ، وكأنهم نظروا صورة الذنب ، فركبوا عليه صفة العقوبة ، والشرب أخف من القذف ، والقذف أخف من الزنا ; فحملوه عليه وقرنوه به .

                                                                                                                                                                                                              وقد روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد أصاب حدا ، وأتي بسوط شديد ، فقال : دون هذا . وأتي بسوط دونه ، فقال : فوق هذا } . [ ص: 335 ]

                                                                                                                                                                                                              وأمر عمر برجل يضرب الحد ، فقال له : " لا ترفع إبطك " . وعنه : أنه اختار سوطا بين السوطين . ويفرق عليه الضرب في ظهره ، وتجتنب مقاتله ، ولا خلاف فيه .

                                                                                                                                                                                                              وهذا ما لم يتتابع الناس في الشر ، ولا احلولت لهم المعاصي ، حتى يتخذوها ضراوة ، ويعطف الناس عليهم بالهوادة ، فلا يتناهوا عن منكر فعلوه ; فحينئذ تتعين الشدة ، ويزيد الحد ، لأجل زيادة الذنب .

                                                                                                                                                                                                              وقد أتي عمر بسكران في رمضان ، فضربه مائة : ثمانين حد الخمر ، وعشرين لهتك حرمة الشهر ; فهكذا يجب أن تتركب العقوبات على تغليظ الجنايات ، وهتك الحرمات .

                                                                                                                                                                                                              وقد لعب رجل بصبي ، فضربه الوالي ثلاثمائة سوط ، فلم يغير ذلك مالكا حين بلغه ، فكيف لو رأى زماننا هذا بهتك الحرمات والاستهتار بالمعاصي ، والتظاهر بالمناكر ، وبيع الحدود ، واستيفاء العبيد لها في منصب القضاة ؟ ; لمات كمدا ، ولم يجالس أحدا ; وحسبنا الله ونعم الوكيل .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية