8 - باب - ) : إثبات السمع والرؤية لله - جل وعلا
الذي هو كما وصف نفسه : سميع بصير ، ومن كان معبوده غير سميع بصير ، فهو كافر بالله السميع البصير ، يعبد غير الخالق البارئ ، الذي هو سميع بصير ، قال الله تعالى : لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ، وقال - عز وجل - في قصة المجادلة : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله الآية .
قال " قد كنت أمليت في كتاب الظهار خبر أبو بكر : - رضي الله عنها - : " سبحان ربي وبحمده ، وسع سمعه الأصوات ، إن المجادلة تشكو إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخفى علي بعض كلامها ، فأنزل الله : عائشة قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ، وقال - عز وجل - : أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم [ ص: 107 ] الآية ، وقد أعلمنا ربنا - الخالق البارئ - أنه يسمع قول من كذب على الله ، وزعم أن الله فقير ، فكذبهم الله في مقالتهم تلك ، فرد الله ذلك عليهم ، وخبر أنه الغني وهم الفقراء ، وأعلم عباده المؤمنين أنه السميع البصير ، فكذلك خبر المؤمنين : أنه قد سمع قول المجادلة ، وتحاور النبي - صلى الله عليه وسلم - والمجادلة ، وخبرت - رضي الله عنهما - أنه يخفى عليها بعض كلام المجادلة ، مع قربها منها ، فسبحت خالقها الذي وسع سمعه الأصوات ، وقالت : " سبحان من وسع سمعه الأصوات " ، فسمع الله - جل وعلا - كلام المجادلة ، وهو فوق سبع سماوات مستو على عرشه ، وقد خفي بعض كلامها على من حضرها وقرب منها ، وقال - عز وجل - لكليمه الصديقة بنت الصديق موسى وأخيه ابن أمه - هارون - ، يؤمنهما فرعون ، حين خافا أن يفرط عليهما ، أو أن يطغى : إنني معكما أسمع وأرى ، فأعلم - الرحمن جل وعلا - أنه سمع مخاطبة كليمه موسى وأخيه هارون - عليهما السلام - ، وما يجيبهما به فرعون ، وأعلم أنه يرى ما يكون من كل منهم ، وقال - جل وعلا - : [ ص: 108 ] سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ، إلى قوله : السميع البصير ، وقال في سورة حم المؤمن : فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير ، واستقصاء ذكر قوله : (السميع البصير) ، (وسميع بصير) ، يطول بذكر جميعه الكتاب .
وقال - عز وجل - لكليمه موسى ولأخيه هارون - صلوات الله عليهما - : كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون ، فأعلم - جل وعلا - عباده المؤمنين أنه كان يسمع ما يقول لكليمه موسى وأخيه .
وهذا من الجنس الذي أقول : استماع الخالق ليس كاستماع المخلوق ، قد أمر الله - أيضا - موسى - عليه السلام - أن يستمع لما يوحى فقال : فاستمع لما يوحى ، فلفظ الاستماعين واحد ، ومعناهما مختلف ؛ لأن استماع الخالق غير استماع المخلوقين - عز ربنا وجل - ، عن أن يشبهه شيء من خلقه ، وجل عن أن يكون فعل أحد من خلقه شبيها بفعله ، - عز وجل - وقال الله - عز وجل - : وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ، [ ص: 109 ] وليس رؤية الله أعمال من ذكر عملهم في هذه الآية ، - كرؤية رسول الله والمؤمنين ، وإن كان اسم الرؤية يقع على رؤية الله أعمالهم ، وعلى رؤية رسول الله ، ورؤية المؤمنين .
(قال وتدبروا - أيها العلماء - ، ومقتبسوا العلم ، مخاطبة خليل الرحمن أباه ، وتوبيخه إياه لعبادته من كان يعبد ، تعقلوا بتوفيق خالقنا - جل وعلا - ، صحة مذهبنا ، وبطلان مذهب مخالفينا من أبو بكر) : الجهمية المعطلة .
قال خليل الرحمن - صلوات الله وسلامه عليه - ، لأبيه : لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ، أفليس من المحال - يا ذوي الحجا - ، أن يقول خليل الرحمن لأبيه - آزر - : لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ، ويعيبه بعبادة ما لا يسمع ، ولا يبصر ، ثم يدعوه إلى عبادة من لا يسمع ، ولا يبصر ، كالأصنام التي هي من الموتان ، لا من الحيوان أيضا ، فكيف يكون ربنا الخالق البارئ السميع البصير كما يصفه هؤلاء الجهال المعطلة ؟ ، - عز ربنا وجل - عن أن يكون غير سميع ، ولا بصير ، - فهو كعابد الأوثان والأصنام لا يسمع ولا يبصر ، أو كعابد الأنعام ، ألم يسمعوا قول خالقنا وبارئنا : أفأنت تكون عليه وكيلا ، أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام ، [ ص: 110 ] الآية .
فأعلمنا - عز وجل - أن من لا يسمع ، ولا يعقل كالأنعام ، بل هم أضل سبيلا .