سبب تأليف كتاب التوحيد :
أما بعد : فقد أتى علينا برهة من الدهر وأنا كاره الاشتغال بتصنيف ما يشوبه شيء من جنس الكلام ، من الكتب ، وكان أكثر شغلنا بتصنيف كتب الفقه ، التي هي خلو من الكلام في الأقدار الماضية ، التي قد كفر بها كثير من منتحلي الإسلام ، وفي صفات الله - عز وجل - التي نفاها ولم يؤمن بها المعطلون ، وغير ذلك من الكتب التي ليست كتب الفقه ، وكنت أحسب أن ما يجري بيني وبين المناظرين من أهل الأهواء ، في جنس الكلام في مجالسنا ، ويظهر لأصحابي الذين يحضرون المجالس والمناظرة ، من إظهار حقنا على باطل مخالفينا كاف (عن) تصنيف الكتب ، على صحة مذهبنا وبطلان مذاهب القوم ، وغنية عن الإكثار في ذلك ، فلما حدث في أمرنا ما حدث ، مما كان الله (قد قضاه وقدر ، كونه مما لا محيص لأحد ، ولا موئل عما قضى الله) ، كونه في اللوح المحفوظ ، قد سطره من حتم قضائه .
[ ص: 10 ] فمنعنا عن الظهور ، ونشر العلم ، وتعليم مقتبس العلم ، ما كان الله قد أودعنا من هذه الصناعة .
كنت أسمع من بعض أحداث طلاب العلم والحديث ، ممن لعله كان يحضر بعض مجالس أهل الزيغ والضلالة ، من المعطلة ، والقدرية المعتزلة ، ما تخوفت أن يميل بعضهم عن الحق والصواب من القول ، إلى البهت والضلال ، في هذين الجنسين من العلم ، (فاحتسبت في تصنيف كتاب يجمع هذين) الجنسين من العلم ، بإثبات القول بالقضاء السابق ، والمقادير النافذة قبل حدوث كسب العباد ، والإيمان بجميع صفات الرحمن الخالق - جلا وعلا - ، مما وصف الله به نفسه في [ ص: 11 ] محكم تنزيله ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد
وبما صح وثبت عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالأسانيد الثابتة الصحيحة، بنقل أهل العدالة موصولا إليه - صلى الله عليه وسلم - ليعلم الناظر في كتابنا هذا ، ممن وفقه الله لإدراك الحق والصواب ، ومن عليه بالتوفيق ، لما يحب ويرضى ، صحة مذهب أهل الآثار في هذين الجنسين من العلم ، وبطلان مذاهب أهل الأهواء والبدع ، الذين هم في ريبهم وضلالتهم يعمهون ، وبالله ثقتي ، وإياه أسترشد ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
قد بدأت كتاب القدر فأمليته ، وهذا :