حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
nindex.php?page=treesubj&link=23271الظهار
وبيان ما أنزل الله فيه ومعنى العود الموجب للكفارة
قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=2الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم ) [ المجادلة : 2 - 4 ] .
ثبت في السنن والمسانيد : أن
أوس بن الصامت ظاهر من زوجته
خولة بنت مالك بن ثعلبة ، وهي التي جادلت فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واشتكت إلى الله ، وسمع الله شكواها من فوق سبع سماوات ، فقالت : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003423يا رسول الله ، إن أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة مرغوب في ، فلما خلا سني ، ونثرت له بطني ، جعلني [ ص: 293 ] كأمه عنده ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما عندي في أمرك شيء ، فقالت : اللهم إني أشكو إليك ) وروي أنها قالت : (
إن لي صبية صغارا ، إن ضمهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلي جاعوا ، فنزل القرآن . )
وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003425nindex.php?page=treesubj&link=29717الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت خولة بنت ثعلبة تشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا في كسر البيت يخفى علي بعض كلامها فأنزل الله عز وجل : ( nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=1قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) ) [ المجادلة : 1 ] . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003426ليعتق رقبة ، قالت : لا يجد ، قال : فيصوم شهرين متتابعين ، قالت : يا رسول الله ، إنه شيخ كبير ما به من صيام ، قال : فليطعم ستين مسكينا ، قالت : ما عنده من شيء يتصدق به ، قالت : فأتي ساعتئذ بعرق من تمر ، قلت : يا رسول الله ، فإني أعينه بعرق آخر ، قال : أحسنت فأطعمي عنه ستين مسكينا ، وارجعي إلى ابن عمك )
وفي السنن أن (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003427سلمة بن صخر البياضي ظاهر من امرأته مدة شهر رمضان ، ثم واقعها ليلة قبل انسلاخه ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنت بذاك يا سلمة " ، [ ص: 294 ] قال : قلت : أنا بذاك يا رسول الله مرتين وأنا صابر لأمر الله ، فاحكم في بما أراك الله ، قال : " حرر رقبة " قلت : والذي بعثك بالحق نبيا ما أملك رقبة غيرها ، وضربت صفحة رقبتي ، قال : فصم شهرين متتابعين ، قال : وهل أصبت الذي أصبت إلا في الصيام ، قال : فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا ، قلت : والذي بعثك بالحق ، لقد بتنا وحشين ما لنا طعام ، قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك ، فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر ، وكل أنت وعيالك بقيتها ، قال : فرحت إلى قومي فقلت : وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ، ووجدت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السعة وحسن الرأي ، وقد أمر لي بصدقتكم )
وفي " جامع
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي " عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003428أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ظاهر من امرأته فوقع عليها ، فقال : يا رسول الله ، إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر ، قال : ( وما حملك على ذلك ، يرحمك الله ، قال رأيت خلخالها في ضوء القمر ، قال فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله ) قال : هذا حديث حسن غريب صحيح .
[ ص: 295 ] وفيه أيضا : عن
سلمة بن صخر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في
nindex.php?page=treesubj&link=12116المظاهر يواقع قبل أن يكفر ، فقال : ( كفارة واحدة ) وقال : حسن غريب انتهى ، وفيه انقطاع بين
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار وسلمة
بن صخر .
وفي مسند
nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار ، عن
إسماعيل بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه ، قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003429أتى رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني ظاهرت من امرأتي ، ثم وقعت عليها قبل أن أكفر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألم يقل الله ( nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3من قبل أن يتماسا )؟ فقال : أعجبتني ، فقال : أمسك عنها حتى تكفر ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار : لا نعلمه يروى بإسناد أحسن من هذا ، على أن
إسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه ، وروى عنه جماعة كثيرة من أهل العلم .
فتضمنت هذه الأحكام أمورا .
أحدها : إبطال ما كانوا عليه في الجاهلية ، وفي صدر الإسلام من كون الظهار طلاقا ، ولو صرح بنيته له ، فقال : أنت علي كظهر أمي ، أعني به الطلاق ، لم يكن طلاقا ، وكان ظهارا ، وهذا بالاتفاق ، إلا ما عساه من خلاف شاذ ، وقد نص عليه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وغيرهما . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ولو
nindex.php?page=treesubj&link=11715_23271ظاهر يريد طلاقا كان ظهارا ، أو
nindex.php?page=treesubj&link=11716_11730طلق يريد ظهارا كان طلاقا ، هذا لفظه ، فلا يجوز أن ينسب إلى مذهبه خلاف هذا ، ونص
أحمد : على أنه إذا قال : أنت علي كظهر أمي ، أعني به الطلاق ، أنه ظهار ولا تطلق به ، وهذا لأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فنسخ ، فلم يجز أن يعاد إلى الحكم المنسوخ .
وأيضا
فأوس بن الصامت إنما نوى به الطلاق على ما كان عليه ، وأجرى عليه حكم الظهار دون الطلاق .
وأيضا فإنه صريح في حكمه ، فلم يجز جعله كناية في الحكم الذي
[ ص: 296 ] أبطله عز وجل بشرعه ، وقضاء الله أحق ، وحكم الله أوجب .
ومنها أن الظهار حرام لا يجوز الإقدام عليه ؛ لأنه كما أخبر الله عنه منكر من القول وزور ، وكلاهما حرام ، والفرق بين جهة كونه منكرا ، وجهة كونه زورا ، أن قوله : أنت علي كظهر أمي يتضمن إخباره عنها بذلك وإنشاءه تحريمها ، فهو يتضمن إخبارا وإنشاء ، فهو خبر زور ، وإنشاء منكر ، فإن الزور هو الباطل خلاف الحق الثابت ، والمنكر خلاف المعروف ، وختم سبحانه الآية بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=2وإن الله لعفو غفور ) وفيه إشعار بقيام سبب الإثم الذي لولا عفو الله ومغفرته لآخذ به .
ومنها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=12158الكفارة لا تجب بنفس الظهار ، وإنما تجب بالعود ، وهذا قول الجمهور ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس قال : إذا تكلم بالظهار فقد لزمه ، وهذه رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح عنه ، وروى
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس ، عن أبيه في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3ثم يعودون لما قالوا ) قال : جعلها عليه كظهر أمه ، ثم يعود فيطؤها فتحرير رقبة .
وحكى الناس عن
مجاهد : أنه تجب الكفارة بنفس الظهار ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16542وعثمان البتي ، وهؤلاء لم يخف عليهم أن العود شرط في الكفارة ، ولكن العود عندهم هو العود إلى ما كانوا عليه في الجاهلية من التظاهر ، كقوله تعالى في جزاء الصيد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95ومن عاد فينتقم الله منه ) [ المائدة : 95 ] أي عاد إلى الاصطياد بعد نزول تحريمه ، ولهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95عفا الله عما سلف ) [المائدة : 95] قالوا : ولأن الكفارة إنما وجبت في مقابلة ما تكلم به من المنكر والزور ، وهو الظهار دون الوطء ، أو العزم عليه ، قالوا : ولأن الله سبحانه لما حرم الظهار ونهى عنه كان العود هو فعل المنهي عنه ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا ) [ الإسراء : 8 ] أي إن عدتم إلى الذنب عدنا إلى العقوبة ؟ فالعود هنا نفس فعل المنهي عنه .
قالوا : ولأن
nindex.php?page=treesubj&link=30578_23271الظهار كان طلاقا في الجاهلية ، فنقل حكمه من الطلاق
[ ص: 297 ] إلى الظهار ، ورتب عليه التكفير ، وتحريم الزوجة حتى يكفر ، وهذا يقتضي أن يكون حكمه معتبرا بلفظه كالطلاق .
ونازعهم الجمهور في ذلك ، وقالوا : إن العود أمر وراء مجرد لفظ الظهار ، ولا يصح حمل الآية على العود إليه في الإسلام ؛ لثلاثة أوجه :
أحدها : أن هذه الآية بيان لحكم من يظاهر في الإسلام ، ولهذا أتى فيها بلفظ الفعل مستقبلا ، فقال : يظاهرون ، وإذا كان هذا بيانا لحكم ظهار الإسلام ، فهو عندكم نفس العود ، فكيف يقول بعده : ثم يعودون ، وأن معنى هذا العود غير الظهار عندكم ؟
الثاني : أنه لو كان العود ما ذكرتم ، وكان المضارع بمعنى الماضي ، كان تقديره : والذين ظاهروا من نسائهم ثم عادوا في الإسلام ، ولما وجبت الكفارة إلا على من تظاهر في الجاهلية ، ثم عاد في الإسلام ، فمن أين توجبونها على من ابتدأ الظهار في الإسلام غير عائد ؟ فإن هنا أمرين : ظهار سابق ، وعود إليه ، وذلك يبطل حكم الظهار الآن بالكلية ، إلا أن تجعلوا " يظاهرون " لفرقة ، ويعودون لفرقة ، ولفظ المضارع نائبا عن لفظ الماضي ، وذلك مخالف للنظم ، ومخرج عن الفصاحة .
الثالث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
أوس بن الصامت ،
وسلمة بن صخر بالكفارة ، ولم يسألهما : هل تظاهرا في الجاهلية أم لا ؟ فإن قلتم : ولم يسألهما عن العود الذي تجعلونه شرطا ، ولو كان شرطا لسألهما عنه .
قيل : أما من يجعل العود نفس الإمساك بعد الظهار زمنا ، يمكن وقوع الطلاق فيه ، فهذا جار على قوله وهو نفس حجته ، ومن جعل العود هو الوطء والعزم ، قال : سياق القصة بين في أن المتظاهرين كان قصدهم الوطء ، وإنما أمسكوا له ، وسيأتي تقرير ذلك إن شاء الله تعالى .
وأما كون الظهار منكرا من القول وزورا فنعم هو كذلك ولكن
[ ص: 298 ] الله عز وجل إنما أوجب الكفارة في هذا المنكر والزور بأمرين : به ، وبالعود ، كما أن حكم الإيلاء إنما يترتب عليه وعلى الوطء لا على أحدهما .
حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
nindex.php?page=treesubj&link=23271الظِّهَارِ
وَبَيَانُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَعْنَى الْعَوْدِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ
قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=2الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ الْمُجَادَلَةِ : 2 - 4 ] .
ثَبَتَ فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ : أَنَّ
أوس بن الصامت ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ
خولة بنت مالك بن ثعلبة ، وَهِيَ الَّتِي جَادَلَتْ فِيهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاشْتَكَتْ إِلَى اللَّهِ ، وَسَمِعَ اللَّهُ شَكْوَاهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ ، فَقَالَتْ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003423يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أوس بن الصامت تَزَوَّجَنِي وَأَنَا شَابَّةٌ مَرْغُوبٌ فِيَّ ، فَلَمَّا خَلَا سِنِّي ، وَنَثَرَتْ لَهُ بَطْنِي ، جَعَلَنِي [ ص: 293 ] كَأُمِّهِ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَا عِنْدِي فِي أَمْرِكِ شَيْءٌ ، فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ) وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ : (
إِنَّ لِي صِبْيَةً صِغَارًا ، إِنْ ضَمَّهُمْ إِلَيْهِ ضَاعُوا ، وَإِنْ ضَمَمْتُهُمْ إِلَيَّ جَاعُوا ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ . )
وَقَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003425nindex.php?page=treesubj&link=29717الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ ، لَقَدْ جَاءَتْ خولة بنت ثعلبة تَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا فِي كِسْرِ الْبَيْتِ يَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُ كَلَامِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=1قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) ) [ الْمُجَادَلَةِ : 1 ] . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003426لِيُعْتِقْ رَقَبَةً ، قَالَتْ : لَا يَجِدُ ، قَالَ : فَيَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ ، قَالَ : فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ، قَالَتْ : مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ ، قَالَتْ : فَأُتِيَ سَاعَتَئِذٍ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ ، قَالَ : أَحْسَنْتِ فَأَطْعِمِي عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ، وَارْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ )
وَفِي السُّنَنِ أَنَّ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003427سلمة بن صخر البياضي ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ مُدَّةَ شَهْرِ رَمَضَانَ ، ثُمَّ وَاقَعَهَا لَيْلَةً قَبْلَ انْسِلَاخِهِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنْتَ بِذَاكَ يَا سلمة " ، [ ص: 294 ] قَالَ : قُلْتُ : أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ وَأَنَا صَابِرٌ لِأَمْرِ اللَّهِ ، فَاحْكُمْ فِيَّ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ، قَالَ : " حَرِّرْ رَقَبَةً " قُلْتُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا أَمْلِكُ رَقَبَةً غَيْرَهَا ، وَضَرَبْتُ صَفْحَةَ رَقَبَتِي ، قَالَ : فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، قَالَ : وَهَلْ أَصَبْتُ الَّذِي أَصَبْتُ إِلَّا فِي الصِّيَامِ ، قَالَ : فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا ، قُلْتُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، لَقَدْ بِتْنَا وَحْشَيْنِ مَا لَنَا طَعَامٌ ، قَالَ فَانْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ ، فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ ، وَكُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ بَقِيَّتَهَا ، قَالَ : فَرُحْتُ إِلَى قَوْمِي فَقُلْتُ : وَجَدْتُ عِنْدَكُمُ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأْيِ ، وَوَجَدْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّعَةَ وَحُسْنَ الرَّأْيِ ، وَقَدْ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ )
وَفِي " جَامِعِ
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي " عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003428أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي ظَاهَرْتُ مِنِ امْرَأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ ، قَالَ : ( وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، قَالَ رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ ، قَالَ فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ ) قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ .
[ ص: 295 ] وَفِيهِ أَيْضًا : عَنْ
سلمة بن صخر ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
nindex.php?page=treesubj&link=12116الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ ، فَقَالَ : ( كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ) وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ انْتَهَى ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=16049سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَسَلَمَةَ
بن صخر .
وَفِي مُسْنَدِ
nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار ، عَنْ
إسماعيل بن مسلم ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16666عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُوسٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003429أَتَى رَجُلٌ إِلَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : إِنِّي ظَاهَرْتُ مِنِ امْرَأَتِي ، ثُمَّ وَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ ( nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا )؟ فَقَالَ : أَعْجَبَتْنِي ، فَقَالَ : أَمْسِكْ عَنْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار : لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِإِسْنَادٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا ، عَلَى أَنَّ
إسماعيل بن مسلم قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .
فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ أُمُورًا .
أَحَدُهَا : إِبْطَالُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَفِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ كَوْنِ الظِّهَارِ طَلَاقًا ، وَلَوْ صَرَّحَ بِنِيَّتِهِ لَهُ ، فَقَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ ، لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا ، وَكَانَ ظِهَارًا ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ ، إِلَّا مَا عَسَاهُ مِنْ خِلَافٍ شَاذٍّ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11715_23271ظَاهَرَ يُرِيدُ طَلَاقًا كَانَ ظِهَارًا ، أَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11716_11730طَلَّقَ يُرِيدُ ظِهَارًا كَانَ طَلَاقًا ، هَذَا لَفْظُهُ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى مَذْهَبِهِ خِلَافُ هَذَا ، وَنَصَّ
أحمد : عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ ، أَنَّهُ ظِهَارٌ وَلَا تَطْلُقُ بِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُسِخَ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَادَ إِلَى الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ .
وَأَيْضًا
فأوس بن الصامت إِنَّمَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الظِّهَارِ دُونَ الطَّلَاقِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي حُكْمِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ كِنَايَةً فِي الْحُكْمِ الَّذِي
[ ص: 296 ] أَبْطَلَهُ عَزَّ وَجَلَّ بِشَرْعِهِ ، وَقَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَحُكْمُ اللَّهِ أَوْجَبُ .
وَمِنْهَا أَنَّ الظِّهَارَ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ ، وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ جِهَةِ كَوْنِهِ مُنْكَرًا ، وَجِهَةِ كَوْنِهِ زُورًا ، أَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَتَضَمَّنُ إِخْبَارَهُ عَنْهَا بِذَلِكَ وَإِنْشَاءَهُ تَحْرِيمَهَا ، فَهُوَ يَتَضَمَّنُ إِخْبَارًا وَإِنْشَاءً ، فَهُوَ خَبَرٌ زُورٌ ، وَإِنْشَاءٌ مُنْكَرٌ ، فَإِنَّ الزُّورَ هُوَ الْبَاطِلُ خِلَافُ الْحَقِّ الثَّابِتِ ، وَالْمُنْكَرَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ ، وَخَتَمَ سُبْحَانَهُ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=2وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِقِيَامِ سَبَبِ الْإِثْمِ الَّذِي لَوْلَا عَفْوُ اللَّهِ وَمَغْفِرَتُهُ لَآخَذَ بِهِ .
وَمِنْهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=12158الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ بِنَفْسِ الظِّهَارِ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالْعَوْدِ ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُوسٍ قَالَ : إِذَا تَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ فَقَدْ لَزِمَهُ ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ ، وَرَوَى
معمر ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُوسٍ ، عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ) قَالَ : جَعَلَهَا عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَطَؤُهَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ .
وَحَكَى النَّاسُ عَنْ
مجاهد : أَنَّهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِنَفْسِ الظِّهَارِ ، وَحَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16542وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ أَنَّ الْعَوْدَ شَرْطٌ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَلَكِنِ الْعَوْدُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْعَوْدُ إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ التَّظَاهُرِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ) [ الْمَائِدَةِ : 95 ] أَيْ عَادَ إِلَى الِاصْطِيَادِ بَعْدَ نُزُولِ تَحْرِيمِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ) [الْمَائِدَةِ : 95] قَالُوا : وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ فِي مُقَابَلَةِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ مِنَ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ ، وَهُوَ الظِّهَارُ دُونَ الْوَطْءِ ، أَوِ الْعَزْمِ عَلَيْهِ ، قَالُوا : وَلِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا حَرَّمَ الظِّهَارَ وَنَهَى عَنْهُ كَانَ الْعَوْدُ هُوَ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ) [ الْإِسْرَاءِ : 8 ] أَيْ إِنْ عُدْتُمْ إِلَى الذَّنْبِ عُدْنَا إِلَى الْعُقُوبَةِ ؟ فَالْعَوْدُ هُنَا نَفْسُ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ .
قَالُوا : وَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30578_23271الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَنُقِلَ حُكْمُهُ مِنَ الطَّلَاقِ
[ ص: 297 ] إِلَى الظِّهَارِ ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرَ ، وَتَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ حَتَّى يُكَفِّرَ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مُعْتَبَرًا بِلَفْظِهِ كَالطَّلَاقِ .
وَنَازَعَهُمُ الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ ، وَقَالُوا : إِنَّ الْعَوْدَ أَمْرٌ وَرَاءَ مُجَرَّدِ لَفْظِ الظِّهَارِ ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْعَوْدِ إِلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ ؛ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ بَيَانٌ لِحُكْمِ مَنْ يُظَاهِرُ فِي الْإِسْلَامِ ، وَلِهَذَا أَتَى فِيهَا بِلَفْظِ الْفِعْلِ مُسْتَقْبَلًا ، فَقَالَ : يُظَاهِرُونَ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا بَيَانًا لِحُكْمِ ظِهَارِ الْإِسْلَامِ ، فَهُوَ عِنْدَكُمْ نَفْسُ الْعَوْدِ ، فَكَيْفَ يَقُولُ بَعْدَهُ : ثُمَّ يَعُودُونَ ، وَأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْعَوْدِ غَيْرُ الظِّهَارِ عِنْدَكُمْ ؟
الثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَوْدُ مَا ذَكَرْتُمْ ، وَكَانَ الْمُضَارِعُ بِمَعْنَى الْمَاضِي ، كَانَ تَقْدِيرُهُ : وَالَّذِينَ ظَاهَرُوا مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ عَادُوا فِي الْإِسْلَامِ ، وَلَمَا وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ إِلَّا عَلَى مَنْ تَظَاهَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، ثُمَّ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَمِنْ أَيْنَ تُوجِبُونَهَا عَلَى مَنِ ابْتَدَأَ الظِّهَارَ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ عَائِدٍ ؟ فَإِنَّ هُنَا أَمْرَيْنِ : ظِهَارٌ سَابِقٌ ، وَعَوْدٌ إِلَيْهِ ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ حُكْمَ الظِّهَارِ الْآنَ بِالْكُلِّيَّةِ ، إِلَّا أَنْ تَجْعَلُوا " يُظَاهِرُونَ " لِفُرْقَةٍ ، وَيَعُودُونَ لِفُرْقَةٍ ، وَلَفْظُ الْمُضَارِعِ نَائِبًا عَنْ لَفْظِ الْمَاضِي ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلنَّظْمِ ، وَمُخْرِجٌ عَنِ الْفَصَاحَةِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ
أوس بن الصامت ،
وسلمة بن صخر بِالْكَفَّارَةِ ، وَلَمْ يَسْأَلْهُمَا : هَلْ تَظَاهَرَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ : وَلَمْ يَسْأَلْهُمَا عَنِ الْعَوْدِ الَّذِي تَجْعَلُونَهُ شَرْطًا ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَسَأَلَهُمَا عَنْهُ .
قِيلَ : أَمَّا مَنْ يَجْعَلُ الْعَوْدَ نَفْسَ الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الظِّهَارِ زَمَنًا ، يُمْكِنُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِ ، فَهَذَا جَارٍ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ نَفْسُ حُجَّتِهِ ، وَمَنْ جَعَلَ الْعَوْدَ هُوَ الْوَطْءُ وَالْعَزْمُ ، قَالَ : سِيَاقُ الْقِصَّةِ بَيِّنٌ فِي أَنَّ الْمُتَظَاهِرِينَ كَانَ قَصْدُهُمُ الْوَطْءَ ، وَإِنَّمَا أَمْسَكُوا لَهُ ، وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَأَمَّا كَوْنُ الظِّهَارِ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا فَنَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ
[ ص: 298 ] اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي هَذَا الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ بِأَمْرَيْنِ : بِهِ ، وَبِالْعَوْدِ ، كَمَا أَنَّ حُكْمَ الْإِيلَاءِ إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْوَطْءِ لَا عَلَى أَحَدِهِمَا .