الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) : أن يكون المرهون منفصلا متميزا عما ليس بمرهون ، فإن كان متصلا به غير متميز عنه ، لم يصح قبضه ; لأن قبض المرهون وحده غير ممكن ، والمتصل به غير مرهون ، فأشبه رهن المشاع ، وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا رهن الأرض بدون البناء أو بدون الزرع والشجر ، أو الزرع والشجر بدون الأرض ، أو الشجر بدون الثمر أو الثمر بدون الشجر أنه لا يجوز سواء سلم المرهون بتخلية الكل أو لا ; لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون ، وهذا يمنع صحة القبض ولو وجد الثمر وحصد الزرع وسلم منفصلا ، جاز ; لأن المانع من النفاذ قد زال .

                                                                                                                                ولو جمع بينهما في عقد الرهن فرهنهما جميعا وسلم متفرقا ، جاز ، وإن فرق الصفقة بأن رهن الزرع ثم الأرض أو الأرض ثم الزرع ، ينظر إن جمع بينهما في التسليم ، جاز الرهن فيهما جميعا ، وإن فرق ، لا يجوز فيهما جميعا سواء قدم أو أخر ، بخلاف الفصل الأول ; ; لأن المانع في الفصلين مختلف ، [ ص: 141 ] فالمانع من صحة القبض في هذا الفصل هو الاتصال ، وأنه لا يختلف ، والمانع من صحة القبض في الفصل الأول هو الشغل وأنه يختلف .

                                                                                                                                مثال هذا : إذا رهن نصف داره مشاعا من رجل ولم يسلم إليه حتى رهنه النصف الباقي وسلم الكل أنه يجوز .

                                                                                                                                ولو رهن النصف وسلم ثم رهن النصف الباقي وسلم ، لا يجوز كذا هذا ، وعلى هذا إذا رهن صوفا على ظهر غنم بدون الغنم ، أنه لا يجوز ; ; لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون ، وهذا يمنع صحة القبض .

                                                                                                                                ولو جزه وسلمه ، جاز ; لأن المانع قد زال وعلى هذا أيضا إذا رهن دابة عليها حمل بدون الحمل ، لا يجوز .

                                                                                                                                ولو رفع الحمل عنها وسلمها فارغة ، جاز ; لما قلنا ، بخلاف ما إذا رهن ما في بطن جاريته أو ما في بطن غنمه أو ما في ضرعها ، أو رهن سمنا في لبن أو دهنا في سمسم أو زيتا في زيتون أو دقيقا في حنطة أنه يبطل ، وإن سلطه على قبضه عند الولادة أو عند استخراج ذلك فقبض ; لأن العقد هناك لم ينعقد أصلا ; لعدم المحل ; لكونه مضافا إلى المعدوم ; ولهذا لم ينعقد البيع المضاف إليها فكذا الرهن .

                                                                                                                                أما هنا فالعقد منعقد موقوف نفاذه على صحة التسليم بالفصل والتمييز ، فإذا وجد ، فقد زال المانع ولو رهن الشجر بمواضعه من الأرض ، جاز ; لأن قبضه ممكن .

                                                                                                                                ولو رهن شجرا وفيه ثمر لم يسمه في الرهن ، دخل في الرهن ، بخلاف البيع أنه لا يدخل الثمر في بيع الشجر من غير تسمية ; لأنه قصد تصحيح الرهن ، ولا صحة بدون القبض ولا صحة للقبض بدون دخول ما هو متصل به ، فيدخل تحت العقد تصحيحا له ، بخلاف البيع فإنه يصح في الشجر بدون الثمر ولا ضرورة إلى إدخال الثمر للتصحيح ولو قال : رهنتك هذه الدار أو هذه الأرض أو هذا الكرم ، وأطلق القول ولم يخص شيئا دخل فيه كل ما كان متصلا به من البناء والغرس ; لأن ذلك يدخل في البيع مع أن القبض ليس من شرط صحته فلأن يدخل في الرهن أولى ، إلا أنه يدخل فيه الزرع والثمر ولا يدخل في البيع ; لما ذكرنا ، بخلاف المتاع أنه لا يدخل في رهن الدار ، ويدخل الثمر في رهن الشجر ; ; لأن الثمر تابع للشجر والمتاع ليس بتابع للدار .

                                                                                                                                ولو استحق بعض المرهون بعد صحة الرهن ينظر إلى الباقي إن كان الباقي بعد الاستحقاق مما يجوز رهنه ابتداء ، لا يفسد الرهن فيه ، وإن كان مما لا يجوز رهنه ابتداء ، فسد الرهن في الكل ; لأنه لما استحق بعضه تبين أن العقد لم يصح في القدر المستحق ، وأنه لم يقع إلا على الباقي فكأنه رهن هذا القدر ابتداء ، فينظر فيه إن كان محلا لابتداء الرهن ، يبقى الرهن فيه وإلا فيفسد في الكل ، كما لو رهن هذا القدر ابتداء ، إلا أنه إذا بقي الرهن فيه يبقى بحصته حتى لو هلك الباقي بحصته من الدين ، وإن كان في قيمته وفاء بجميع الدين ولا يذهب جميع الدين ، وإذا رهن الباقي ابتداء وفيه وفاء بالدين فهلك ، يهلك بجميع الدين ، وإن شئت أن تجعل الحيازة شرطا مفردا وخرجت المشاع على هذا الأصل ; لأنه مرهون متصل بما ليس بمرهون حقيقة ، فكان تخريجه عليه مستقيما فافهم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية