الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضاق حالي بسبب عدم قبولي في الدراسات العليا

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماذا أفعل إذا ضاق بي الحال ضيقًا شديدًا؟ لقد رزقني الله بالتسجيل في الدراسات العليا، وهذا ما كنت أحلم به منذ وقت طويل، ولكن بعد جهد كبير جدًّا ومشقة، تم تعطيل أوراقي عدة مرات، وبعد استيفاء واستكمال الأوراق والشروط المطلوبة تم تعطيل أوراقي أيضًا، لأسباب إدارية وروتينية بحتة خاصة في الجامعة، وأصابني اليأس الشديد، ويعلم الله أني لم أقصر في شيء، واجتهدت بفضل الله، ولكن الشيطان يوسوس لي في تلك الأيام بسؤال: لماذا وضعني الله على أول الطريق ثم تعطل بي الحال؟!

ليس عندي اعتراض على قضاء الله -والعياذ بالله- ولكن أصابني الضيق والإحباط الشديد، وأقرأ يوميًا ورداً من القرآن، وورد الأذكار، وبفضل الله مداومة على الصلاة، فهل يوجد ذكر أو آيات من القرآن الكريم، تساعدني في تخطي ذلك الضيق، وذهاب وساوس الشيطان عني، وتيسير أموري؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Mai حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن ييسر أمرك، وأن يرشدك إلى طريق الحق، وبعد:

اعلمي - أيتها الفاضلة - أن الدنيا مجبولة على الكدر والابتلاء، وأن البلاء لا يخلو أحد منه، قال الله تعالى: {ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2]، فلابد من البلاء والفتن، حتى يصبر أهل الحق فيرفعهم الله إلى أعلى درجات الجنة، ويسقط أهل الادعاء فلا تقوم لهم حجة.

والبلاء يتنوع من حال إلى حال، فمن الناس من يُبتلى بالمرض، ومنهم من يُبتلى بالفقر، ومنهم من يُتبلى بالهمِّ والغم، ومنهم من يُبتلى بالتضييق عليه، لكن الملاحظ أن كل مبتلى يتوهم أن البلاء الذي هو فيه أكبر وأشد وأشق وأعظم من غيره، لكنه إذا رأى بعين الحقيقة عِظَم ما يقع فيه الناس؛ لهان عليه مصابه.

ثانيًا: المؤمن يأخذ بالأسباب في كل حياته، لكن متى ما أُغلق باب كان يتمناه، فليعلم أن هذا هو الخير لا محالة، وإن جهل الحكمة اليوم، ولعل هذا بعض قول الله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

ثالثًا: من المعلوم لكل دارس دراسة أكاديمية أو مُقبل عليها -خاصة الدراسات العليا- أن الأمور الإدارية فيها شديدة التعقيد، لكن هذا لا ينبغي أن يكون عائقًا، فابذلي كل الأسباب، واستشيري من تثقين به من أهل الفضل، ثم ما يأت بعد ذلك هو الخير، وثقي أن الله سيخلف عليك، وأن الله سيدخر لك الخير، متى ما آمنت بذلك.

رابعًا: نوصيك -أختنا الفاضلة- بتعلُّم بعض العلوم الشرعية البسيطة، وخاصة كتب العقيدة، وهي موجودة بكثرة على موقعنا، كما نوصيك بالمحافظة على الفرائض والنوافل في وقتها، وكثرة الاستغفار؛ فإنه نافع في كل أحواله، وقد روى البخاري عن أبي هريرة أنه (ﷺ) قال: «‌وَاللهِ ‌إِنِّي ‌لَأَسْتَغْفِرُ ‌اللهَ وَأَتُوبُ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً». وفي صحيح مسلم عَنِ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ﷺ) قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ ‌عَلَى ‌قَلْبِي، ‌وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ» وعليه فالاستغفار أمر مهم ونافع.

وقد قيل إن رجلا دخل على الإمام الحسن البصري، فقال:"يا إمام إنّ السّماء لا تمطر"؟ فقال: "استغفر الله"، ثمّ دخل رجل آخر فقال: "إن زوجتي لا تنجب"، فقال:"استغفر الله"، ثمّ دخل رجل ثالث فقال: "إني أشكو الفقر" فقال: "استغفر الله"، فقال أحد الجالسين: "عجبنا لك يا إمام أكلَّما دخل عليك رجل يسألك حاجة تقول له استغفر الله"! فقال له: "ألم تقرأ قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12] ".

ثم عليك أن تكثري من الدعاء لله بالتيسير، واعلمي أن الدعاء مستجاب على كل أحواله، فقد قال (ﷺ): «‌مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا». قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: «‌اللهُ أَكْثَرُ».

نسأل الله أن يخفف عنك، وأن يبارك فيك، وأن يجزيك خير الجزاء، وأن يحقق لك من الخير فوق ما أردت لنفسك، والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً