الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما حكم الضمان ، فأما قبل الإمضاء : لا ضمان أصلا لعدم الإتلاف أصلا ، وأما بعد الإمضاء ، فإن كان الحد رجما ضمنوا الدية بلا خلاف لوقوع شهادتهم إتلافا أو إقرارا بالإتلاف ، وإن كان الحد جلدا فليس عليهم أرش الجلدات إذا لم يمت منها ولا الدية إن مات منها عند أبي حنيفة - رحمه الله - ، وعندهما يضمنون ، وجه قولهما أن شهادتهم وقعت إتلافا بطريق التسبيب ; ; لأنها تفضي إلى القضاء .

                                                                                                                                والقضاء يفضي إلى إقامة الجلدات وأنها تفضي إلى التلف فكان التلف بهذه الوسائط مضافا إلى الشهادة فكانت إتلافا تسبيبا ، ولهذا لو شهدوا بالقصاص أو بالمال ، ثم رجعوا وجبت عليهم الدية والضمان كذا هذا ، ولأبي حنيفة - عليه [ ص: 289 ] الرحمة - أن الأثر حصل مضافا إلى الضرب دون الشهادتين لوجهين : أحدهما - أن الشهود لم يشهدوا على ضرب جارح ; ; لأن الضرب الجارح غير مستحق في الجلد ، فلا يكون الجرح مضافا إلى شهادتهم والثاني - أن الضرب مباشرة الإتلاف والشهادة تسبيب إليه .

                                                                                                                                وإضافة الأثر إلى المباشرة أولى من إضافته إلى التسبيب ، إلا أنه لا ضمان على بيت المال ; لأن هذا ليس خطأ من القاضي ليكون عطاؤه في بيت المال لنوع تقصير منه ، ولا تقصير من جهته ههنا فلا شيء على بيت المال ، هذا إذا رجعوا جميعا ، فأما إذا رجع واحد منهم ، فإن كان قبل القضاء يحدون جميعا عند أصحابنا الثلاثة ، وعند زفر يحد الراجع خاصة ، وجه قوله أن كلامهم وقع شهادة قذفا لكمال نصاب الشهادة ، وهو عدد الأربعة .

                                                                                                                                وإنما ينقلب قذفا بالرجوع ، ولم يوجد إلا من أحدهم ، فينقلب كلامه قذفا خاصة ، بخلاف ما إذا شهد ثلاثة بالزنا أنهم يحدون ; ; لأن هناك نصاب الشهادة لم يكمل فوقع كلامهم من الابتداء قذفا .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن كلامهم لا يصير شهادة إلا بقرينة القضاء ، ألا ترى أنها لا تصير حجة إلا به فقبله يكون قذفا لا شهادة ، فكان ينبغي أن يقام الحد عليهم بالنص لوجود الرمي منهم ، إلا أنه لا يقام لاحتمال أن يصير شهادة بقرينة القضاء ، ولئلا يؤدي إلى سد باب الشهادة ، فإذا رجع أحدهم زال هذا المعنى فبقي كلامهم قذفا فيحدون ، وصار كما لو كان الشهود من الابتداء ثلاثة ، فإنهم يحدون لوقوع كلامهم قذفا كذا هذا ، وإن كان بعد القضاء قبل الإمضاء ، فإنهم يحدون جميعا عندهما ، وعند محمد الراجع خاصة ، وجه قوله أن كلامهم وقع شهادة لاتصال القضاء به ، فلا ينقلب قذفا إلا بالرجوع ، ولم يرجع إلا واحد منهم فينقلب كلامه خاصة قذفا ، فلم يصح رجوعه في حق الباقين فبقي كلامهم شهادة فلا يحدون ، ولهما أن الإمضاء في باب الحدود من القضاء ، بدليل أن عمى الشهود أو ردتهم قبل القضاء كما يمنع من القضاء فبعده يمنع من الإمضاء ، فكان رجوعه قبل الإمضاء بمنزلة رجوعه قبل القضاء .

                                                                                                                                ولو رجع قبل القضاء يحدون جميعا بلا خلاف بين أصحابنا الثلاثة ، كذا إذا رجع بعد القضاء قبل الإمضاء ، وإن كان بعد الإمضاء ، فإن كان الحد جلدا يحد الراجع خاصة بالإجماع ; ; لأن رجوعه صحيح في حقه خاصة لا في حق الباقين فانقلبت شهادته خاصة قذفا فيحد خاصة ، وإن كان الحد رجما ومات المقذوف يحد الراجع عند أصحابنا خلافا لزفر وقد مرت المسألة هذا حكم الحد .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية