( باب ما جاء في ) تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم
التقنع معروف ، وهو تغطية الرأس بطرف العمامة ، أو برداء أعم من أن يكون فوق العمامة أو تحتها ، لما ورد في البخاري أبي بكر في قصة الهجرة في القائلة متقنعا بثوبه ، والظاهر أنه كان متغشيا به فوق العمامة لا تحتها ; لأنه كان مستخفيا من أنه صلى الله عليه وسلم أتى بيت أهل مكة متوجها إلى المدينة ، والمراد به هنا استعمال القناع وهو ثوب يلقي به الشخص على رأسه بعد تدهينه ; لئلا يصل أثر الدهن إلى القلنسوة والعمامة وأعالي الثوب ، قال العصام : وجعله بابا مع أن حديثه سبق في باب الترجل والفصل بينه وبين باب اللباس غير ظاهر انتهى . وأقول : وكذلك الفصل بين المشية والجلسة ، وقد يجاب عن الأول بأن الحديث الواحد قد يجعل له بابان وأكثر ، باعتبار الأحكام المستفادة منه ، كما فعله في أبواب كتابه ، وقد تكلف البخاري ابن حجر في الجواب عن الثاني لكن بعبارة شنيعة حيث قال : ويرد بأن التقنع يحتاج إليه الماشي كثيرا للوقاية من نحو حر أو برد .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعله لذلك كما في حديث الهجرة ، فكان بينه وبين المشي مناسبة تامة ، تم كلامه وفيه أنه لو [ ص: 219 ] قدمه عليه لكانت المناسبة حاصلة أيضا مع مناسبات أخر ، باعتبار ما قبله وما بعده على أن المراد من التقنع هنا ليس إلا ظلال الواقي من الحر والبرد فكلامه حار وجوابه بارد فيستحق أن يكون مردودا عليه .
( حدثنا يوسف بن عيسى أخبرنا أخبرنا ) وفي نسخة في الموضعين أنبأنا ( وكيع ) بالتكبير فيهما ( عن الربيع بن صبيح يزيد بن أبان ) بفتح الهمزة والموحدة منصرف ، وغير منصرف ( عن ، قال : أنس بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر القناع ) بكسر القاف أي لبسه واستعماله ( كأن ) بتشديد النون للتشبيه ( ثوبه ) أي على ثوبه أو قناعه الذي يستر به رأسه ( ثوب زيات ) بصيغة النسبة أي بائع الزيت أو صانعه ، فإن الغالب عليهما أن يكون ثوبهما مدهنا ، والله أعلم .