إن الله كان توابا رحيما ، وقد سمى الله جميع من تاب من الذنوب توابا ، فقال : وخالقنا - جل وعلا - التواب ، قال الله - عز وجل - : إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، ومعقول عند كل مؤمن أن هذا الاسم الذي هو اسم الله ، ليس هو على معنى ما سمى الله التائبين به ؛ لأن الله إنما أخبر أنه يحب التوابين : أي من الذنوب ، والخطايا ، وجل ربنا وعز أن يكون اسم التواب له على المعنى الذي أخبر أنه يحب التوابين من المؤمنين .
قال تعالى : ومعبودنا - جل جلاله - الغني ، والله الغني وأنتم الفقراء ، واسم الغني قد يقع على كل من أغناه الله تعالى بالمال ، قال - جل وعلا - ذكره : وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ، وقال : إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند بعثه معاذا إلى اليمن : " وأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة ، تؤخذ من أغنيائهم ، فترد على فقرائهم " .
[ ص: 78 ] ضمام بن ثعلبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - " آلله أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا ، فتردها على فقرائنا ؟ قال : نعم " . وقال
وربنا - جل وعلا - النور ، وقد سمى الله بعض خلقه نورا ، فقال : مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، وقال : نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ، وقال : نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ، يقولون ربنا أتمم لنا نورنا ، وقال : يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم .
قال قد كنت خبرت منذ دهر طويل ، أن بعض من كان يدعي العلم ممن كان لا يفهم هذا الباب ، يزعم أنه غير جائز أن يقرأ : أبو بكر : الله نور السماوات والأرض ، وكان يقرأ : " الله نور السماوات والأرض " ، فبعثت إليه بعض [ ص: 79 ] أصحابي وقلت له : ما الذي تنكر أن يكون لله - عز وجل - اسم ، يسمي الله بذلك الاسم بعض خلقه ؟ ، فقد وجدنا الله قد سمى بعض خلقه ، بأسام هي له أسامي ، وبعثت له بعض ما قد أمليته في هذا الفصل ، وقلت للرسول : قل له قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإسناد الذي لا يدفعه عالم بالأخبار ما يثبت أن الله نور السماوات والأرض ، قلت في خبر ، عن طاوس : ابن عباس - الحديث بتمامه ، قد أمليته في كتاب الدعوات وفي كتاب الصلاة - أيضا ، فرجع الرسول ، وقال : لست أنكر أن يكون الله - تعالى - نورا ، كما قد بلغني بعد أنه رجع . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو : " اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ، ومن فيهن ، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن "
قال أبو بكر : وكل من فهم عن الله خطابه : يعلم أن هذه الأسامي التي هي لله [ ص: 80 ] تعالى أسامي ، بين الله ذلك في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، مما قد أوقع تلك الأسامي على بعض المخلوقين ، ليس على معنى تشبيه المخلوق بالخالق ، لأن الأسامي قد تتفق وتختلف المعاني ، فالنور : وإن كان اسما لله ، فقد يقع اسم النور على بعض المخلوقين ، فليس معنى النور الذي هو اسم لله في المعنى مثل النور الذي هو خلق الله .
قال الله - جل وعلا - : يهدي الله لنوره من يشاء ، واعلم أيضا أن لأهل الجنة نورا ، يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ، وقد أوقع الله اسم النور على معان .
وربنا - جل وعلا - الهادي ، وقد سمى بعض خلقه هاديا ، فقال - عز وجل - لنبيه : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، فسمى نبيه - صلى الله عليه وسلم - هاديا ، وإن كان الهادي اسما لله - عز وجل - .
والله الوارث ، قال الله تعالى : وأنت خير الوارثين ، وقد سمى الله من يرث من الميت ماله (وارثا) ، فقال - عز وجل - : وعلى الوارث مثل ذلك ، فتفهموا - يا ذوي الحجا - ما بينت في هذا الفضل ، تعلموا وتستيقنوا أن لخالقنا - عز وجل - أسام ، قد تقع تلك الأسامي على بعض خلقه في اللفظ - لا على المعنى - ، على ما قد بينت في هذا الفصل من الكتاب والسنة ولغة العرب [ ص: 81 ] ، فإن كان علماء الآثار - الذين يصفون الله بما وصف به نفسه ، (وبما جاء) وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - مشبهة على ما يزعم الجهمية المعطلة ، فكل أهل القبلة إذا قرؤوا كتاب الله ، فآمنوا به بإقرار باللسان ، وتصديق بالقلب ، وسموا الله بهذه الأسامي - التي خبر الله بها أنها له أسامي - وسموا هؤلاء المخلوقين بهذه الأسامي التي سماهم الله بها هم مشبهة ، فعود مقالتهم هذه توجب أن على أهل التوحيد الكفر بالقرآن ، وترك الإيمان به ، وتكذيب القرآن بالقلوب ، والإنكار بالألسن ، فأقذر بهذا من مذهب ، وأقبح بهذه الوجوه عندهم ، عليهم لعائن الله ، وعلى من والكفر بجميع ما ثبت عن نبينا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بنقل أهل العدالة موصولا : إليه في صفات الخالق - جل وعلا - . ينكر جميع ما وصف الله به نفسه في محكم تنزيله ،