[ ص: 60 ] قيل : قد ذهب بعض العلماء إلى
nindex.php?page=treesubj&link=26391تفضيل يوم الجمعة على يوم عرفة محتجا بهذا الحديث ، وحكى القاضي
أبو يعلى رواية عن
أحمد أن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر ، والصواب أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام ، وكذلك ليلة القدر ، وليلة الجمعة ، ولهذا كان لوقفة الجمعة يوم عرفة مزية على سائر الأيام من وجوه متعددة .
أحدها : اجتماع اليومين اللذين هما أفضل الأيام .
الثاني : أنه اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة ، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر ، وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع .
الثالث : موافقته ليوم وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الرابع : أن فيه اجتماع الخلائق من أقطار الأرض للخطبة وصلاة الجمعة ، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة يوم عرفة
بعرفة ، فيحصل من اجتماع المسلمين في
[ ص: 61 ] مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه .
الخامس : أن يوم الجمعة يوم عيد ، ويوم
عرفة يوم عيد لأهل
عرفة ؛ ولذلك كره لمن بعرفة صومه ، وفي
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000026نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة ) ، وفي إسناده نظر ، فإن
مهدي بن حرب العبدي ليس بمعروف ، ومداره عليه ، ولكن ثبت في الصحيح من حديث
أم الفضل "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000027أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : هو صائم ، وقال بعضهم : ليس بصائم ، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه .
وقد اختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=3511حكمة استحباب فطر يوم عرفة بعرفة ، فقالت طائفة : ليتقوى على الدعاء ، وهذا هو قول
الخرقي وغيره ، وقال غيرهم - منهم شيخ الإسلام
ابن تيمية - : الحكمة فيه أنه عيد لأهل عرفة ، فلا يستحب صومه لهم ، قال : والدليل عليه الحديث الذي في " السنن " عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000028يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام منى ، عيدنا أهل الإسلام ) .
[ ص: 62 ] قال شيخنا : وإنما يكون يوم
عرفة عيدا في حق أهل عرفة لاجتماعهم فيه ، بخلاف أهل الأمصار فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر ، فكان هو العيد في حقهم ، والمقصود أنه إذا اتفق يوم عرفة ويوم جمعة ، فقد اتفق عيدان معا .
السادس : أنه موافق ليوم إكمال الله تعالى دينه لعباده المؤمنين ، وإتمام نعمته عليهم ، كما ثبت في " صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000029جاء يهودي إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين آية تقرءونها في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت ونعلم ذلك اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيدا ، قال : أي آية ؟ قال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) [ المائدة : 3 ] فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه ، والمكان الذي نزلت فيه ، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة يوم جمعة ، ونحن واقفون معه بعرفة ) .
السابع : أنه موافق ليوم الجمع الأكبر ، والموقف الأعظم يوم القيامة ، فإن القيامة تقوم يوم الجمعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000030خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، وفيه تقوم الساعة ، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه ) ولهذا شرع الله
[ ص: 63 ] سبحانه وتعالى لعباده يوما يجتمعون فيه ، فيذكرون المبدأ والمعاد ، والجنة والنار ، وادخر الله تعالى لهذه الأمة يوم الجمعة ، إذ فيه كان المبدأ وفيه المعاد ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره سورتي ( السجدة ) و( هل أتى على الإنسان ) لاشتمالهما على ما كان وما يكون في هذا اليوم ، من خلق
آدم ، وذكر المبدأ والمعاد ، ودخول الجنة والنار ، فكان يذكر الأمة في هذا اليوم بما كان فيه وما يكون ، فهكذا يتذكر الإنسان بأعظم مواقف الدنيا - وهو يوم
عرفة - الموقف الأعظم بين يدي الرب سبحانه في هذا اليوم بعينه ، ولا يتنصف حتى يستقر أهل الجنة في منازلهم ، وأهل النار في منازلهم .
الثامن : أن الطاعة الواقعة من المسلمين يوم الجمعة وليلة الجمعة ، أكثر منها في سائر الأيام حتى إن أكثر أهل الفجور يحترمون يوم الجمعة وليلته ، ويرون أن من تجرأ فيه على معاصي الله عز وجل عجل الله عقوبته ولم يمهله ، وهذا أمر قد استقر عندهم وعلموه بالتجارب ، وذلك لعظم اليوم وشرفه عند الله ، واختيار الله سبحانه له من بين سائر الأيام ، ولا ريب أن للوقفة فيه مزية على غيره .
التاسع : أنه موافق ليوم المزيد في الجنة ، وهو اليوم الذي يجمع فيه أهل الجنة في واد أفيح ، وينصب لهم منابر من لؤلؤ ، ومنابر من ذهب ، ومنابر من زبرجد وياقوت على كثبان المسك ، فينظرون إلى ربهم تبارك وتعالى ، ويتجلى لهم فيرونه عيانا ، ويكون أسرعهم موافاة أعجلهم رواحا
[ ص: 64 ] إلى المسجد ، وأقربهم منه أقربهم من الإمام ، فأهل الجنة مشتاقون إلى يوم المزيد فيها لما ينالون فيه من الكرامة ، وهو يوم جمعة ، فإذا وافق يوم عرفة كان له زيادة مزية واختصاص وفضل ليس لغيره .
العاشر : أنه يدنو الرب تبارك وتعالى عشية يوم عرفة من أهل الموقف ، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000031ما أراد هؤلاء ، أشهدكم أني قد غفرت لهم ) وتحصل مع دنوه منهم تبارك وتعالى ساعة الإجابة التي لا يرد فيها سائلا يسأل خيرا فيقربون منه بدعائه والتضرع إليه في تلك الساعة ، ويقرب منهم تعالى نوعين من القرب ، أحدهما : قرب الإجابة المحققة في تلك الساعة ، والثاني : قربه الخاص من أهل
عرفة ، ومباهاته بهم ملائكته ، فتستشعر قلوب أهل الإيمان هذه الأمور فتزداد قوة إلى قوتها ، وفرحا وسرورا وابتهاجا ، ورجاء لفضل ربها وكرمه ، فبهذه الوجوه وغيرها فضلت وقفة يوم الجمعة على غيرها .
[ ص: 65 ] وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة ، فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ، والله أعلم .
[ ص: 60 ] قِيلَ : قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=26391تَفْضِيلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى يَوْمِ عَرَفَةَ مُحْتَجًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَحَكَى الْقَاضِي
أبو يعلى رِوَايَةً عَنْ
أحمد أَنَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَالصَّوَابُ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ ، وَكَذَلِكَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، وَلَيْلَةُ الْجُمُعَةِ ، وَلِهَذَا كَانَ لِوَقْفَةِ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ مَزِيَّةٌ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ .
أَحَدُهَا : اجْتِمَاعُ الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَيَّامِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي فِيهِ سَاعَةٌ مُحَقَّقَةُ الْإِجَابَةِ ، وَأَكْثَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ، وَأَهْلُ الْمَوْقِفِ كُلُّهُمْ إِذْ ذَاكَ وَاقِفُونَ لِلدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ .
الثَّالِثُ : مُوَافَقَتُهُ لِيَوْمِ وَقْفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الرَّابِعُ : أَنَّ فِيهِ اجْتِمَاعَ الْخَلَائِقِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِلْخُطْبَةِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ اجْتِمَاعَ أَهْلِ عَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ
بِعَرَفَةَ ، فَيَحْصُلُ مِنَ اجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فِي
[ ص: 61 ] مَسَاجِدِهِمْ وَمَوْقِفِهِمْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ مَا لَا يَحْصُلُ فِي يَوْمٍ سِوَاهُ .
الْخَامِسُ : أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ ، وَيَوْمَ
عَرَفَةَ يَوْمُ عِيدٍ لِأَهْلِ
عَرَفَةَ ؛ وَلِذَلِكَ كُرِهَ لِمَنْ بِعَرَفَةَ صَوْمُهُ ، وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000026نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ ) ، وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ
مهدي بن حرب العبدي لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ ، وَمَدَارُهُ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ
أم الفضل "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000027أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ صَائِمٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَيْسَ بِصَائِمٍ ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَهُ .
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=3511حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ فِطْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ
الخرقي وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ - مِنْهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
ابن تيمية - : الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ عِيدٌ لِأَهْلِ عَرَفَةَ ، فَلَا يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ لَهُمْ ، قَالَ : وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي " السُّنَنِ " عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000028يَوْمُ عَرَفَةَ ، وَيَوْمُ النَّحْرِ ، وَأَيَّامُ مِنًى ، عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ ) .
[ ص: 62 ] قَالَ شَيْخُنَا : وَإِنَّمَا يَكُونُ يَوْمُ
عَرَفَةَ عِيدًا فِي حَقِّ أَهْلِ عَرَفَةَ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَجْتَمِعُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ، فَكَانَ هُوَ الْعِيدَ فِي حَقِّهِمْ ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إِذَا اتَّفَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ جُمُعَةٍ ، فَقَدِ اتَّفَقَ عِيدَانِ مَعًا .
السَّادِسُ : أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِيَوْمِ إِكْمَالِ اللَّهِ تَعَالَى دِينَهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِتْمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ ، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ " عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16243طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000029جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ تَقْرَءُونَهَا فِي كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ وَنَعْلَمُ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ لَاتَّخَذْنَاهُ عِيدًا ، قَالَ : أَيُّ آيَةٍ ؟ قَالَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [ الْمَائِدَةِ : 3 ] فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، وَنَحْنُ وَاقِفُونَ مَعَهُ بِعَرَفَةَ ) .
السَّابِعُ : أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِيَوْمِ الْجَمْعِ الْأَكْبَرِ ، وَالْمَوْقِفِ الْأَعْظَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَإِنَّ الْقِيَامَةَ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000030خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ) وَلِهَذَا شَرَعَ اللَّهُ
[ ص: 63 ] سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ يَوْمًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ ، فَيَذْكُرُونَ الْمَبْدَأَ وَالْمَعَادَ ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، وَادَّخَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، إِذْ فِيهِ كَانَ الْمَبْدَأُ وَفِيهِ الْمَعَادُ ، وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي فَجْرِهِ سُورَتَيِ ( السَّجْدَةِ ) وَ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ) لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ فِي هَذَا الْيَوْمِ ، مِنْ خَلْقِ
آدَمَ ، وَذِكْرِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ ، وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَكَانَ يُذَكِّرُ الْأُمَّةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِمَا كَانَ فِيهِ وَمَا يَكُونُ ، فَهَكَذَا يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ بِأَعْظَمِ مَوَاقِفِ الدُّنْيَا - وَهُوَ يَوْمُ
عَرَفَةَ - الْمَوْقِفَ الْأَعْظَمَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ ، وَلَا يَتَنَصَّفُ حَتَّى يَسْتَقِرَّ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي مَنَازِلِهِمْ ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي مَنَازِلِهِمْ .
الثَّامِنُ : أَنَّ الطَّاعَةَ الْوَاقِعَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، أَكْثَرُ مِنْهَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ حَتَّى إِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْفُجُورِ يَحْتَرِمُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهُ ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ تَجَرَّأَ فِيهِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَجَّلَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ وَلَمْ يُمْهِلْهُ ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدِ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُمْ وَعَلِمُوهُ بِالتَّجَارِبِ ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ الْيَوْمِ وَشَرَفِهِ عِنْدَ اللَّهِ ، وَاخْتِيَارِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَيَّامِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ لِلْوَقْفَةِ فِيهِ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ .
التَّاسِعُ : أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِيَوْمِ الْمَزِيدِ فِي الْجَنَّةِ ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي وَادٍ أَفْيَحَ ، وَيُنْصَبُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ فَيَرَوْنَهُ عِيَانًا ، وَيَكُونُ أَسْرَعُهُمْ مُوَافَاةً أَعْجَلَهُمْ رَوَاحًا
[ ص: 64 ] إِلَى الْمَسْجِدِ ، وَأَقْرَبُهُمْ مِنْهُ أَقْرَبَهُمْ مِنَ الْإِمَامِ ، فَأَهْلُ الْجَنَّةِ مُشْتَاقُونَ إِلَى يَوْمِ الْمَزِيدِ فِيهَا لِمَا يَنَالُونَ فِيهِ مِنَ الْكَرَامَةِ ، وَهُوَ يَوْمُ جُمُعَةٍ ، فَإِذَا وَافَقَ يَوْمَ عَرَفَةَ كَانَ لَهُ زِيَادَةُ مَزِيَّةٍ وَاخْتِصَاصٍ وَفَضْلٍ لَيْسَ لِغَيْرِهِ .
الْعَاشِرُ : أَنَّهُ يَدْنُو الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَشِيَّةَ يَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ ، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000031مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ) وَتَحْصُلُ مَعَ دُنُوِّهِ مِنْهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةُ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا يَرُدُّ فِيهَا سَائِلًا يَسْأَلُ خَيْرًا فَيَقْرُبُونَ مِنْهُ بِدُعَائِهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ، وَيَقْرُبُ مِنْهُمْ تَعَالَى نَوْعَيْنِ مِنَ الْقُرْبِ ، أَحَدُهُمَا : قُرْبُ الْإِجَابَةِ الْمُحَقَّقَةِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ، وَالثَّانِي : قُرْبُهُ الْخَاصُّ مِنْ أَهْلِ
عَرَفَةَ ، وَمُبَاهَاتُهُ بِهِمْ مَلَائِكَتَهُ ، فَتَسْتَشْعِرُ قُلُوبُ أَهْلِ الْإِيمَانِ هَذِهِ الْأُمُورَ فَتَزْدَادُ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِهَا ، وَفَرَحًا وَسُرُورًا وَابْتِهَاجًا ، وَرَجَاءً لِفَضْلِ رَبِّهَا وَكَرَمِهِ ، فَبِهَذِهِ الْوُجُوهِ وَغَيْرِهَا فُضِّلَتْ وَقْفَةُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِهَا .
[ ص: 65 ] وَأَمَّا مَا اسْتَفَاضَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامِّ بِأَنَّهَا تَعْدِلُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَجَّةً ، فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .