الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو تزوج المأذون حرة أو أمة فوطئها ثبت النسب منه سواء كان النكاح بإذن المولى أو لا لأن النسب ثبت بالنكاح صحيحا كان أو فاسدا وعلى هذا دعوة المكاتب ولد جارية من أكسابه صحيحة لأن ملك اليد والتصرف ثابت له كالمأذون وإذا ثبت نسب الولد منه لم يجز بيع الولد ولا بيع الجارية أما الولد فلأنه مكاتب عليه ولا يجوز بيع المكاتب وأما الأم فلأنه له فيها حق ملك ينقلب ذلك الحق حقيقة عند الأداء فمنع من بيعها والعبد المسلم والذمي سواء في دعوى النسب وكذا المكاتب المسلم والذمي لأن الكفر لا ينافي النسب ويستوي في دعوته الاستيلاد وجود الملك وعدمه عند الدعوة بعد أن كان العلوق في الملك فإن كان العلوق في غير الملك كانت دعوته دعوة تحرير فيشترط قيام الملك عند الدعوة فإن كان في ملكه يصح وإن كان في ملك غيره لا يصح إلا بشرط التصديق أو البينة فنقول جملة الكلام فيه أن الدعوة نوعان دعوة الاستيلاد ودعوة تحرير فدعوة الاستيلاد هي أن يكون علوق المدعى في ملك المدعي وهذه الدعوة تستند إلى وقت العلوق وتتضمن الإقرار بالوطء فيتبين أنه علق حرا ودعوة التحرير هو أن يكون علوق المدعى في غير ملك المدعي وهذه الدعوة تقتصر على الحال ولا تتضمن الإقرار بالوطء لعدم الملك وقت العلوق وبيان هذه الجملة في مسائل إذا ولدت جارية في ملك رجل لستة أشهر فصاعدا فلم يدع الولد حتى باع الأم والولد ثم ادعى الولد صحت دعوته ويثبت النسب منه وعتق وظهر أن الجارية أم ولد له ويبطل البيع في الجارية وفي ولدها وهذا استحسان وفي القياس أن لا تصح دعوته ولا يثبت النسب لعدم الملك وقت الدعوة وجه الاستحسان أن قيام الملك وقت الدعوة ليس بشرط لصحة هذه الدعوة بل الشرط أن يكون علوق الولد في الملك لأن هذه الدعوة تستند إلى وقت العلوق فإذا كان علوق الولد في ملك المدعي فقد ثبت له حق استحقاق النسب وأنه لا يحتمل البطلان كما لا يحتمل حقيقة النسب فلم يبطل البيع وصحت دعوته وظهر أن الجارية كانت أم ولد فلم يصح بيعها وبيع ولدها فيردها وولدها ويرد الثمن ولو لم يدعه البائع حتى خرج عن ملك المشتري بوجه من الوجوه ينظر إن كان ذلك يحتمل الفسخ يفسخ وإن لم يحتمله لا يفسخ إلا لضرورة فنقول بيانه إذا كان المشتري باع الولد أو وهبه أو رهنه أو آجره أو كاتبه فادعاه البائع نقض ذلك وثبت النسب لأن هذه التصرفات مما يحتمل الفسخ والنقض وكذلك لو كان المشتري باع الأم أو كاتبها أو رهنها أو آجرها أو زوجها لما قلنا ولو كان أعتقها أو أعتق الولد لم تصح دعوة البائع لأن العتق بعد ثبوته لا يحتمل البطلان إلا لضرورة لأنه يعقبه أثر لا يحتمل البطلان وهو الولاء وكذلك لو مات الولد أو قتل لأن الميت مستغن عن النسب وكذلك لو كان المشتري باع الولد فأعتقه المشتري أو دبره أو مات عبده لم تصح دعوة البائع لما قلنا ولو كان المشتري أعتق الأم أو دبرها دون الولد صحت دعوته في الولد ولم تصح في الأم وفسخ البيع في الولد ولا يفسخ في الأم لأن المانع من الفسخ خص الأم ولا تصير الجارية أم ولد له لأن أمومية الولد ليست من لوازم ثبات النسب بل تنفصل عنه في الجملة كمن استولد جارية الغير بالنكاح يثبت نسب الولد منه ولا تصير الجارية أم ولد له للحال إلا أن يملكها بوجه من الوجوه وإذا فسخ البيع في الولد يرد البائع من الثمن حصة الولد فيقسم الثمن على قدر قيمتهما فتعتبر قيمة الأم يوم العقد وقيمة الولد يوم الولادة لأنه إنما صار ولدا بالولادة فتعتبر قيمته يومئذ فيسقط قدر قيمة الأم ويرد قدر قيمة الولد ولو كانت قطعت يد الولد عند المشتري وأخذ أرشها ثم ادعاه البائع ثبت نسبه وسلم الأرش للمشتري لأن هذه دعوة الاستيلاد وأنها تستند إلى [ ص: 249 ] وقت العلوق ومن شأن المستند أن يثبت للحال أولا ثم يستند فيستدعي قيام المحل للحال لاستحالة ثبوت الحكم في الهالك واليد المقطوعة هالكة فلا يمكن تصحيح الدعوة فيها بطريق الاستناد ويسقط عن البائع من الثمن حصة الولد لأنه سلم البدل للمشتري وهو الأرش ولو ماتت الأم ثم ادعى البائع الولد صحت دعوته وثبت النسب لأن محل النسب قائم وهو الولد وأمومية الولد ليست من لوازم ثبوت النسب لما تقدم فثبت نسب الولد وإن لم تصر الجارية أم ولد له وهل يرد جميع الثمن عند أبي حنيفة نعم وعندهما لا يرد إلا قدر قيمة الولد فتعتبر القيمتان ويقسم الثمن على قدر قيمتهما فما أصاب قيمة الأم يسقط وما أصاب قيمة الولد يرد لأنه ظهر أن الجارية أم ولده ومن باع أم ولده ثم هلكت عند المشتري لا تكون مضمونة عليه عنده وعندهما تكون مضمونة عليه ولقب المسألة أن أم الولد غير متقومة من حيث إنها مال عنده وعندهما متقومة وهي من مسائل العتاق وعلى هذا إذا باعها والحمل غير ظاهر فولدت في يد المشتري لأقل من ستة أشهر فادعاه البائع وعلى هذا إذا حملت الجارية في ملكه فباعها وهي حامل فولدت عند المشتري لأقل من ستة أشهر فادعاه البائع هذا إذا ولدت ولدا ( فأما ) إذا ولدت ولدين في بطن واحد فادعى البائع فإن ادعاهما ثبت نسب الولدين منه وهذا ظاهر وكذا إذا ادعى أحدهما صحت دعوته ولزمه الولدان جميعا لما مر أن التوأمين لا يحتملان الفصل في النسب لانخلاقهما من ماء واحد فإن ولدت أحدهما لأقل من ستة والآخر لأكثر من ستة أشهر فادعى أحدهما ثبت نسبهما ويجعل كأنهما ولدتهما جميعا عند البائع لأقل من ستة أشهر لأنهما كانا جميعا في البطن وقت البيع ولو ولدتهما عند البائع فباع أحد الولدين مع الأم ثم ادعى الولد الذي عنده ثبت نسبه ونسب الولد المبيع أيضا سواء كان المشتري ادعاه أو أعتقه لما ذكرنا أنهما لا يحتملان الفصل في ثبات النسب فمن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر وكذلك لو ولدتهما عند المشتري فأعتق أحدهما ثم ادعى البائع الآخر ثبت نسبهما جميعا وينتقض العتق ضرورة فرقا بين الولد وبين الأم أنه لو كان أعتق الأم فادعى البائع الولد لا ينتقض العتق في الأم وينتقض في الولد لأن العتق لا يحتمل الفسخ مقصودا وإنما يحتمله للضرورة وفي الولد ضرورة عدم الاحتمال للانفصال في النسب ولا ضرورة في الأم لما ذكرنا أن أمومية الولد تنفصل عن إثبات النسب في الجملة ولو قطعت يد أحد الولدين ثم ادعاهما البائع ثبت نسبهما وكان الأرش للمشتري لا للبائع إلا أن يقيم البائع البينة على الدعوة قبل البيع فتكون له لما ذكرنا أن ما ثبت بطريق الاستناد ثبت في الحال ثم يستند فيستدعي قيام المحل للحال واليد المقطوعة هالكة فلا يظهر أثر الدعوة فيها ولو قتل أحدهما ثم ادعاهما البائع ثبت نسبهما وكانت قيمة المقتول لورثة المقتول لا للمشتري فرقا بين القتل والقطع ( ووجه ) الفرق أن محل حكم الدعوة مقصودا هو النفس وإنما يظهر في الأطراف تبعا للنفس وبالقطع انقطعت التبعية فلا يظهر حكم الدعوة فيها فسلم الأرش للمشتري ونفس كل واحد من التوأمين أصل في حكم الدعوة فمتى صحت في أحدهما تصح في الآخر وإن كان مقتولا ضرورة أنه لا يتصور الفصل بينهما في النسب ومتى صحت الدعوة استندت إلى وقت العلوق لأنها دعوة الاستيلاد فتبين أنهما علقا حرين فكان ينبغي أن تجب الدية لورثة المقتول لا القيمة إلا أنه وجبت القيمة لأن صحة هذه الدعوة بطريق الاستناد والمستند يكون ظاهرا من وجه مقتصرا على الحال من وجه فعملنا بالشبهين فأوجبنا القيمة عملا بشبه الاقتصاد وجعلنا الواجب لورثة المقتول عملا بشبه الظهور عملا بالدليلين بقدر الإمكان وكذلك لو أعتق المشتري أحدهما ثم قتل وترك ميراثا فأخذ ديته وميراثه بالولاء ثم ادعى البائع الولدين فإنه يقضى بالحي وأمه للبائع ويثبت نسب الولد المقتول منه ويأخذ الدية والميراث من المشتري لما قلنا هذا إذا ولدت في يد المشتري لأقل من ستة أشهر من وقت البيع فإن ولدت لستة أشهر فصاعدا لم تصح دعوة البائع إلا أن يصدقه المشتري لأنا لم نتيقن بالعلوق في الملك فلم يمكن تصحيح هذه الدعوة دعوة استيلاد فتصحح دعوة تحرير ويشترط لصحة هذه الدعوة قيام الملك للمدعي وقت الدعوة ولم يوجد فلا تصح إلا إذا صدقه المشتري فتصح لأنه أقر بنسب عبد غيره وقد صدقه الغير في ذلك فثبت نسبه ويكون عبدا لمولاه ولو [ ص: 250 ] ادعى المشتري نسبه بعد تصديقه البائع لم يصح لما مر أن النسب متى ثبت لإنسان في زمان لا يتصور ثبوته من غيره بعد ذلك هذا كله إذا كانت الدعوى من البائع فإن كانت من المشتري وقد ولدت لأقل من ستة أشهر صحت دعوته وثبت النسب لأن هذه دعوة تحرير لا دعوة استيلاد لتيقننا أن العلوق لم يكن في الملك فيستدعي قيام الملك وقت الدعوة وقد وجد فلو ادعاه البائع بعد ذلك لا تسمع دعوته لما مر أن إثبات نسب ولد واحد من اثنين على التعاقب يمتنع ولو ادعاه البائع والمشتري معا فدعوة البائع أولى لأن دعوته دعوة استيلاد لوقوع العلوق في الملك وأنها تستند إلى وقت العلوق ودعوة المشتري دعوة تحرير لوقوع العلوق في غير الملك بيقين وأنها تقتصر على الحال والمستند أولى لأنه سابق في المعنى والأسبق أولى كرجلين ادعيا تلقي الملك من واحد وتاريخ أحدهما أسبق كان الأسبق أولى كذا هذا وعلى هذا إذا ولدت أمة رجل ولدا في ملكه لستة أشهر فصاعدا فادعاه أبوه ثبت نسبه منه سواء ادعى شبهة أو لا صدقه الابن في ذلك أو كذبه لأن الإقرار بنسب الولد إقرار بوطء الجارية والأب إذا وطئ جارية ابنه من غير نكاح يصير متملكا إياها لحاجته إلى نسب ولد يحيا به ذكره ولا يثبت النسب إلا بالملك وللأب ولاية تملك مال ابنه عند حاجته إليه ألا ترى أنه يتملك ماله عند حاجته إلى الإنفاق على نفسه كذا هذا إلا أن هناك يتملك بغير عوض وهنا بعوض وهو قيمة الجارية لتفاوت بين الحاجتين إذ الحاجة هناك إلى إبقاء النفس والحاجة هنا إلى إبقاء الذكر والاسم والتملك بغير عوض أقوى من التملك بعوض لأن ما قابله عوض كان تملكا صورة لا معنى وقد دفع الشارع كل حاجة بما يناسبها فدفع حاجة استيفاء المهجة بالتملك بغير بدل وحاجة استيفاء الذكر بالتملك ببدل رعاية للجانبين جانب الابن وجانب الأب وتصديق الابن ليس بشرط فسواء صدقه الابن في الدعوى والإقرار أو كذبه يثبت النسب فرقا بين هذا وبين المولى إذا ادعى ولد أمة مكاتبه أنه لا يثبت نسبه منه إلا بتصديق المكاتب ( ووجه ) الفرق ظاهر لأنه لا ولاية للمولى على مال المكاتب فكان أجنبيا عنه فوقعت الحاجة إلى تصديقه وللأب ولاية على مال ابنه فلا يحتاج إلى تصديقه لصحة هذه الدعوة لكن من شرط صحة هذه الدعوة كون الجارية في ملك الابن من وقت العلوق إلى وقت الدعوة حتى لو اشتراها الابن فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر فادعاه الأب لا تصح دعوته لانعدام الملك وقت العلوق وكذا لو باعها فجاءت بولد في يد المشتري لأقل من ستة أشهر فادعاه الأب لم تصح لانعدام الملك وقت الدعوة وكذا لو كان العلوق في ملكه وولدت في ملكه وخرجت عن ملكه فيما بينهما لانقطاع الملك فيما بينهما ثم إنما كان قيام الملك للابن في الجارية من وقت العلوق إلى وقت الدعوة شرطا لصحة هذه الدعوة لأن الملك يثبت مستندا إلى زمان العلوق ولا يثبت الملك إلا بالتملك ولا تملك إلا بولاية التملك لأن تملك مال الإنسان عليه كرها وتنفيذ التصرف عليه جبرا لا يكون إلا بالولاية فلا بد من قيام الولاية فإذا لم تكن الجارية في ملكه من وقت العلوق إلى وقت الدعوة لم تتم الولاية فلا يستند الملك وكذلك الأب لو كان كافرا أو عبدا فادعى لا تصح دعوته لأن الكفر والرق ينفيان الولاية ولو كان كافرا فأسلم أو عبدا فأعتق فادعى نظر في ذلك إن ولدت بعد الإسلام أو الإعتاق لأقل من ستة أشهر لم تصح دعوته لانعدام ولاية التملك وقت العلوق وإن ولدت لستة فصاعدا صحت دعوته ويثبت النسب لقيام الولاية ولو كان معتوها فأفاق صحت دعوته استحسانا والقياس أن لا تصح لأن الجنون مناف للولاية بمنزلة الكفر والرق ( وجه ) الاستحسان أن الجنون أمر عارض كالإغماء وكل عارض على أصل إذا زال يلتحق بالعدم من الأصل كأنه لم يكن كما لو أغمي عليه ثم أفاق ولو كان مرتدا فادعى ولد جارية ابنه فدعوته موقوفة عند أبي حنيفة لتوقف ولايته وعندهما صحيحة لنفاذ ولايته بناء على أن تصرفات المرتد موقوفة عنده وعندهما نافذة وإذا ثبت الولد من الأب فنقول صارت الجارية أم ولد ولا عقر عليه عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى وعند زفر والشافعي رحمهما الله يجب عليه العقر ( وجه ) قولهما أن الملك ثبت شرطا لصحة الاستيلاد والاستيلاد إيلاج منزل معلق فكان الفعل قبل الإنزال خاليا عن الملك فيوجب العقر ولهذا يوجب نصف العقر في الجارية المشتركة بين الأجنبيين إذا جاءت بولد فادعاه أحدهما لأن [ ص: 251 ] الوطء في نصيب شريكه حصل في غير الملك فيوجب نصف العقر .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن الإيلاج المنزل المعلق من أوله إلى آخره إيلاج واحد فكان من أوله إلى آخره استيلادا فلا بد وأن يتقدمه الملك أو يقارنه على جارية مملوكة لنفسه فلا عقر بخلاف الجارية المشتركة ; لأن ثمة لم يكن نصيب الشريك شرطا لصحة الاستيلاد وثبات النسب ; لأن نصف الجارية ملكه وقيام أصل الملك يكفي لذلك وإنما يثبت حكما للثابت في نصيبه قضية للنسب ضرورة أنه لا يتجزأ وحكم الشيء لا يسبقه بل يتعقبه فوطء المدعي صادف نصيبه ونصيب شريكه ولا ملك له في نصيب شريكه والوطء في غير الملك يوجب الحد إلا أنه سقط للشبهة فوجب العقر وهنا التملك ثبت شرطا لثبوت النسب وصحة الاستيلاد وشرط الشيء يكون سابقا عليه أو مقارنا له فالوطء صادف ملك نفسه فلا يوجب العقر ولا يضمن قيمة الولد أيضا ; لأنه علق حرا وإن كانت الجارية مملوكة لا ولاء عليه ; لأن ذلك حكم الإعتاق فيستدعي تقدم الرق ولم يوجد ودعوة الجد أبي الأب ولد جارية ابن الابن بمنزلة دعوة الأب عند انعدامه أو عند انعدام ولايته ( فأما ) عند قيام ولايته فلا حتى لو كان الجد نصرانيا وحافده مثله والأب مسلم لم تصح دعوة الجد لقيام ولاية الأب وإن كان الأب ميتا أو كان كافرا أو عبدا تصح دعوة الجد لانقطاع ولاية الأب وكذا إذا كان الأب معتوها من وقت العلوق إلى وقت الدعوة صحت دعوة الجد لما قلنا فإن أفاق ثم ادعى الجد لم تصح دعوته ; لأنه لما أفاق فقد التحق العارض بالعدم من الأصل فعادت ولاية الأب فسقطت ولاية الجد ولو كان الأب مرتدا فدعوة الجد موقوفة عند أبي حنيفة رحمه الله فإن قتل على الردة أو مات صحت دعوة الجد وإن أسلم لم تصح لتوقف ولايته عنده كتوقف تصرفاته وعندهما لا تصح دعوة الجد ; لأن تصرفاته عندهما نافذة فكانت ولايته قائمة هذا إذا وطئ الأب جارية الابن من غير نكاح ( فأما ) إذا وطئها بالنكاح ثبت النسب من غير دعوة سواء وطئها بنكاح صحيح أو فاسد ; لأن النكاح يوجب الفراش بنفسه صحيحا كان أو فاسدا ولا يتملك الجارية ; لأنه وطئها على ملك الابن بعقد النكاح وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز هذا النكاح لما علم في كتاب النكاح ويعتق الولد على أخيه بالقرابة ; لأن النسب إنما يثبت بعقد النكاح لا بملك اليمين فبقيت الجارية على ملك الابن وقد ملك الابن أخاه فيعتق عليه فإن ملك الأب الجارية بوجه من الوجوه صارت أم ولد له لوجود سبب أمومية الولد وهو ثبات النسب إلا أنه توقف حكمه على وجود الملك فإذا ملكها صارت أم ولد له هذا كله إذا ادعى الأب ولد جارية ابنه فأما إذا ادعى ولد أم ولده أو مدبرته بأن جاءت بولد فنفاه الابن حتى انتفى نسبه منه ثم ادعاه الأب لم يثبت نسبه منه في ظاهر الرواية وعليه نصف العقر وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه فرق بين ولد أم الولد وبين ولد المدبرة فقال لا يثبت نسب ولد أم الولد ويثبت نسب ولد المدبرة من الأب وعليه قيمة الولد والعقر والولاء للابن ( وجه ) هذه الرواية أن إثبات النسب لا يقف على ملك الجارية لا محالة فإن نسب ولدا لأمة المنكوحة يثبت من الزوج والأمة ملك المولى ( وأما ) القيمة ; فلأنه ولد ثابت النسب علق حرا فأشبه ولد المغرور فيكون حرا بالقيمة والولاء للابن ; لأنه استحقه بالتدبير وأنه لا يحتمل الفسخ بعد الاستحقاق بخلاف ولد أم الولد ; لأن أم الولد فراش لمولاها فكان الولد مولودا على فراش الابن والمولود على فراش إنسان لا يثبت نسبه من غيره وإن انتفى عنه بالنفي كما في اللعان والصحيح جواب ظاهر الرواية ; لأن النسب لا يثبت إلا بالملك وأم الولد والمدبرة لا يحتملان التملك ويضمن العقر ; لأنه إذا لم يتملكها فقد حصل الوطء في غير الملك وقد سقط الحد للشبهة فيجب العقر هذا إذا لم يصدقه الابن في الدعوى بعدما نفاه فإن صدقه ثبت النسب بالإجماع ; لأن نسب ولد جارية الأجنبي يثبت من المدعي بتصديقه في النسب فنسب ولد جارية الابن أولى ويعتق على الابن ; لأن أخاه ملكه وولاؤه له ; لأن الولاء لمن أعتق ولو ادعى ولد مكاتبة ابنه لم يثبت نسبه منه ; لأن النسب لا يثبت بدون الملك والمكاتبة لا تحتمل التملك فلا تصح دعوته إلا إذا عجزت فتنفذ دعوته ; لأنها إذا عجزت فقد عادت قنا وجعل المعارض كالعدم من الأصل فصار كما لو ادعى قبل الكتابة والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية