فصل
الحكم الرابع أن لأنهما ليسا بزوجين . قال الإحداد لا يجب على الأمة ولا أم الولد إذا مات سيدهما ابن المنذر : لا أعلمهم يختلفون في ذلك .
فإن قيل : فهل لهما أن تحدا ثلاثة أيام ؟ قيل : نعم لهما ذلك ، فإن النص إنما حرم الإحداد فوق الثلاث على غير الزوج وأوجبه أربعة أشهر وعشرا على الزوج ، فدخلت الأمة وأم الولد فيمن يحل لهن الإحداد لا فيمن يحرم عليهن ، ولا فيمن يجب .
فإن قيل : ؟ فهل يجب على المعتدة من طلاق ، أو وطء شبهة ، أو زنى ، أو استبراء إحداد
قلنا : هذا هو الحكم الخامس الذي دلت عليه السنة أنه لا إحداد على واحدة من هؤلاء ؛ لأن السنة أثبتت ونفت فخصت بالإحداد الواجب الزوجات وبالجائز غيرهن على الأموات خاصة ، وما عداهما فهو داخل في حكم التحريم على الأموات فمن أين لكم دخوله في الإحداد على المطلقة البائن ؟ ، وقد قال ، سعيد بن المسيب وأبو عبيد ، ، وأبو ثور ، وأصحابه ، وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه ، اختارها والإمام أحمد الخرقي : إن البائن يجب عليها الإحداد ، وهو [ ص: 622 ] محض القياس ؛ لأنها معتدة بائن من نكاح ، فلزمها الإحداد كالمتوفى عنها لأنهما اشتركا في العدة ، واختلفا في سببها ، ولأن العدة تحرم النكاح فحرمت دواعيه .
قالوا : ولا ريب أن الإحداد معقول المعنى ، وهو أن إظهار الزينة والطيب والحلي مما يدعو المرأة إلى الرجال ويدعو الرجال إليها : فلا يؤمن أن تكذب في انقضاء عدتها استعجالا لذلك ، فمنعت من دواعي ذلك وسدت إليه الذريعة ، هذا مع أن الكذب في عدة الوفاة يتعذر غالبا بظهور موت الزوج وكون العدة أياما معدودة بخلاف عدة الطلاق فإنها بالأقراء ، وهي لا تعلم إلا من جهتها فكان الاحتياط لها أولى .
قيل : قد أنكر الله سبحانه وتعالى على من حرم زينته التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ، وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يحرم من الزينة إلا ما حرمه الله ورسوله ، والله سبحانه قد حرم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم زينة الإحداد على المتوفى عنها مدة العدة ، وأباح رسوله الإحداد بتركها على غير الزوج ، فلا يجوز تحريم غير ما حرمه ، بل هو على أصل الإباحة ، وليس الإحداد من لوازم العدة ولا توابعها .
ولهذا لا يجب على الموطوءة بشبهة ، ولا المزني بها ، ولا المستبرأة ، ولا الرجعية اتفاقا ، وهذا القياس أولى من قياسها على المتوفى عنها لما بين العدتين من القروء قدرا أو سببا وحكما ، فإلحاق عدة الأقراء بالأقراء أولى من إلحاق عدة الأقراء بعدة الوفاة ، وليس المقصود من الإحداد على الزوج الميت مجرد ما ذكرتم من طلب الاستعجال ، فإن العدة فيه لم تكن لمجرد العلم ببراءة الرحم ، ولهذا تجب قبل الدخول ، وإنما هو من تعظيم هذا العقد وإظهار خطره وشرفه وأنه عند الله بمكان ، فجعلت العدة حريما له ، وجعل الإحداد من تمام هذا المقصود وتأكده ومزيد الاعتناء به حتى جعلت الزوجة أولى بفعله على زوجها من أبيها وابنها وأخيها وسائر أقاربها .
وهذا من تعظيم هذا العقد وتشريفه وتأكد الفرق بينه وبين السفاح من جميع أحكامه ، ولهذا شرع في ابتدائه إعلانه والإشهاد عليه والضرب بالدف لتحقق المضادة بينه وبين السفاح ، وشرع في [ ص: 623 ] آخره وانتهائه من العدة والإحداد ما لم يشرع في غيره .