( باب ما جاء في ) حياء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
هنا بالمد ، وأما بالقصر فهو بمعنى المطر ، وكلاهما مأخوذ من الحياة فإن أحدهما حياة الأرض ، والآخر حياة القلب ، ولعل هذا هو المعني بقوله عليه السلام الحياء من الإيمان ، وهو في اللغة تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ، وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذوي الحق . الحياء
ثم الحياء من جملة الخلق الحسن فإفراده بباب على حدة تنبيه على عظم شأنه ؛ لأنه به ملاك الأمر كله في حسن معاملة الحق ومعاشرة الخلق ( حدثنا حدثنا محمود بن غيلان أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت عبد الله بن أبي عتبة ) بضم أوله [ ص: 217 ] ( يحدث ) أي : يروي ( عن قال : أبي سعيد الخدري ) بفتح مهملة وسكون معجمة أي : كان حياؤه أبلغ من حياء البنت البكر ( في خدرها ) بكسر معجمة وسكون مهملة ، وهو ستر يجعل للبكر في ناحية البيت ، والعذرة بالضم البكارة ، وقيل إنها جلدتها ، ويقال للبكر : العذراء ؛ لأن جلدتها باقية ، والظرف حال من العذراء أو صفة لها ، وهو تتميم للفائدة ؛ فإن العذراء إذا كانت متربية في سترها تكون أشد حياء لتسترها حتى عن النساء بخلافها إذا كانت في غير بيتها لاختلاطها مع غيرها أو كانت داخلة خارجة فإنها حينئذ تكون قليلة الحياء وأغرب كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء ابن حجر حيث قال تبعا لميرك إذ الخلوة مظنة وقوع الفعل بها فعلم أن المراد الحالة التي تعتريها عند دخول أحد عليها فيه لا التي تكون عليها حالة انفرادها أو اجتماعها بمثلها فيه انتهى .
ووجه غرابته لا يخفى فإنه لو كان المراد هذا المعنى لقيل : أشد حياء من العذراء وقت زفافها ( ) وفي نسخة الشيء ( عرفناه ) أي : الشيء المكروه أو كراهته ( في وجهه ) لأنه ما كان يتكلم بالشيء الذي يكرهه حياء بل يتغير وجهه فيفهم كراهته له وكذا البنت المخدرة غالبا لم تتكلم في حضور الناس بل يرى أثر رضاها وكراهتها في وجهها وبهذا يظهر وجه الارتباط بين الجملة الأخيرة وبين ما تقدم ، والله أعلم ، وروي أنه كان من حيائه لا يثبت بصره في وجه أحد ، هذا وأخرج وكان إذا كره شيئا البزار أيضا هذا الحديث عن أنس وزاده في آخره " . وكان يقول الحياء خير كله