الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                واختلف في اشتراطها في الشهادة بالحقوق التي ليست بمال ، كالنكاح والطلاق والنسب ، قال أصحابنا رضي الله عنهم : " ليست بشرط " وقال الشافعي : رضي الله عنه " شرط " ( وجه ) [ ص: 280 ] قول الشافعي - رحمه الله - أن شهادة النساء حجة ضرورة ; لأنها جعلت حجة في باب الديانات عند عدم الرجال ، ولا ضرورة في الحقوق التي ليست بمال لاندفاع الحاجة فيها بشهادة الرجال ، ولهذا لم تجعل حجة في باب الحدود والقصاص .

                                                                                                                                وكذا لم تجعل حجة بانفرادهن فيما لا يطلع عليه الرجال ، ( ولنا ) قوله تبارك وتعالى { واستشهدوا } الآية ، جعل الله سبحانه وتعالى لرجل وامرأتين شهادة على الإطلاق ; لأنه سبحانه وتعالى جعلهم من الشهداء ، والشاهد المطلق من له شهادة على الإطلاق ، فاقتضى أن يكون لهم شهادة في سائر الأحكام ، إلا ما قيد بدليل .

                                                                                                                                وروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه أجاز شهادة النساء مع الرجال في النكاح والفرقة ، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر من الصحابة فكان إجماعا منهم على الجواز ; ولأن شهادة رجل وامرأتين في إظهار المشهود به مثل شهادة رجلين ، لرجحان جانب الصدق فيها على جانب الكذب بالعدالة ، لا أنها لم تجعل حجة فيما يدرأ بالشبهات لنوع قصور وشبهة فيها لما ذكرنا ، وهذه الحقوق تثبت بدليل فيه شبهة .

                                                                                                                                ( وأما ) قوله بأنها ضرورة فلا تسلم ، فإنها مع القدرة على شهادة الرجال في باب الأموال مقبولة ، فدل أنها شهادة مطلقة لا ضرورة ، وبه تبين أن نقصان الأنوثة يصير مجبورا بالعدد فكانت شهادة مطلقة ، واختلف في اشتراطها في الشهادة على الإحصان ، قال علماؤنا الثلاثة رضي الله عنهم : " ليست بشرط " وقال زفر : شرط حتى يظهر الإحصان بشهادة رجل وامرأتين ، عندنا وعنده لا يظهر ( وجه ) قول زفر - رحمه الله - أن الذكورة شرط في علة العقوبات بالإجماع ، حتى لا يظهر بشهادة رجل وامرأتين ، والإحصان من جملة أوصاف العلة ; لأن علة وجوب الرجم ليس هو الزنا المطلق ، بل الزنا لموصوف بالتغليظ ، ولا يتغلظ إلا بالإحصان ، فكان الإحصان من جملة العلة فلا يثبت بشهادة النساء ، ولهذا لو أقر بالإحصان جاز رجوعه ، كما أنه لو أقر بالزنا رجع ، وكذا الشهادة القائمة على الإحصان من غير دعوى كالشهادة القائمة على الزنا .

                                                                                                                                ( ولنا ) قوله عز وجل { فاستشهدوا } الآية ، ودلالتها على نحو ما تقدم مع الشافعي - رحمه الله - .

                                                                                                                                وأما قوله : " من جملة العلة الإحصان " ، قلنا : " لا ممنوع ، بل هو شرط العلة " فيصير الزنا عنده علة ، والحكم يضاف إلى العلة لا إلى الشرط لما عرف في أصول الفقه .

                                                                                                                                وأما الرجوع عنه بعد الإقرار فلا نسلم أنه لا يصح الرجوع في قول أبي يوسف - رحمه الله - ، ولا يصح في قول زفر - رحمه الله - ، وهذا حجة على زفر ، ولا رواية فيه عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ، فلنا أن نمنع ، وعدم اشتراط الدعوى يدل على أنه حق الله سبحانه وتعالى لا على أنه تضاف إليه العقوبة ، ألا ترى أن الدعوى ليست بشرط في عتق الأمة إجماعا ، ولا في عتق العبد عند أبي يوسف ومحمد ، وإن كان لا يتقرر تعلق عقوبة به ونحن نسلم أن الإحصان حق الله تعالى في هذا الوقت ، على ما عرف في الخلافيات .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية