ومما يدل على أن تحريم امرأة أبيه وابنه من الرضاعة ليس مسألة إجماع ، أنه قد ثبت عن جماعة من السلف جواز ، كما صح عن نكاح بنت امرأته إذا لم تكن في حجره قال : كانت عندي امرأة وقد ولدت لي فتوفيت فوجدت عليها ، فلقيت مالك بن أوس بن الحدثان النصري - رضي الله عنه - قال لي : ما لك ؟ قلت : توفيت المرأة ، قال : لها ابنة ؟ قلت : نعم ، قال : كانت في حجرك ؟ قلت : لا ، هي في الطائف . قال : فانكحها ، قلت : فأين قوله تعالى : ( علي بن أبي طالب وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم ) ؟ [ النساء : 23 ] . قال : إنها لم تكن في حجرك ، وإنما ذلك إذا كانت في حجرك .
[ ص: 501 ] وصح عن أن رجلا من إبراهيم بن ميسرة بني سواءة يقال له : عبيد الله بن معبد ، أثنى عليه خيرا ، أخبره أن أباه أو جده كان قد نكح امرأة ذات ولد من غيره ، ثم اصطحبا ما شاء الله ، ثم نكح امرأة شابة ، فقال أحد بني الأولى : قد نكحت على أمنا وكبرت واستغنيت عنها بامرأة شابة ، فطلقها ، قال : لا والله إلا أن تنكحني ابنتك ، قال : فطلقها وأنكحه ابنته ، ولم تكن في حجره هي ولا أبوها . قال فجئت سفيان بن عبد الله ، فقلت : استفت لي - رضي الله عنه - قال : لتحجن معي ، فأدخلني على عمر بن الخطاب عمر - رضي الله عنه - بمنى ، فقصصت عليه الخبر ، فقال عمر : لا بأس بذلك فاذهب فسل فلانا ثم تعال فأخبرني . قال : ولا أراه إلا عليا ، قال : فسألته ، فقال : لا بأس بذلك ، وهذا مذهب أهل الظاهر . فإذا كان عمر وعلي - رضي الله عنهما - ومن يقول بقولهما قد أباحا إذا لم تكن في حجر الزوج ، مع أنها ابنة امرأته من النسب ، فكيف يحرمان عليه ابنتها من الرضاع ، وهذه ثلاثة قيود ذكرها الله سبحانه وتعالى في تحريمها ، أن تكون في حجره ، وأن تكون من امرأته ، وأن يكون قد دخل بأمها . فكيف يحرم عليه مجرد ابنتها من الرضاعة ، وليست في حجره ، ولا هي ربيبته لغة ، فإن الربيبة بنت الزوجة ، والربيب ابنها باتفاق الناس ، وسميا ربيبا وربيبة لأن زوج أمهما يربهما في العادة ، وأما من الربيبة ، ولم يربها قط ، ولا كانت في حجره ، فدخولها في هذا النص في غاية البعد لفظا ومعنى ، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريم الربيبة بكونها في الحجر . ففي " صحيح أرضعتهما امرأته بغير لبنه " من حديث البخاري عن الزهري عروة أن أخبرته أن ( زينب بنت أم سلمة قالت : يا رسول الله ، أخبرت أنك تخطب بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان أبي سلمة ، فقال : بنت ؟ قالت : نعم ، فقال : إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري لما حلت لي أم سلمة ) . وهذا يدل على [ ص: 502 ] اعتباره - صلى الله عليه وسلم - القيد الذي قيده الله في التحريم وهو أن تكون في حجر الزوج .
ونظير هذا سواء ، أن يقال في زوجة ابن الصلب إذا كانت محرمة برضاع : لو لم تكن حليلة ابني الذي لصلبي ، لما حلت لي سواء ، ولا فرق بينهما ، وبالله التوفيق .