فصل
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=30961_30968_23665سيرته في أوليائه وحزبه ، فأمره أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، وألا تعدو عيناه عنهم ، وأمره أن يعفو عنهم ، ويستغفر لهم ، ويشاورهم في الأمر ، وأن يصلي عليهم .
وأمره بهجر من عصاه وتخلف عنه حتى يتوب ، ويراجع طاعته ، كما هجر الثلاثة الذين خلفوا .
وأمره أن يقيم الحدود على من أتى موجباتها منهم ، وأن يكونوا عنده في ذلك سواء شريفهم ودنيئهم .
وأمره في دفع عدوه من شياطين الإنس ، بأن يدفع بالتي هي أحسن ، فيقابل إساءة من أساء إليه بالإحسان ، وجهله بالحلم ، وظلمه بالعفو ، وقطيعته بالصلة ، وأخبره أنه إن فعل ذلك عاد عدوه كأنه ولي حميم .
وأمره في دفعه عدوه من شياطين الجن بالاستعاذة بالله منهم ، وجمع له هذين الأمرين في ثلاثة مواضع من القرآن : في ( سورة الأعراف ) و( المؤمنون )
[ ص: 146 ] و ( سورة حم فصلت ) فقال في سورة الأعراف (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=200وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 199 - 200 ] فأمره باتقاء شر الجاهلين بالإعراض عنهم ، وباتقاء شر الشيطان بالاستعاذة منه ، وجمع له في هذه الآية مكارم الأخلاق والشيم كلها ، فإن ولي الأمر له مع الرعية ثلاثة أحوال : فإنه لا بد له من حق عليهم يلزمهم القيام به ، وأمر يأمرهم به ، ولا بد من تفريط وعدوان يقع منهم في حقه ، فأمر بأن يأخذ من الحق الذي عليهم ما طوعت به أنفسهم ، وسمحت به ، وسهل عليهم ، ولم يشق ، وهو العفو الذي لا يلحقهم ببذله ضرر ولا مشقة ، وأمر أن يأمرهم بالعرف ، وهو المعروف الذي تعرفه العقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، وتقر بحسنه ونفعه ، وإذا أمر به يأمر بالمعروف أيضا لا بالعنف والغلظة . وأمره أن يقابل جهل الجاهلين منهم بالإعراض عنه دون أن يقابله بمثله ، فبذلك يكتفي شرهم .
وقال تعالى في سورة المؤمنون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=93قل رب إما تريني ما يوعدون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=94رب فلا تجعلني في القوم الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=95وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=96ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=97وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=98وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 93 - 98 ] .
وقال تعالى في سورة حم فصلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=35وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=36وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36] فهذه سيرته مع أهل الأرض إنسهم ، وجنهم ، مؤمنهم ، وكافرهم .
فَصْلٌ
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30961_30968_23665سِيرَتُهُ فِي أَوْلِيَائِهِ وَحِزْبِهِ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَصْبِرَ نَفْسَهُ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ، وَأَلَّا تَعْدُوَ عَيْنَاهُ عَنْهُمْ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ، وَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ، وَيُشَاوِرَهُمْ فِي الْأَمْرِ ، وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ .
وَأَمَرَهُ بِهَجْرِ مَنْ عَصَاهُ وَتَخَلَّفَ عَنْهُ حَتَّى يَتُوبَ ، وَيُرَاجِعَ طَاعَتَهُ ، كَمَا هَجَرَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا .
وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ عَلَى مَنْ أَتَى مُوجِبَاتِهَا مِنْهُمْ ، وَأَنْ يَكُونُوا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءً شَرِيفُهُمْ وَدَنِيئُهُمْ .
وَأَمَرَهُ فِي دَفْعِ عَدُوِّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ ، بِأَنْ يَدْفَعَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فَيُقَابِلَ إِسَاءَةَ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ بِالْإِحْسَانِ ، وَجَهْلَهُ بِالْحِلْمِ ، وَظُلْمَهُ بِالْعَفْوِ ، وَقَطِيعَتَهُ بِالصِّلَةِ ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَادَ عَدُوُّهُ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ .
وَأَمَرَهُ فِي دَفْعِهِ عَدُوَّهُ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ مِنْهُمْ ، وَجَمَعَ لَهُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ : فِي ( سُورَةِ الْأَعْرَافِ ) وَ( الْمُؤْمِنُونَ )
[ ص: 146 ] وَ ( سُورَةِ حم فُصِّلَتْ ) فَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=200وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [ الْأَعْرَافِ : 199 - 200 ] فَأَمَرَهُ بِاتِّقَاءِ شَرِّ الْجَاهِلِينَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ ، وَبِاتِّقَاءِ شَرِّ الشَّيْطَانِ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ ، وَجَمَعَ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَالشِّيَمَ كُلَّهَا ، فَإِنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ لَهُ مَعَ الرَّعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِمْ يَلْزَمُهُمُ الْقِيَامُ بِهِ ، وَأَمْرٍ يَأْمُرُهُمْ بِهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْرِيطٍ وَعُدْوَانٍ يَقَعُ مِنْهُمْ فِي حَقِّهِ ، فَأُمِرَ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِمْ مَا طَوَّعَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ ، وَسَمَحَتْ بِهِ ، وَسَهُلَ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَشُقَّ ، وَهُوَ الْعَفْوُ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُمْ بِبَذْلِهِ ضَرَرٌ وَلَا مَشَقَّةٌ ، وَأُمِرَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْعُرْفِ ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ ، وَالْفِطَرُ الْمُسْتَقِيمَةُ ، وَتُقِرُّ بِحُسْنِهِ وَنَفْعِهِ ، وَإِذَا أَمَرَ بِهِ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَيْضًا لَا بِالْعُنْفِ وَالْغِلْظَةِ . وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَابِلَ جَهْلَ الْجَاهِلِينَ مِنْهُمْ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ دُونَ أَنْ يُقَابِلَهُ بِمِثْلِهِ ، فَبِذَلِكَ يَكْتَفِي شَرَّهُمْ .
وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=93قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=94رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=95وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=96ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=97وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=98وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 93 - 98 ] .
وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ حم فُصِّلَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=35وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=36وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [ فُصِّلَتْ : 34 - 36] فَهَذِهِ سِيرَتُهُ مَعَ أَهْلِ الْأَرْضِ إِنْسِهِمْ ، وَجِنِّهِمْ ، مُؤْمِنِهِمْ ، وَكَافِرِهِمْ .