الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ومنها اتفاق الشهادتين فيما يشترط فيه العدد فإن اختلفا لم تقبل ; لأن اختلافهما يوجب اختلاف الدعوى والشهادة ، ; ولأن عند اختلاف الشهادتين لم يوجد إلا أحد شطري الشهادة ، ولا يكتفى به فيما يشترط فيه العدد ، ثم نقول : الاختلاف قد يكون في جنس المشهود به ، وقد يكون في قدره ، وقد يكون في الزمان ، وقد يكون في المكان ، وغير ذلك ، أما اختلافهما في الجنس فقد يكون في العقد ، وقد يكون في المال ، أما في العقد فهو أن يشهد أحدهما بالبيع والآخر بالميراث أو بالهبة أو غير ذلك ، فلا تقبل لاختلاف العقدين صورة ومعنى ، فقد شهد كل واحد منهما بعقد غير ما شهد به الآخر ، وليس على أحدهما شهادة شاهدين وأما في المال فهو أن يشهد أحدهما بمكيل والآخر بموزون ، فلا تقبل ; لأنهما جنسان مختلفان وليس على أحدهما شهادة شاهدين .

                                                                                                                                وأما اختلاف الشهادة في قدر المشهود به ، فنحو ما إذا ادعى رجل على رجل ألفي درهم ، وأقام شاهدين شهد أحدهما بألفين والآخر بألف ، لا تقبل عند أبي حنيفة - رحمه الله - أصلا ، وعندهما تقبل على الألف ولو كان المدعي يدعي ألفا وخمسمائة ، فشهد أحدهما بألف وخمسمائة والآخر بألف ، تقبل على الألف بالإجماع ، وجه قولهما : أن الشهادة لم تخالف الدعوى في قدر الألف بل وافقتها بقدرها ، إلا أن المدعي يدعي زيادة مال لا شهادة لهم عليه ، فيثبت قدر ما وقع الاتفاق عليه ، كما إذا ادعى ألفا وخمسمائة فشهد أحدهما بذلك والآخر بألف تقبل على الألف لما قلنا كذا هذا ولأبي حنيفة - رحمه الله - أن شطر الشهادة خالف الدعوى ; لأن المدعي يدعي ألفين ، وأنه اسم وضع دلالة على عدد معلوم ، والاسم الموضوع دلالة على عدد لا يقع على ما دون ذلك العدد كسائر أسماء الأعداد ، كالبرك لألف من الإبل والهنيدة لمائة منها ونحو ذلك ، فلم تكن الألف المفردة مدعى ، فلم تكن الشهادة شاهدة على ما دخل تحت الدعوى فانفردت الشهادة عن الدعوى فيما يشترط فيه الدعوى ، فلا تقبل ، بخلاف ما إذا ادعى ألفا وخمسمائة فشهد أحدهما بذلك والآخر بألف أنه يقبل على الألف ; لأن الألف والخمسمائة اسم لعددين ، ألا ترى أنه يعطف أحدهما على الآخر فيقال : ألف وخمسمائة فكان كل واحد منهما بانفراده داخلا تحت الدعوى ، فالشهادة القائمة عليهما تكون قائمة على كل واحد منهما مقصودا ، فإذا شهد أحدهما بألف فقد شهد بأحد العددين الداخلين تحت الدعوى ، فكانت الشهادة موافقة للدعوى في عدد الألف فيقضى به للمدعي ; لقيام الحجة عليه - بخلاف الألف والألفين - ; لأنه اسم لعدد واحد لا تصح على ما دونه بحال ، فلم تكن الألف المفردة داخلة تحت الدعوى ، فكانت الشهادة القائمة عليها شهادة على ما لم يدخل تحت الدعوى ، فلا تقبل فهو الفرق بينهما ولو ادعى ألفا فشهد أحدهما بالألف والآخر بألفين لا تقبل على الألف بالإجماع ; لأن المدعي كذب أحد شاهديه في بعض ما شهد به فأوجب ذلك تهمة في الباقي ، فلا تقبل إلا إذا وفق فقال : كان لي عليه ألفان إلا أنه كان قد قضاني ألفا ، ولم يعلم به الشاهد فيقبل ، وكذا لو ادعى ألفا فشهد أحدهما بها والآخر بألف وخمسمائة لا تقبل لما قلنا ، إلا إذا وفق فقال : كان لي عليه ألف وخمسمائة ، إلا أنه قضاني خمسمائة ولم يعلم بها الشاهد فتقبل ; لأنه إذا وفق فقد زال الاختلاف المانع من القبول [ ص: 279 ] ولو ادعى على رجل أنه باع عبده بألفي درهم وهو ينكر ، فشهد شاهد بألفين وآخر بألف ، أو ادعى أنه باعه بألف وخمسمائة ، فشهد أحدهما بألف وخمسمائة ، والآخر بألف لا تقبل بالإجماع ; لأن الشاهدين اختلفا في البدل ، واختلاف البدلين يوجب اختلاف العقدين ، فصار كل واحد منهما شاهدا بعقد غير عقد صاحبه ، وليس على أحدهما شهادة شاهدين فلا تقبل ولا يثبت العقد ، وكذا لو كان المشتري مدعيا والبائع مدعى عليه لما قلنا ، فإن كان هذا في الإجارة ينظر إن كانت الدعوى من المؤاجر في مدة الإجارة لا تقبل ; لأن هذا يكون دعوى العقد ، وليس على أحد العاقدين شهادة شاهدين فلا تقبل كما في باب البيع ، وإن كانت الدعوى بعد انقضاء مدة الإجارة فهذا دعوى المال لا دعوى العقد ، فكان حكمه حكم سائر الديون ، وقد ذكرناه على الاتفاق والاختلاف ، هذا إذا كانت الدعوى من المؤاجر ، فإن كانت من المستأجر لا تقبل ، سواء كانت الدعوى في المدة ، أو بعد انقضائها ; ; لأن هذا دعوى العقد ، ولو كان هذا في النكاح ، فإن كانت الدعوى من المرأة ، فهذا دعوى المال عند أبي حنيفة - عليه الرحمة - حتى أنها لو ادعت على رجل أنه تزوجها على ألف وخمسمائة ، فشهد لها شاهدان أحدهما بألف وخمسمائة والآخر بألف تقبل ، والنكاح جائز بألف درهم ، وعندهما لا تقبل ولا يجوز النكاح ; ; لأن هذا دعوى العقد ، ولو كانت الدعوى من الرجل ، والمرأة تنكر لا تقبل بالإجماع ; ; لأن هذا دعوى العقد ، ولو كانت الدعوى في الخلع أو في الطلاق على مال ، أو في العتاق ، أو في الصلح عن دم العمد على مال ، فإن كانت الدعوى من الزوج أو من المولى أو ولي القصاص تقبل ; ; لأن هذا دعوى المال ، وإن كانت الدعوى من المرأة أو العبد أو القاتل لا تقبل ; لأن هذا دعوى العقد ، ولو كان هذا في الكتابة ، فإن كانت الدعوى من المكاتب لا تقبل ; لأن هذا دعوى العقد ، فلا تقبل ولا تصح الكتابة ، وإن كانت من المولى فلا تصح ; لأن للمكاتب أن يعجز نفسه متى شاء .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية