فصل
وفي هذه الغزاة (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002067nindex.php?page=treesubj&link=30839سم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أهدت له زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية قد سمتها ، وسألت : أي اللحم أحب إليه ؟ فقالوا : الذراع . فأكثرت من السم في الذراع ، فلما انتهش من ذراعها أخبره الذراع بأنه مسموم ، فلفظ الأكلة ثم قال : " اجمعوا لي من ها هنا من اليهود . فجمعوا له ، فقال لهم : إني سائلكم عن شيء ، فهل أنتم صادقي فيه ؟ قالوا : نعم يا أبا القاسم . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أبوكم ؟ قالوا : أبونا فلان . قال : كذبتم ، أبوكم فلان . قالوا : صدقت وبررت . قال : هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ " . قالوا : نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أهل النار ؟ فقالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اخسئوا فيها ، فوالله لا نخلفكم فيها أبدا . ثم قال : هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا : نعم . قال : أجعلتم في هذه الشاة سما ؟ قالوا : نعم . قال : فما حملكم على ذلك ؟ قالوا : [ ص: 298 ] أردنا إن كنت كاذبا نستريح منك ، وإن كنت نبيا لم يضرك ) .
(
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002068وجيء بالمرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : أردت قتلك . فقال : ما كان الله ليسلطك علي . قالوا : ألا نقتلها ؟ قال : لا . ولم يتعرض لها ولم يعاقبها ) ، واحتجم على الكاهل ، وأمر من أكل منها فاحتجم ، فمات بعضهم ، واختلف في قتل المرأة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : أسلمت فتركها ، ذكره
عبد الرزاق عن
معمر عنه ، ثم قال
معمر : والناس تقول : قتلها النبي صلى الله عليه وسلم .
قال
أبو داود : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17281وهب بن بقية ، قال : حدثنا
خالد ، عن
محمد بن عمرو ، عن
أبي سلمة ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002069أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية . وذكر القصة وقال : فمات nindex.php?page=showalam&ids=1054بشر بن البراء بن معرور فأرسل إلى اليهودية : ما حملك على الذي صنعت ؟ قال جابر : فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت )
قلت : كلاهما مرسل ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
محمد بن عمرو عن
أبي سلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة متصلا ، أنه قتلها لما مات
nindex.php?page=showalam&ids=1054بشر بن البراء .
وقد وفق بين الروايتين بأنه لم يقتلها أولا ، فلما مات
بشر قتلها .
وقد اختلف : هل أكل النبي صلى الله عليه وسلم منها أو لم يأكل ؟ وأكثر الروايات أنه أكل منها وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى قال في وجعه الذي مات فيه : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002070ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر ، فهذا أوان انقطاع الأبهر مني ) .
[ ص: 299 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة وغيره : وكان بين
قريش حين سمعوا بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
خيبر تراهن عظيم ، وتبايع ، فمنهم من يقول : يظهر
محمد وأصحابه ، ومنهم يقول : يظهر الحليفان ويهود
خيبر ، وكان
الحجاج بن علاط السلمي قد أسلم وشهد فتح
خيبر ، وكانت تحته
أم شيبة أخت بني عبد الدار بن قصي ، وكان
الحجاج مكثرا من المال ، كانت له معادن بأرض
بني سليم ، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على
خيبر قال
الحجاج بن علاط : إن لي ذهبا عند امرأتي ، وإن تعلم هي وأهلها بإسلامي فلا مال لي ، فأذن لي فلأسرع السير وأسبق الخبر ، ولأخبرن أخبارا إذا قدمت أدرأ بها عن مالي ونفسي . فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم
مكة قال لامرأته : أخفي علي واجمعي ما كان لي عندك من مال ؛ فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه ؛ فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم ، وإن محمدا قد أسر وتفرق عنه أصحابه ، وإن
اليهود قد أقسموا لتبعثن به إلى
مكة ثم لتقتلنه بقتلاهم
بالمدينة ، وفشا ذلك
بمكة ، واشتد على المسلمين وبلغ منهم ، وأظهر المشركون الفرح والسرور ، فبلغ
العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم زجلة الناس ، وجلبتهم ، وإظهارهم السرور ، فأراد أن يقوم ويخرج فانخزل ظهره ، فلم يقدر على القيام ، فدعا ابنا له يقال له : قثم ، وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل
العباس يرتجز ويرفع صوته لئلا يشمت به أعداء الله :
حبي قثم حبي قثم شبيه ذي الأنف الأشم نبي ربي ذي النعم
برغم أنف من رغم
[ ص: 300 ] وحشر إلى باب داره رجال كثيرون من المسلمين والمشركين ، منهم المظهر للفرح والسرور ، ومنهم الشامت المغري ، ومنهم من به مثل الموت من الحزن والبلاء ، فلما سمع المسلمون رجز
العباس وتجلده ، طابت نفوسهم ، وظن المشركون أنه قد أتاه ما لم يأتهم ، ثم أرسل
العباس غلاما له إلى
الحجاج وقال له : اخل به وقل له : ويلك ما جئت به وما تقول ؟ فالذي وعد الله خير مما جئت به . فلما كلمه الغلام قال له : اقرأ على
أبي الفضل السلام ، وقل له : فليخل بي في بعض بيوته حتى آتيه ؛ فإن الخبر على ما يسره . فلما بلغ العبد باب الدار قال : أبشر يا
أبا الفضل . فوثب
العباس فرحا كأنه لم يصبه بلاء قط حتى جاءه وقبل ما بين عينيه ، فأخبره بقول
الحجاج فأعتقه ، ثم قال : أخبرني . قال : يقول لك
الحجاج : اخل به في بعض بيوتك حتى يأتيك ظهرا . فلما جاءه
الحجاج وخلا به أخذ عليه لتكتمن خبري ، فوافقه
عباس على ذلك ، فقال له
الحجاج : جئت وقد افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم
خيبر وغنم أموالهم ، وجرت فيها سهام الله ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى
nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي لنفسه وأعرس بها ، ولكن جئت لمالي أردت أن أجمعه وأذهب به ، وإني استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول ، فأذن لي أن أقول ما شئت ، فأخف علي ثلاثا ثم اذكر ما شئت .
قال : فجمعت له امرأته متاعه ، ثم انشمر راجعا ، فلما كان بعد ثلاث أتى
العباس امرأة
الحجاج فقال : ما فعل زوجك ؟ قالت : ذهب ، وقالت : لا يحزنك الله يا أبا الفضل ، لقد شق علينا الذي بلغك . فقال : أجل ، لا يحزنني الله ، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحب ، فتح الله على رسوله
خيبر وجرت فيها سهام الله ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
صفية لنفسه ، فإن كان لك في زوجك حاجة فالحقي به . قالت : أظنك والله صادقا . قال : فإني والله صادق والأمر على ما أقول لك . قالت : فمن أخبرك بهذا ؟ قال : الذي أخبرك بما أخبرك . ثم ذهب حتى أتى مجالس
قريش ، فلما رأوه قالوا : هذا والله التجلد يا
أبا الفضل ، ولا يصيبك إلا خير . قال : أجل ، لم يصبني إلا خير ، والحمد لله أخبرني
الحجاج بكذا وكذا ، وقد سألني أن أكتم
[ ص: 301 ] عليه ثلاثا لحاجة ، فرد الله ما كان للمسلمين من كآبة وجزع على المشركين ، وخرج المسلمون من مواضعهم حتى دخلوا على
العباس ، فأخبرهم الخبر ، فأشرقت وجوه المسلمين .
فَصْلٌ
وَفِي هَذِهِ الْغَزَاةِ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002067nindex.php?page=treesubj&link=30839سُمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَهْدَتْ لَهُ زينب بنت الحارث الْيَهُودِيَّةُ امْرَأَةُ سلام بن مشكم شَاةً مَشْوِيَّةً قَدْ سَمَّتْهَا ، وَسَأَلَتْ : أَيُّ اللَّحْمِ أَحَبُّ إِلَيْهِ ؟ فَقَالُوا : الذِّرَاعُ . فَأَكْثَرَتْ مِنَ السُّمِّ فِي الذِّرَاعِ ، فَلَمَّا انْتَهَشَ مِنْ ذِرَاعِهَا أَخْبَرَهُ الذِّرَاعُ بِأَنَّهُ مَسْمُومٌ ، فَلَفَظَ الْأُكْلَةَ ثُمَّ قَالَ : " اجْمَعُوا لِي مَنْ هَا هُنَا مِنَ الْيَهُودِ . فَجُمِعُوا لَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ : إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ ، فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ فِيهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَبُوكُمْ ؟ قَالُوا : أَبُونَا فُلَانٌ . قَالَ : كَذَبْتُمْ ، أَبُوكُمْ فُلَانٌ . قَالُوا : صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ . قَالَ : هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ ؟ " . قَالُوا : نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَهْلُ النَّارِ ؟ فَقَالُوا : نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اخْسَئُوا فِيهَا ، فَوَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا . ثُمَّ قَالَ : هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : أَجَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالُوا : [ ص: 298 ] أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ ) .
(
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002068وَجِيءَ بِالْمَرْأَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : أَرَدْتُ قَتْلَكَ . فَقَالَ : مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَيَّ . قَالُوا : أَلَا نَقْتُلُهَا ؟ قَالَ : لَا . وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا وَلَمْ يُعَاقِبْهَا ) ، وَاحْتَجَمَ عَلَى الْكَاهِلِ ، وَأَمَرَ مَنْ أَكَلَ مِنْهَا فَاحْتَجَمَ ، فَمَاتَ بَعْضُهُمْ ، وَاخْتُلِفَ فِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ : أَسْلَمَتْ فَتَرَكَهَا ، ذَكَرَهُ
عبد الرزاق عَنْ
معمر عَنْهُ ، ثُمَّ قَالَ
معمر : وَالنَّاسُ تَقُولُ : قَتَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ
أبو داود : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17281وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
خالد ، عَنْ
محمد بن عمرو ، عَنْ
أبي سلمة ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002069أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً . وَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَقَالَ : فَمَاتَ nindex.php?page=showalam&ids=1054بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ : مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِي صَنَعْتِ ؟ قَالَ جابر : فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَتْ )
قُلْتُ : كِلَاهُمَا مُرْسَلٌ ، وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15744حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
محمد بن عمرو عَنْ
أبي سلمة عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ مُتَّصِلًا ، أَنَّهُ قَتَلَهَا لَمَّا مَاتَ
nindex.php?page=showalam&ids=1054بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ .
وَقَدْ وُفِّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهَا أَوَّلًا ، فَلَمَّا مَاتَ
بشر قَتَلَهَا .
وَقَدِ اخْتُلِفَ : هَلْ أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَأْكُلْ ؟ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا وَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002070مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأُكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مِنَ الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَرَ ، فَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ الْأَبْهَرِ مِنِّي ) .
[ ص: 299 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ : فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17177مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ : وَكَانَ بَيْنَ
قُرَيْشٍ حِينَ سَمِعُوا بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
خَيْبَرَ تَرَاهُنٌ عَظِيمٌ ، وَتَبَايُعٌ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : يَظْهَرُ
مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ ، وَمِنْهُمْ يَقُولُ : يَظْهَرُ الْحَلِيفَانِ وَيَهُودُ
خَيْبَرَ ، وَكَانَ
الحجاج بن علاط السلمي قَدْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ فَتْحَ
خَيْبَرَ ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ
أم شيبة أخت بني عبد الدار بن قصي ، وَكَانَ
الحجاج مُكْثِرًا مِنَ الْمَالِ ، كَانَتْ لَهُ مَعَادِنُ بِأَرْضِ
بَنِي سُلَيْمٍ ، فَلَمَّا ظَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
خَيْبَرَ قَالَ
الحجاج بن علاط : إِنَّ لِي ذَهَبًا عِنْدَ امْرَأَتِي ، وَإِنْ تَعْلَمْ هِيَ وَأَهْلُهَا بِإِسْلَامِي فَلَا مَالَ لِي ، فَأْذَنْ لِي فَلَأُسْرِعِ السَّيْرَ وَأَسْبِقِ الْخَبَرَ ، وَلَأُخْبِرَنَّ أَخْبَارًا إِذَا قَدِمْتُ أَدْرَأُ بِهَا عَنْ مَالِي وَنَفْسِي . فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا قَدِمَ
مَكَّةَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَخْفِي عَلَيَّ وَاجْمَعِي مَا كَانَ لِي عِنْدَكِ مِنْ مَالٍ ؛ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ؛ فَإِنَّهُمْ قَدِ اسْتُبِيحُوا وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أُسِرَ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ ، وَإِنَّ
الْيَهُودَ قَدْ أَقْسَمُوا لَتَبْعَثَنَّ بِهِ إِلَى
مَكَّةَ ثُمَّ لَتَقْتُلَنَّهُ بِقَتْلَاهُمْ
بِالْمَدِينَةِ ، وَفَشَا ذَلِكَ
بِمَكَّةَ ، وَاشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَلَغَ مِنْهُمْ ، وَأَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ ، فَبَلَغَ
العباس عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَلَةُ النَّاسِ ، وَجَلَبَتُهُمْ ، وَإِظْهَارُهُمُ السُّرُورَ ، فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ وَيَخْرُجَ فَانْخَزَلَ ظَهْرُهُ ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ ، فَدَعَا ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ : قُثَمُ ، وَكَانَ يُشْبِهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَعَلَ
العباس يَرْتَجِزُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ لِئَلَّا يَشْمَتَ بِهِ أَعْدَاءُ اللَّهِ :
حِبِّي قُثَمْ حِبِّي قُثَم شَبِيهُ ذِي الْأَنْفِ الْأَشَمْ نَبِيُّ رَبِّي ذِي النِّعَمْ
بِرَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغَمْ
[ ص: 300 ] وَحُشِرَ إِلَى بَابِ دَارِهِ رِجَالٌ كَثِيرُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ ، مِنْهُمُ الْمُظْهِرُ لِلْفَرَحِ وَالسُّرُورِ ، وَمِنْهُمُ الشَّامِتُ الْمُغْرِي ، وَمِنْهُمْ مَنْ بِهِ مِثْلُ الْمَوْتِ مِنَ الْحُزْنِ وَالْبَلَاءِ ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ رَجَزَ
العباس وَتَجَلُّدَهُ ، طَابَتْ نَفُوسُهُمْ ، وَظَنَّ الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُ قَدْ أَتَاهُ مَا لَمْ يَأْتِهِمْ ، ثُمَّ أَرْسَلَ
العباس غُلَامًا لَهُ إِلَى
الحجاج وَقَالَ لَهُ : اخْلُ بِهِ وَقُلْ لَهُ : وَيْلَكَ مَا جِئْتَ بِهِ وَمَا تَقُولُ ؟ فَالَّذِي وَعَدَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتَ بِهِ . فَلَمَّا كَلَّمَهُ الْغُلَامُ قَالَ لَهُ : اقْرَأْ عَلَى
أبي الفضل السلام ، وَقُلْ لَهُ : فَلْيَخْلُ بِي فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ حَتَّى آتِيَهُ ؛ فَإِنَّ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَسُرُّهُ . فَلَمَّا بَلَغَ الْعَبْدُ بَابَ الدَّارِ قَالَ : أَبْشِرْ يَا
أبا الفضل . فَوَثَبَ
العباس فَرَحًا كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ بَلَاءٌ قَطُّ حَتَّى جَاءَهُ وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ
الحجاج فَأَعْتَقَهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَخْبِرْنِي . قَالَ : يَقُولُ لَكَ
الحجاج : اخْلُ بِهِ فِي بَعْضِ بُيُوتِكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ ظُهْرًا . فَلَمَّا جَاءَهُ
الحجاج وَخَلَا بِهِ أَخَذَ عَلَيْهِ لَتَكْتُمَنَّ خَبَرِي ، فَوَافَقَهُ
عباس عَلَى ذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ
الحجاج : جِئْتُ وَقَدِ افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَيْبَرَ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ ، وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللَّهِ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اصْطَفَى
nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي لِنَفْسِهِ وَأَعْرَسَ بِهَا ، وَلَكِنْ جِئْتُ لِمَالِي أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَهُ وَأَذْهَبَ بِهِ ، وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُولَ ، فَأَذِنَ لِي أَنْ أَقُولَ مَا شِئْتُ ، فَأَخْفِ عَلَيَّ ثَلَاثًا ثُمَّ اذْكُرْ مَا شِئْتَ .
قَالَ : فَجَمَعَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ مَتَاعَهُ ، ثُمَّ انْشَمَرَ رَاجِعًا ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَتَى
العباس امْرَأَةَ
الحجاج فَقَالَ : مَا فَعَلَ زَوْجُكِ ؟ قَالَتْ : ذَهَبَ ، وَقَالَتْ : لَا يَحْزُنْكَ اللَّهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ ، لَقَدْ شَقَّ عَلَيْنَا الَّذِي بَلَغَكَ . فَقَالَ : أَجَلْ ، لَا يَحْزُنُنِي اللَّهُ ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَمْدِ اللَّهِ إِلَّا مَا أُحِبُّ ، فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
خَيْبَرَ وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللَّهِ ، وَاصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صفية لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ كَانَ لَكِ فِي زَوْجِكِ حَاجَةٌ فَالْحَقِي بِهِ . قَالَتْ : أَظُنُّكَ وَاللَّهِ صَادِقًا . قَالَ : فَإِنِّي وَاللَّهِ صَادِقٌ وَالْأَمْرُ عَلَى مَا أَقُولُ لَكِ . قَالَتْ : فَمَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ : الَّذِي أَخْبَرَكِ بِمَا أَخْبَرَكِ . ثُمَّ ذَهَبَ حَتَى أَتَى مَجَالِسَ
قُرَيْشٍ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا : هَذَا وَاللَّهِ التَّجَلُّدُ يَا
أبا الفضل ، وَلَا يُصِيبُكَ إِلَّا خَيْرٌ . قَالَ : أَجَلْ ، لَمْ يُصِبْنِي إِلَّا خَيْرٌ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَخْبَرَنِي
الحجاج بِكَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أَكْتُمَ
[ ص: 301 ] عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِحَاجَةٍ ، فَرَدَّ اللَّهُ مَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ كَآبَةٍ وَجَزَعٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مَوَاضِعِهِمْ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى
العباس ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ ، فَأَشْرَقَتْ وُجُوهُ الْمُسْلِمِينَ .