فصل في بيان جهة تأثير هذه الأدوية في هذه الأمراض
خلق الله - سبحانه - ابن
آدم وأعضاءه ، وجعل لكل عضو منها كمالا ، إذا فقده أحس بالألم ، وجعل لملكها وهو القلب كمالا ، إذا فقده حضرته أسقامه وآلامه من الهموم والغموم والأحزان .
فإذا فقدت العين ما خلقت له من قوة الإبصار ، وفقدت الأذن ما خلقت له من قوة السمع ، واللسان ما خلق له من قوة الكلام ، فقدت كمالها .
nindex.php?page=treesubj&link=30481والقلب : خلق لمعرفة فاطره ومحبته وتوحيده والسرور به ، والابتهاج بحبه ، والرضى عنه ، والتوكل عليه ، والحب فيه ، والبغض فيه ، والموالاة فيه ، والمعاداة فيه ، ودوام ذكره ، وأن يكون أحب إليه من كل ما سواه ، وأرجى عنده من كل ما سواه ، وأجل في قلبه من كل ما سواه ، ولا نعيم له ولا سرور ولا لذة بل ولا حياة إلا بذلك ، وهذا له بمنزلة الغذاء ، والصحة ، والحياة ، فإذا فقد غذاءه ، وصحته ، وحياته ؛ فالهموم والغموم والأحزان مسارعة من كل صوب إليه ، ورهن مقيم عليه .
ومن أعظم أدوائه :
nindex.php?page=treesubj&link=29561الشرك والذنوب والغفلة والاستهانة بمحابه ومراضيه ، وترك التفويض إليه ، وقلة الاعتماد عليه ، والركون إلى ما سواه ، والسخط بمقدوره ، والشك في وعده ووعيده .
وإذا تأملت
nindex.php?page=treesubj&link=29417أمراض القلب وجدت هذه الأمور وأمثالها هي أسبابها لا
[ ص: 186 ] سبب لها سواها ، فدواؤه الذي لا دواء له سواه ما تضمنته هذه العلاجات النبوية من الأمور المضادة لهذه الأدواء ، فإن المرض يزال بالضد ، والصحة تحفظ بالمثل ، فصحته تحفظ بهذه الأمور النبوية ، وأمراضه بأضدادها .
nindex.php?page=treesubj&link=28656فالتوحيد : يفتح للعبد باب الخير والسرور واللذة والفرح والابتهاج ، والتوبة استفراغ للأخلاط والمواد الفاسدة التي هي سبب أسقامه ، وحمية له من التخليط ، فهي تغلق عنه باب الشرور ، فيفتح له باب السعادة والخير بالتوحيد ، ويغلق باب الشرور بالتوبة والاستغفار .
قال بعض المتقدمين من أئمة الطب :
nindex.php?page=treesubj&link=18336_33191من أراد عافية الجسم فليقلل من الطعام والشراب nindex.php?page=treesubj&link=33501_30525ومن أراد عافية القلب فليترك الآثام .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15607ثابت بن قرة : راحة الجسم في قلة الطعام وراحة الروح في قلة الآثام ، وراحة اللسان في قلة الكلام .
nindex.php?page=treesubj&link=29494والذنوب للقلب بمنزلة السموم ، إن لم تهلكه أضعفته ، ولا بد وإذا ضعفت قوته ، لم يقدر على مقاومة الأمراض ، قال طبيب القلوب
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك :
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها
فالهوى أكبر أدوائها ، ومخالفته أعظم أدويتها ، والنفس في الأصل خلقت جاهلة ظالمة ، فهي لجهلها تظن شفاءها في اتباع هواها ، وإنما فيه تلفها وعطبها ولظلمها لا تقبل من الطبيب الناصح ، بل تضع الداء موضع الدواء ، فتعتمده وتضع الدواء موضع الداء ، فتجتنبه فيتولد من بين إيثارها للداء ، واجتنابها للدواء ، أنواع من الأسقام والعلل التي تعيي الأطباء ويتعذر معها الشفاء .
والمصيبة العظمى أنها تركب ذلك على القدر فتبرئ نفسها ، وتلوم ربها بلسان الحال دائما ، ويقوى اللوم حتى يصرح به اللسان .
[ ص: 187 ] وإذا وصل العليل إلى هذه الحال ، فلا يطمع في برئه إلا أن تتداركه رحمة من ربه ، فيحييه حياة جديدة ، ويرزقه طريقة حميدة ، فلهذا كان حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في دعاء الكرب مشتملا على توحيد الإلهية والربوبية ، ووصف الرب سبحانه بالعظمة والحلم ، وهاتان الصفتان مستلزمتان لكمال القدرة ، والرحمة ، والإحسان ، والتجاوز ، ووصفه بكمال ربوبيته للعالم العلوي ، والسفلي ، والعرش الذي هو سقف المخلوقات ، وأعظمها والربوبية التامة تستلزم توحيده ، وأنه الذي لا تنبغي العبادة ، والحب ، والخوف ، والرجاء ، والإجلال ، والطاعة إلا له .
وعظمته المطلقة تستلزم إثبات كل كمال له ، وسلب كل نقص وتمثيل عنه . وحلمه يستلزم كمال رحمته ، وإحسانه إلى خلقه .
فعلم القلب ومعرفته بذلك توجب محبته ، وإجلاله ، وتوحيده فيحصل له من الابتهاج واللذة والسرور ، ما يدفع عنه ألم الكرب والهم ، والغم ، وأنت تجد المريض إذا ورد عليه ما يسره ويفرحه ويقوي نفسه ، كيف تقوى الطبيعة على دفع المرض الحسي ، فحصول هذا الشفاء للقلب أولى وأحرى .
ثم إذا قابلت بين ضيق الكرب وسعة هذه الأوصاف التي تضمنها دعاء الكرب ، وجدته في غاية المناسبة لتفريج هذا الضيق ، وخروج القلب منه إلى سعة البهجة والسرور ، وهذه الأمور إنما يصدق بها من أشرقت فيه أنوارها ، وباشر قلبه حقائقها .
" وفي تأثير قوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002714يا حي يا قيوم ، برحمتك أستغيث ) في دفع هذا الداء مناسبة بديعة فإن صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال ، مستلزمة لها ، وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات الأفعال ، ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى : هو اسم الحي القيوم ، والحياة التامة تضاد جميع الأسقام والآلام ، ولهذا لما كملت حياة أهل الجنة لم يلحقهم هم ولا غم ، ولا حزن ولا شيء من الآفات . ونقصان الحياة تضر بالأفعال ، وتنافي القيومية ،
[ ص: 188 ] فكمال القيومية لكمال الحياة ، فالحي المطلق التام الحياة لا تفوته صفة الكمال البتة ، والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة ، فالتوسل بصفة الحياة القيومية له تأثير في إزالة ما يضاد الحياة ، ويضر بالأفعال .
ونظير هذا توسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه بربوبيته
لجبريل ،
وميكائيل ،
وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، فإن حياة القلب بالهداية ، وقد وكل الله سبحانه هؤلاء الأملاك الثلاثة بالحياة .
فجبريل : موكل بالوحي الذي هو حياة القلوب .
وميكائيل : بالقطر الذي هو حياة الأبدان والحيوان .
وإسرافيل : بالنفخ في الصور ، الذي هو سبب حياة العالم ، وعود الأرواح إلى أجسادها .
فالتوسل إليه سبحانه بربوبية هذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة له تأثير في حصول المطلوب .
والمقصود أن لاسم الحي القيوم تأثيرا خاصا في إجابة الدعوات ، وكشف الكربات ، وفي " السنن " و " صحيح
أبي حاتم " مرفوعا : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002715اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) [ البقرة : 163 ] ، وفاتحة آل عمران : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=2الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : حديث صحيح .
وفي "السنن" و"صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان " أيضا : من حديث
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=16002716أن رجلا دعا ، [ ص: 189 ] فقال : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت المنان ، بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ) .
ولهذا
nindex.php?page=treesubj&link=32041كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد في الدعاء قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002717يا حي يا قيوم ) .
" وفي قوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002718اللهم رحمتك أرجو ، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت ) من تحقيق الرجاء لمن الخير كله بيديه والاعتماد عليه وحده وتفويض الأمر إليه ، والتضرع إليه ، أن يتولى إصلاح شأنه ، ولا يكله إلى نفسه ، والتوسل إليه بتوحيده مما له تأثير قوي في دفع هذا الداء ، وكذلك قوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002719الله ربي لا أشرك به شيئا ) .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002720اللهم إني عبدك ابن عبدك ) ففيه من المعارف الإلهية ، وأسرار العبودية ما لا يتسع له كتاب فإنه يتضمن الاعتراف بعبوديته ، وعبودية آبائه ، وأمهاته ، وأن ناصيته بيده ، يصرفها كيف يشاء ، فلا يملك العبد دونه لنفسه : نفعا ، ولا ضرا ، ولا موتا ، ولا حياة ، ولا نشورا ؛ لأن من ناصيته بيد غيره فليس إليه شيء من أمره ، بل هو عان في قبضته ذليل تحت سلطان قهره .
وقوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002721ماض في حكمك عدل في قضاؤك ) متضمن لأصلين عظيمين عليهما مدار التوحيد .
أحدهما : إثبات القدر وأن أحكام الرب تعالى نافذة في عبده ماضية فيه ، لا انفكاك له عنها ، ولا حيلة له في دفعها .
والثاني : أنه - سبحانه - عدل في هذه الأحكام غير ظالم لعبده ، بل لا
[ ص: 190 ] يخرج فيها عن موجب العدل والإحسان فإن الظلم سببه حاجة الظالم ، أو جهله ، أو سفهه ، فيستحيل صدوره ممن هو بكل شيء عليم ، ومن هو غني عن كل شيء ، وكل شيء فقير إليه ، ومن هو أحكم الحاكمين ، فلا تخرج ذرة من مقدوراته عن حكمته ، وحمده ، كما لم تخرج عن قدرته ومشيئته ، فحكمته نافذة حيث نفذت مشيئته وقدرته ، ولهذا قال نبي الله هود صلى الله على نبينا وعليه وسلم وقد خوفه قومه بآلهتهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=54إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=55من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظروني nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ) [ هود : 54 - 57 ] أي : مع كونه سبحانه آخذا بنواصي خلقه وتصريفهم كما يشاء ، فهو على صراط مستقيم لا يتصرف فيهم إلا بالعدل والحكمة والإحسان والرحمة . فقوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002722ماض في حكمك ) مطابق لقوله(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ) وقوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002723عدل في قضاؤك ) مطابق لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إن ربي على صراط مستقيم ) ، ثم توسل إلى ربه بأسمائه التي سمى بها نفسه ما علم العباد منها ، وما لم يعلموا . ومنها : ما استأثره في علم الغيب عنده فلم يطلع عليه ملكا مقربا ، ولا نبيا مرسلا ، وهذه الوسيلة أعظم الوسائل وأحبها إلى الله وأقربها تحصيلا للمطلوب . "
ثم سأله أن يجعل القرآن لقلبه كالربيع الذي يرتع فيه الحيوان ، وكذلك القرآن ربيع القلوب ، وأن يجعله شفاء همه ، وغمه فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء ، ويعيد البدن إلى صحته ، واعتداله وأن يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطبوع والأصدية ، وغيرها ، فأحرى بهذا العلاج إذا صدق العليل في استعماله أن يزيل عنه داءه ، ويعقبه شفاء تاما ، وصحة ، وعافية ، والله الموفق .
وأما دعوة
ذي النون : فإن فيها من كمال التوحيد والتنزيه للرب تعالى ، واعتراف العبد بظلمه وذنبه ، ما هو من أبلغ أدوية الكرب ، والهم ، والغم ، وأبلغ الوسائل إلى الله - سبحانه - في قضاء الحوائج ، فإن التوحيد والتنزيه يتضمنان إثبات كل كمال الله ، وسلب كل نقص وعيب وتمثيل عنه . والاعتراف بالظلم
[ ص: 191 ] يتضمن إيمان العبد بالشرع والثواب والعقاب ، ويوجب انكساره ورجوعه إلى الله واستقالته عثرته ، والاعتراف بعبوديته ، وافتقاره إلى ربه ، فهاهنا أربعة أمور قد وقع التوسل بها : التوحيد ، والتنزيه ، والعبودية ، والاعتراف .
وأما حديث
أبي أمامة : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002724اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ) فقد تضمن الاستعاذة من ثمانية أشياء ، كل اثنين منها قرينان مزدوجان ، فالهم والحزن أخوان ، والعجز والكسل أخوان ، والجبن والبخل أخوان ، وضلع الدين وغلبة الرجال أخوان ، فإن المكروه المؤلم إذا ورد على القلب فإما أن يكون سببه أمرا ماضيا ، فيوجب له الحزن ، وإن كان أمرا متوقعا في المستقبل أوجب الهم ، وتخلف العبد عن مصالحه وتفويتها عليه ، إما أن يكون من عدم القدرة ، وهو العجز ، أو من عدم الإرادة ، وهو الكسل ، وحبس خيره ونفعه عن نفسه ، وعن بني جنسه ، إما أن يكون منع نفعه ببدنه فهو الجبن أو بماله ، فهو البخل ، وقهر الناس له ، إما بحق فهو ضلع الدين ، أو بباطل فهو غلبة الرجال ، فقد تضمن الحديث الاستعاذة من كل شر ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=20011_20014تأثير الاستغفار في دفع الهم والغم والضيق فلما اشترك في العلم به أهل الملل وعقلاء كل أمة أن المعاصي والفساد توجب الهم ، والغم ، والخوف ، والحزن ، وضيق الصدر ، وأمراض القلب ، حتى إن أهلها إذا قضوا منها أوطارهم ، وسئمتها نفوسهم ارتكبوها ، دفعا لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم كما قال شيخ الفسوق :
وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها
وإذا كان هذا تأثير الذنوب والآثام في القلوب ، فلا دواء لها إلا التوبة والاستغفار .
[ ص: 192 ] وأما
nindex.php?page=treesubj&link=24589الصلاة ، فشأنها في تفريح القلب وتقويته ، وشرحه وابتهاجه ولذته أكبر شأن ، وفيها من اتصال القلب والروح بالله ، وقربه والتنعم بذكره ، والابتهاج بمناجاته ، والوقوف بين يديه ، واستعمال جميع البدن وقواه وآلاته في عبوديته ، وإعطاء كل عضو حظه منها ، واشتغاله عن التعلق بالخلق وملابستهم ومحاوراتهم ، وانجذاب قوى قلبه وجوارحه إلى ربه وفاطره ، وراحته من عدوه حالة الصلاة ما صارت به من أكبر الأدوية والمفرحات والأغذية التي لا تلائم إلا القلوب الصحيحة . وأما القلوب العليلة ، فهي كالأبدان لا تناسبها إلا الأغذية الفاضلة .
nindex.php?page=treesubj&link=24589فالصلاة من أكبر العون على تحصيل مصالح الدنيا والآخرة ، ودفع مفاسد الدنيا والآخرة ، وهي منهاة عن الإثم ، ودافعة لأدواء القلوب ، ومطردة للداء عن الجسد ، ومنورة للقلب ، ومبيضة للوجه ، ومنشطة للجوارح والنفس ، وجالبة للرزق ، ودافعة للظلم ، وناصرة للمظلوم ، وقامعة لأخلاط الشهوات ، وحافظة للنعمة ، ودافعة للنقمة ، ومنزلة للرحمة ، وكاشفة للغمة ، ونافعة من كثير من أوجاع البطن .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه في " سننه " من حديث
مجاهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002725رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا نائم أشكو من وجع بطني فقال لي : " يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة أشكمت درد ؟ " قال : قلت : نعم يا رسول الله قال : " قم فصل فإن في الصلاة شفاء ) .
وقد روي هذا الحديث موقوفا على
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وأنه هو الذي قال ذلك
لمجاهد ، وهو أشبه . ومعنى هذه اللفظة بالفارسي : أيوجعك بطنك ؟ .
فإن لم ينشرح صدر زنديق الأطباء بهذا العلاج ، فيخاطب بصناعة الطب ، ويقال له الصلاة رياضة النفس والبدن جميعا ، إذ كانت تشتمل على حركات وأوضاع مختلفة : من الانتصاب ، والركوع ، والسجود ، والتورك ، والانتقالات ، وغيرها ، من الأوضاع التي يتحرك معها أكثر المفاصل ، وينغمز معها أكثر الأعضاء
[ ص: 193 ] الباطنة كالمعدة والأمعاء وسائر آلات النفس والغذاء فما ينكر أن يكون في هذه الحركات تقوية وتحليل للمواد ولا سيما بواسطة قوة النفس ، وانشراحها في الصلاة ، فتقوى الطبيعة ، فيندفع الألم ، ولكن داء الزندقة والإعراض عما جاءت به الرسل ، والتعوض عنه بالإلحاد داء ليس له دواء ، إلا نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=7862تأثير الجهاد في دفع الهم والغم فأمر معلوم بالوجدان ، فإن النفس متى تركت صائل الباطل وصولته واستيلاءه اشتد همها ، وغمها ، وكربها ، وخوفها ، فإذا جاهدته لله أبدل الله ذلك الهم والحزن فرحا ونشاطا وقوة كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=14قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=15ويذهب غيظ قلوبهم ) [ التوبة : 14 ، 15 ] فلا شيء أذهب لجوى القلب وغمه وهمه وحزنه من الجهاد والله المستعان .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=24582تأثير " لا حول ولا قوة إلا بالله " في دفع هذا الداء فلما فيها من كمال التفويض ، والتبري من الحول والقوة ، إلا به وتسليم الأمر كله له ، وعدم منازعته في شيء منه ، وعموم ذلك لكل تحول من حال إلى حال في العالم العلوي ، والسفلي ، والقوة على ذلك التحول ، وأن ذلك كله بالله ، وحده فلا يقوم لهذه الكلمة شيء . وفي بعض الآثار إنه ما ينزل ملك من السماء ، ولا يصعد إليها إلا بلا حول ولا قوة إلا بالله ، ولها تأثير عجيب في طرد الشيطان والله المستعان .
فَصْلٌ فِي بَيَانِ جِهَةِ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْأَدْوِيَةِ فِي هَذِهِ الْأَمْرَاضِ
خَلَقَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - ابْنَ
آدَمَ وَأَعْضَاءَهُ ، وَجَعَلَ لِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا كَمَالًا ، إِذَا فَقَدَهُ أَحَسَّ بِالْأَلَمِ ، وَجَعَلَ لِمَلِكِهَا وَهُوَ الْقَلْبُ كَمَالًا ، إِذَا فَقَدَهُ حَضَرَتْهُ أَسْقَامُهُ وَآلَامُهُ مِنَ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ وَالْأَحْزَانِ .
فَإِذَا فَقَدَتِ الْعَيْنُ مَا خُلِقَتْ لَهُ مِنْ قُوَّةِ الْإِبْصَارِ ، وَفَقَدَتِ الْأُذُنُ مَا خُلِقَتْ لَهُ مِنْ قُوَّةِ السَّمْعِ ، وَاللَّسَانُ مَا خُلِقَ لَهُ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ ، فَقَدَتْ كَمَالَهَا .
nindex.php?page=treesubj&link=30481وَالْقَلْبُ : خُلِقَ لِمَعْرِفَةِ فَاطِرِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَالسُّرُورِ بِهِ ، وَالِابْتِهَاجِ بِحُبِّهِ ، وَالرِّضَى عَنْهُ ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ، وَالْحُبِّ فِيهِ ، وَالْبُغْضِ فِيهِ ، وَالْمُوَالَاةِ فِيهِ ، وَالْمُعَادَاةِ فِيهِ ، وَدَوَامِ ذِكْرِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ، وَأَرْجَى عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ، وَأَجَلَّ فِي قَلْبِهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ، وَلَا نَعِيمَ لَهُ وَلَا سُرُورَ وَلَا لَذَّةَ بَلْ وَلَا حَيَاةَ إِلَّا بِذَلِكَ ، وَهَذَا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْغِذَاءِ ، وَالصِّحَّةِ ، وَالْحَيَاةِ ، فَإِذَا فَقَدَ غِذَاءَهُ ، وَصِحَّتَهُ ، وَحَيَاتَهُ ؛ فَالْهُمُومُ وَالْغُمُومُ وَالْأَحْزَانُ مُسَارِعَةٌ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ إِلَيْهِ ، وَرَهْنٌ مُقِيمٌ عَلَيْهِ .
وَمِنْ أَعْظَمِ أَدْوَائِهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=29561الشِّرْكُ وَالذُّنُوبُ وَالْغَفْلَةُ وَالِاسْتِهَانَةُ بِمَحَابِّهِ وَمَرَاضِيهِ ، وَتَرْكُ التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ ، وَقِلَّةُ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ ، وَالرَّكُونُ إِلَى مَا سِوَاهُ ، وَالسُّخْطُ بِمَقْدُورِهِ ، وَالشَّكُّ فِي وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ .
وَإِذَا تَأَمَّلْتَ
nindex.php?page=treesubj&link=29417أَمْرَاضَ الْقَلْبِ وَجَدْتَ هَذِهِ الْأُمُورَ وَأَمْثَالَهَا هِيَ أَسْبَابُهَا لَا
[ ص: 186 ] سَبَبَ لَهَا سِوَاهَا ، فَدَوَاؤُهُ الَّذِي لَا دَوَاءَ لَهُ سِوَاهُ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْعِلَاجَاتُ النَّبَوِيَّةُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُضَادَّةِ لِهَذِهِ الْأَدْوَاءِ ، فَإِنَّ الْمَرَضَ يُزَالُ بِالضِّدِّ ، وَالصِّحَّةُ تُحْفَظُ بِالْمِثْلِ ، فَصِحَّتُهُ تُحْفَظُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ النَّبَوِيَّةِ ، وَأَمْرَاضُهُ بِأَضْدَادِهَا .
nindex.php?page=treesubj&link=28656فَالتَّوْحِيدُ : يَفْتَحُ لِلْعَبْدِ بَابَ الْخَيْرِ وَالسُّرُورِ وَاللَّذَّةِ وَالْفَرَحِ وَالِابْتِهَاجِ ، وَالتَّوْبَةُ اسْتِفْرَاغٌ لِلْأَخْلَاطِ وَالْمَوَادِّ الْفَاسِدَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ أَسْقَامِهِ ، وَحِمْيَةٌ لَهُ مِنَ التَّخْلِيطِ ، فَهِيَ تُغْلِقُ عَنْهُ بَابَ الشُّرُورِ ، فَيُفْتَحُ لَهُ بَابُ السَّعَادَةِ وَالْخَيْرِ بِالتَّوْحِيدِ ، وَيُغْلَقُ بَابُ الشُّرُورِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ .
قَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الطِّبِّ :
nindex.php?page=treesubj&link=18336_33191مَنْ أَرَادَ عَافِيَةَ الْجِسْمِ فَلْيُقَلِّلْ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ nindex.php?page=treesubj&link=33501_30525وَمَنْ أَرَادَ عَافِيَةَ الْقَلْبِ فَلْيَتْرُكِ الْآثَامَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15607ثَابِتُ بْنُ قُرَّةَ : رَاحَةُ الْجِسْمِ فِي قِلَّةِ الطَّعَامِ وَرَاحَةُ الرُّوحِ فِي قِلَّةِ الْآثَامِ ، وَرَاحَةُ اللِّسَانِ فِي قِلَّةِ الْكَلَامِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29494وَالذُّنُوبُ لِلْقَلْبِ بِمَنْزِلَةِ السُّمُومِ ، إِنْ لَمْ تُهْلِكْهُ أَضْعَفَتْهُ ، وَلَا بُدَّ وَإِذَا ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ ، لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُقَاوَمَةِ الْأَمْرَاضِ ، قَالَ طَبِيبُ الْقُلُوبِ
nindex.php?page=showalam&ids=16418عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ :
رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ
وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا
فَالْهَوَى أَكْبَرُ أَدْوَائِهَا ، وَمُخَالَفَتُهُ أَعْظَمُ أَدْوِيَتِهَا ، وَالنَّفْسُ فِي الْأَصْلِ خُلِقَتْ جَاهِلَةً ظَالِمَةً ، فَهِيَ لِجَهْلِهَا تَظُنُّ شِفَاءَهَا فِي اتِّبَاعِ هَوَاهَا ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَلَفُهَا وَعَطَبُهَا وَلِظُلْمِهَا لَا تَقْبَلُ مِنَ الطِّبِيبِ النَّاصِحِ ، بَلْ تَضَعُ الدَّاءَ مَوْضِعَ الدَّوَاءِ ، فَتَعْتَمِدُهُ وَتَضَعُ الدَّوَاءَ مَوْضِعَ الدَّاءِ ، فَتَجْتَنِبُهُ فَيَتَوَلَّدُ مِنْ بَيْنِ إِيثَارِهَا لِلدَّاءِ ، وَاجْتِنَابِهَا لِلدَّوَاءِ ، أَنْوَاعٌ مِنَ الْأَسْقَامِ وَالْعِلَلِ الَّتِي تُعْيِي الْأَطِبَّاءَ وَيَتَعَذَّرُ مَعَهَا الشِّفَاءُ .
وَالْمُصِيبَةُ الْعُظْمَى أَنَّهَا تُرَكِّبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَدَرِ فَتُبَرِّئُ نَفْسَهَا ، وَتَلُومُ رَبَّهَا بِلِسَانِ الْحَالِ دَائِمًا ، وَيَقْوَى اللَّوْمُ حَتَّى يُصَرِّحَ بِهِ اللِّسَانُ .
[ ص: 187 ] وَإِذَا وَصَلَ الْعَلِيلُ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ ، فَلَا يَطْمَعُ فِي بُرْئِهِ إِلَّا أَنْ تَتَدَارَكَهُ رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ ، فَيُحْيِيهِ حَيَاةً جَدِيدَةً ، وَيَرْزُقُهُ طَرِيقَةً حَمِيدَةً ، فَلِهَذَا كَانَ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي دُعَاءِ الْكَرْبِ مُشْتَمِلًا عَلَى تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ ، وَوَصْفِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ بِالْعَظَمَةِ وَالْحِلْمِ ، وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُسْتَلْزِمَتَانِ لِكَمَالِ الْقُدْرَةِ ، وَالرَّحْمَةِ ، وَالْإِحْسَانِ ، وَالتَّجَاوُزِ ، وَوَصْفِهِ بِكَمَالِ رُبُوبِيَّتِهِ لِلْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ ، وَالسُّفْلِيِّ ، وَالْعَرْشِ الَّذِي هُوَ سَقْفُ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَأَعْظَمُهَا وَالرُّبُوبِيَّةُ التَّامَّةُ تَسْتَلْزِمُ تَوْحِيدَهُ ، وَأَنَّهُ الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ ، وَالْحُبُّ ، وَالْخَوْفُ ، وَالرَّجَاءُ ، وَالْإِجْلَالُ ، وَالطَّاعَةُ إِلَّا لَهُ .
وَعَظَمَتُهُ الْمُطْلَقَةُ تَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ كُلِّ كَمَالٍ لَهُ ، وَسَلْبَ كُلِّ نَقْصٍ وَتَمْثِيلٍ عَنْهُ . وَحِلْمُهُ يَسْتَلْزِمُ كَمَالَ رَحْمَتِهِ ، وَإِحْسَانِهِ إِلَى خَلْقِهِ .
فَعِلْمُ الْقَلْبِ وَمَعْرِفَتُهُ بِذَلِكَ تُوجِبُ مَحَبَّتَهُ ، وَإِجْلَالَهُ ، وَتَوْحِيدَهُ فَيَحْصُلُ لَهُ مِنَ الِابْتِهَاجِ وَاللَّذَّةِ وَالسُّرُورِ ، مَا يَدْفَعُ عَنْهُ أَلَمَ الْكَرْبِ وَالْهَمِّ ، وَالْغَمِّ ، وَأَنْتَ تَجِدُ الْمَرِيضَ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ مَا يَسُرُّهُ وَيُفْرِحُهُ وَيُقَوِّي نَفْسَهُ ، كَيْفَ تَقْوَى الطَّبِيعَةُ عَلَى دَفْعِ الْمَرَضِ الْحِسِّيِّ ، فَحُصُولُ هَذَا الشِّفَاءِ لِلْقَلْبِ أَوْلَى وَأَحْرَى .
ثُمَّ إِذَا قَابَلْتَ بَيْنَ ضِيقِ الْكَرْبِ وَسَعَةِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا دُعَاءُ الْكَرْبِ ، وَجَدْتَهُ فِي غَايَةِ الْمُنَاسَبَةِ لِتَفْرِيجِ هَذَا الضِّيقِ ، وَخُرُوجِ الْقَلْبِ مِنْهُ إِلَى سَعَةِ الْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ إِنَّمَا يُصَدِّقُ بِهَا مَنْ أَشْرَقَتْ فِيهِ أَنْوَارُهَا ، وَبَاشَرَ قَلْبُهُ حَقَائِقَهَا .
" وَفِي تَأْثِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002714يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ) فِي دَفْعِ هَذَا الدَّاءِ مُنَاسَبَةٌ بَدِيعَةٌ فَإِنَّ صِفَةَ الْحَيَاةِ مُتَضَمِّنَةٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ ، مُسْتَلْزِمَةٌ لَهَا ، وَصِفَةُ الْقَيُّومِيَّةِ مُتَضَمِّنَةٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ ، وَلِهَذَا كَانَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى : هُوَ اسْمُ الْحَيِّ الْقَيُّومِ ، وَالْحَيَاةُ التَّامَّةُ تُضَادُّ جَمِيعَ الْأَسْقَامِ وَالْآلَامِ ، وَلِهَذَا لَمَّا كَمُلَتْ حَيَاةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَمْ يَلْحَقْهُمْ هَمٌّ وَلَا غَمٌّ ، وَلَا حَزَنٌ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْآفَاتِ . وَنُقْصَانُ الْحَيَاةِ تَضُرُّ بِالْأَفْعَالِ ، وَتُنَافِي الْقَيُّومِيَّةَ ،
[ ص: 188 ] فَكَمَالُ الْقَيُّومِيَّةِ لِكَمَالِ الْحَيَاةِ ، فَالْحَيُّ الْمُطْلَقُ التَّامُّ الْحَيَاةِ لَا تَفُوتُهُ صِفَةُ الْكَمَالِ الْبَتَّةَ ، وَالْقَيُّومُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلٌ مُمْكِنٌ الْبَتَّةَ ، فَالتَّوَسُّلُ بِصِفَةِ الْحَيَاةِ الْقَيُّومِيَّةِ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي إِزَالَةِ مَا يُضَادُّ الْحَيَاةَ ، وَيَضُرُّ بِالْأَفْعَالِ .
وَنَظِيرُ هَذَا تَوَسُّلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى رَبِّهِ بِرُبُوبِيَّتِهِ
لِجِبْرِيلَ ،
وَمِيكَائِيلَ ،
وَإِسْرَافِيلَ أَنْ يَهْدِيَهُ لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ، فَإِنَّ حَيَاةَ الْقَلْبِ بِالْهِدَايَةِ ، وَقَدْ وَكَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ الْأَمْلَاكَ الثَّلَاثَةَ بِالْحَيَاةِ .
فَجِبْرِيلُ : مُوَكَّلٌ بِالْوَحْيِ الَّذِي هُوَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ .
وَمِيكَائِيلُ : بِالْقَطْرِ الَّذِي هُوَ حَيَاةُ الْأَبْدَانِ وَالْحَيَوَانِ .
وَإِسْرَافِيلُ : بِالنَّفْخِ فِي الصُّورِ ، الَّذِي هُوَ سَبَبُ حَيَاةِ الْعَالَمِ ، وَعَوْدِ الْأَرْوَاحِ إِلَى أَجْسَادِهَا .
فَالتَّوَسُّلُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِرُبُوبِيَّةِ هَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْعَظِيمَةِ الْمُوَكَّلَةِ بِالْحَيَاةِ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ لِاسْمِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ تَأْثِيرًا خَاصًّا فِي إِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ ، وَكَشْفِ الْكُرُبَاتِ ، وَفِي " السُّنَنِ " وَ " صَحِيحِ
أبي حاتم " مَرْفُوعًا : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002715اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) [ الْبَقَرَةِ : 163 ] ، وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=2اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَفِي "السُّنَنِ" وَ"صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنِ حِبَّانَ " أَيْضًا : مِنْ حَدِيثِ
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=16002716أَنَّ رَجُلًا دَعَا ، [ ص: 189 ] فَقَالَ : اللُّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) .
وَلِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=32041كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002717يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ) .
" وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002718اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو ، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ) مِنْ تَحْقِيقِ الرَّجَاءِ لِمَنِ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْهِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ إِلَيْهِ ، وَالتَّضَرُّعُ إِلَيْهِ ، أَنْ يَتَوَلَّى إِصْلَاحَ شَأْنِهِ ، وَلَا يَكِلَهُ إِلَى نَفْسِهِ ، وَالتَّوَسُّلُ إِلَيْهِ بِتَوْحِيدِهِ مِمَّا لَهُ تَأْثِيرٌ قَوِيٌّ فِي دَفْعِ هَذَا الدَّاءِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002719اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) .
وَأَمَّا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002720اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ) فَفِيهِ مِنَ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَأَسْرَارِ الْعُبُودِيَّةِ مَا لَا يَتَّسِعُ لَهُ كِتَابٌ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الِاعْتِرَافَ بِعُبُودِيَّتِهِ ، وَعُبُودِيَّةِ آبَائِهِ ، وَأُمَّهَاتِهِ ، وَأَنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِهِ ، يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ، فَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ دُونَهُ لِنَفْسِهِ : نَفْعًا ، وَلَا ضَرًّا ، وَلَا مَوْتًا ، وَلَا حَيَاةً ، وَلَا نُشُورًا ؛ لِأَنَّ مَنْ نَاصِيَتُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ ، بَلْ هُوَ عَانٍ فِي قَبْضَتِهِ ذَلِيلٌ تَحْتَ سُلْطَانِ قَهْرِهِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002721مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ) مُتَضَمِّنٌ لِأَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ عَلَيْهِمَا مَدَارُ التَّوْحِيدِ .
أَحَدُهُمَا : إِثْبَاتُ الْقَدَرِ وَأَنَّ أَحْكَامَ الرَّبِّ تَعَالَى نَافِذَةٌ فِي عَبْدِهِ مَاضِيَةٌ فِيهِ ، لَا انْفِكَاكَ لَهُ عَنْهَا ، وَلَا حِيلَةَ لَهُ فِي دَفْعِهَا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - عَدْلٌ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ غَيْرُ ظَالِمٍ لِعَبْدِهِ ، بَلْ لَا
[ ص: 190 ] يَخْرُجُ فِيهَا عَنْ مُوجَبِ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ فَإِنَّ الظُّلْمَ سَبَبُهُ حَاجَةُ الظَّالِمِ ، أَوْ جَهْلُهُ ، أَوْ سَفَهُهُ ، فَيَسْتَحِيلُ صُدُورُهُ مِمَّنْ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، وَمَنْ هُوَ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إِلَيْهِ ، وَمَنْ هُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ، فَلَا تَخْرُجُ ذَرَّةٌ مِنْ مَقْدُورَاتِهِ عَنْ حِكْمَتِهِ ، وَحَمْدِهِ ، كَمَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، فَحِكْمَتُهُ نَافِذَةٌ حَيْثُ نَفَذَتْ مَشِيئَتُهُ وَقُدْرَتُهُ ، وَلِهَذَا قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ هُودٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ خَوَّفَهُ قَوْمُهُ بِآلِهَتِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=54إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=55مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِي nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [ هُودٍ : 54 - 57 ] أَيْ : مَعَ كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ آخِذًا بِنَوَاصِي خَلْقِهِ وَتَصْرِيفِهِمْ كَمَا يَشَاءُ ، فَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ إِلَّا بِالْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالْإِحْسَانِ وَالرَّحْمَةِ . فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002722مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ) مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002723عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ) مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ، ثُمَّ تَوَسَّلَ إِلَى رَبِّهِ بِأَسْمَائِهِ الَّتِي سَمَّى بِهَا نَفْسَهُ مَا عَلِمَ الْعِبَادُ مِنْهَا ، وَمَا لَمْ يَعْلَمُوا . وَمِنْهَا : مَا اسْتَأْثَرَهُ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ مَلَكًا مُقَرَّبًا ، وَلَا نَبِيَّا مُرْسَلًا ، وَهَذِهِ الْوَسِيلَةُ أَعْظَمُ الْوَسَائِلِ وَأَحَبُّهَا إِلَى اللَّهِ وَأَقْرَبُهَا تَحْصِيلًا لِلْمَطْلُوبِ . "
ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُرْآنَ لِقَلْبِهِ كَالرَّبِيعِ الَّذِي يَرْتَعُ فِيهِ الْحَيَوَانُ ، وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ شِفَاءَ هَمِّهِ ، وَغَمِّهِ فَيَكُونَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّوَاءِ الَّذِي يَسْتَأْصِلُ الدَّاءَ ، وَيُعِيدُ الْبَدَنَ إِلَى صِحَّتِهِ ، وَاعْتِدَالِهِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ لِحُزْنِهِ كَالْجَلَاءِ الَّذِي يَجْلُو الطُّبُوعَ وَالْأَصْدِيَةَ ، وَغَيْرَهَا ، فَأَحْرَى بِهَذَا الْعِلَاجِ إِذَا صَدَقَ الْعَلِيلُ فِي اسْتِعْمَالِهِ أَنْ يُزِيلَ عَنْهُ دَاءَهُ ، وَيُعْقِبَهُ شِفَاءً تَامًّا ، وَصِحَّةً ، وَعَافِيَةً ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَأَمَّا دَعْوَةُ
ذِي النُّونِ : فَإِنَّ فِيهَا مِنْ كَمَالِ التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ لِلرَّبِّ تَعَالَى ، وَاعْتِرَافِ الْعَبْدِ بِظُلْمِهِ وَذَنْبِهِ ، مَا هُوَ مِنْ أَبْلَغِ أَدْوِيَةِ الْكَرْبِ ، وَالْهَمِّ ، وَالْغَمِّ ، وَأَبْلَغِ الْوَسَائِلِ إِلَى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ ، فَإِنَّ التَّوْحِيدَ وَالتَّنْزِيهَ يَتَضَمَّنَانِ إِثْبَاتَ كُلِّ كَمَالِ اللَّهِ ، وَسَلْبَ كُلِّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ وَتَمْثِيلٍ عَنْهُ . وَالِاعْتِرَافُ بِالظُّلْمِ
[ ص: 191 ] يَتَضَمَّنُ إِيمَانَ الْعَبْدِ بِالشَّرْعِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، وَيُوجِبُ انْكِسَارَهُ وَرُجُوعَهُ إِلَى اللَّهِ وَاسْتِقَالَتَهُ عَثْرَتَهُ ، وَالِاعْتِرَافَ بِعُبُودِيَّتِهِ ، وَافْتِقَارَهُ إِلَى رَبِّهِ ، فَهَاهُنَا أَرْبَعَةُ أُمُورٍ قَدْ وَقَعَ التَّوَسُّلُ بِهَا : التَّوْحِيدُ ، وَالتَّنْزِيهُ ، وَالْعُبُودِيَّةُ ، وَالِاعْتِرَافُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
أبي أمامة : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002724اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ) فَقَدْ تَضَمَّنَ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَشْيَاءَ ، كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهَا قَرِينَانِ مُزْدَوَجَانِ ، فَالْهَمُّ وَالْحَزَنُ أَخَوَانِ ، وَالْعَجْزُ وَالْكَسَلُ أَخَوَانِ ، وَالْجُبْنُ وَالْبُخْلُ أَخَوَانِ ، وَضَلَعُ الدَّيْنِ وَغَلَبَةُ الرِّجَالِ أَخَوَانِ ، فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ الْمُؤْلِمَ إِذَا وَرَدَ عَلَى الْقَلْبِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ أَمْرًا مَاضِيًا ، فَيُوجِبُ لَهُ الْحُزْنَ ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا مُتَوَقَّعًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْجَبَ الْهَمَّ ، وَتَخَلَّفُ الْعَبْدِ عَنْ مَصَالِحِهِ وَتَفْوِيتُهَا عَلَيْهِ ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ ، وَهُوَ الْعَجْزُ ، أَوْ مِنْ عَدَمِ الْإِرَادَةِ ، وَهُوَ الْكَسَلُ ، وَحَبْسُ خَيْرِهِ وَنَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَعَنْ بَنِي جِنْسِهِ ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنَعَ نَفْعَهُ بِبَدَنِهِ فَهُوَ الْجُبْنُ أَوْ بِمَالِهِ ، فَهُوَ الْبُخْلُ ، وَقَهْرُ النَّاسِ لَهُ ، إِمَّا بِحَقٍّ فَهُوَ ضَلَعُ الدَّيْنِ ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَهُوَ غَلَبَةُ الرِّجَالِ ، فَقَدْ تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=20011_20014تَأْثِيرُ الِاسْتِغْفَارِ فِي دَفْعِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالضِّيقِ فَلِمَا اشْتَرَكَ فِي الْعِلْمِ بِهِ أَهْلُ الْمِلَلِ وَعُقَلَاءُ كُلِّ أُمَّةٍ أَنَّ الْمَعَاصِيَ وَالْفَسَادَ تُوجِبُ الْهَمَّ ، وَالْغَمَّ ، وَالْخَوْفَ ، وَالْحُزْنَ ، وَضِيقَ الصَّدْرِ ، وَأَمْرَاضَ الْقَلْبِ ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَهَا إِذَا قَضَوْا مِنْهَا أَوْطَارَهُمْ ، وَسَئِمَتْهَا نَفُوسُهُمُ ارْتَكَبُوهَا ، دَفْعًا لِمَا يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الضِّيقِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ كَمَا قَالَ شَيْخُ الْفُسُوقِ :
وَكَأْسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا
وَإِذَا كَانَ هَذَا تَأْثِيرَ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ فِي الْقُلُوبِ ، فَلَا دَوَاءَ لَهَا إِلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ .
[ ص: 192 ] وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=24589الصَّلَاةُ ، فَشَأْنُهَا فِي تَفْرِيحِ الْقَلْبِ وَتَقْوِيتِهِ ، وَشَرْحِهِ وَابْتِهَاجِهِ وَلَذَّتِهِ أَكْبَرُ شَأْنٍ ، وَفِيهَا مِنَ اتِّصَالِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ بِاللَّهِ ، وَقُرْبِهِ وَالتَّنَعُّمِ بِذِكْرِهِ ، وَالِابْتِهَاجِ بِمُنَاجَاتِهِ ، وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَاسْتِعْمَالِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَقُوَاهُ وَآلَاتِهِ فِي عُبُودِيَّتِهِ ، وَإِعْطَاءِ كُلِّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنْهَا ، وَاشْتِغَالِهِ عَنِ التَّعَلُّقِ بِالْخَلْقِ وَمُلَابَسَتِهِمْ وَمُحَاوَرَاتِهِمْ ، وَانْجِذَابِ قُوَى قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ إِلَى رَبِّهِ وَفَاطِرِهِ ، وَرَاحَتِهِ مِنْ عَدُوِّهِ حَالَةَ الصَّلَاةِ مَا صَارَتْ بِهِ مِنْ أَكْبَرِ الْأَدْوِيَةِ وَالْمُفَرِّحَاتِ وَالْأَغْذِيَةِ الَّتِي لَا تُلَائِمُ إِلَّا الْقُلُوبَ الصَّحِيحَةَ . وَأَمَّا الْقُلُوبُ الْعَلِيلَةُ ، فَهِيَ كَالْأَبْدَانِ لَا تُنَاسِبُهَا إِلَّا الْأَغْذِيَةُ الْفَاضِلَةُ .
nindex.php?page=treesubj&link=24589فَالصَّلَاةُ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَدَفْعِ مَفَاسِدِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَهِيَ مَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ ، وَدَافِعَةٌ لِأَدْوَاءِ الْقُلُوبِ ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ ، وَمُنَوِّرَةٌ لِلْقَلْبِ ، وَمُبَيِّضَةٌ لِلْوَجْهِ ، وَمُنَشِّطَةٌ لِلْجَوَارِحِ وَالنَّفْسِ ، وَجَالِبَةٌ لِلرِّزْقِ ، وَدَافِعَةٌ لِلظُّلْمِ ، وَنَاصِرَةٌ لِلْمَظْلُومِ ، وَقَامِعَةٌ لِأَخْلَاطِ الشَّهَوَاتِ ، وَحَافِظَةٌ لِلنِّعْمَةِ ، وَدَافِعَةٌ لِلنِّقْمَةِ ، وَمُنْزِلَةٌ لِلرَّحْمَةِ ، وَكَاشِفَةٌ لِلْغُمَّةِ ، وَنَافِعَةٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَوْجَاعِ الْبَطْنِ .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ
مجاهد عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002725رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا نَائِمٌ أَشْكُو مِنْ وَجَعِ بَطْنِي فَقَالَ لِي : " يَا nindex.php?page=showalam&ids=3أَبَا هُرَيْرَةَ أَشِكَمَتْ دَرْدْ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : " قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شِفَاءً ) .
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ
لمجاهد ، وَهُوَ أَشْبَهُ . وَمَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ بِالْفَارِسِيِّ : أَيُوجِعُكَ بَطْنُكَ ؟ .
فَإِنْ لَمْ يَنْشَرِحْ صَدْرُ زِنْدِيقِ الْأَطِبَّاءِ بِهَذَا الْعِلَاجِ ، فَيُخَاطَبَ بِصِنَاعَةِ الطِّبِّ ، وَيُقَالَ لَهُ الصَّلَاةُ رِيَاضَةُ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا ، إِذْ كَانَتْ تَشْتَمِلُ عَلَى حَرَكَاتٍ وَأَوْضَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ : مِنَ الِانْتِصَابِ ، وَالرُّكُوعِ ، وَالسُّجُودِ ، وَالتَّوَرُّكِ ، وَالِانْتِقَالَاتِ ، وَغَيْرِهَا ، مِنَ الْأَوْضَاعِ الَّتِي يَتَحَرَّكُ مَعَهَا أَكْثَرُ الْمَفَاصِلِ ، وَيَنْغَمِزُ مَعَهَا أَكْثَرُ الْأَعْضَاءِ
[ ص: 193 ] الْبَاطِنَةِ كَالْمَعِدَةِ وَالْأَمْعَاءِ وَسَائِرِ آلَاتِ النَّفْسِ وَالْغِذَاءِ فَمَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الْحَرَكَاتِ تَقْوِيَةٌ وَتَحْلِيلٌ لِلْمَوَادِّ وَلَا سِيَّمَا بِوَاسِطَةِ قُوَّةِ النَّفْسِ ، وَانْشِرَاحِهَا فِي الصَّلَاةِ ، فَتَقْوَى الطَّبِيعَةُ ، فَيَنْدَفِعُ الْأَلَمُ ، وَلَكِنْ دَاءُ الزَّنْدَقَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ ، وَالتَّعَوُّضِ عَنْهُ بِالْإِلْحَادِ دَاءٌ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ ، إِلَّا نَارٌ تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=7862تَأْثِيرُ الْجِهَادِ فِي دَفْعِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ فَأَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْوِجْدَانِ ، فَإِنَّ النَّفْسَ مَتَى تَرَكَتْ صَائِلَ الْبَاطِلِ وَصَوْلَتَهُ وَاسْتِيلَاءَهُ اشْتَدَّ هَمُّهَا ، وَغَمُّهَا ، وَكَرْبُهَا ، وَخَوْفُهَا ، فَإِذَا جَاهَدَتْهُ لِلَّهِ أَبْدَلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فَرَحًا وَنَشَاطًا وَقُوَّةً كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=14قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=15وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) [ التَّوْبَةِ : 14 ، 15 ] فَلَا شَيْءَ أَذْهَبُ لِجَوَى الْقَلْبِ وَغَمِّهِ وَهَمِّهِ وَحُزْنِهِ مِنَ الْجِهَادِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=24582تَأْثِيرُ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " فِي دَفْعِ هَذَا الدَّاءِ فَلِمَا فِيهَا مِنْ كَمَالِ التَّفْوِيضِ ، وَالتَّبَرِّي مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ ، إِلَّا بِهِ وَتَسْلِيمِ الْأَمْرِ كُلِّهِ لَهُ ، وَعَدَمِ مُنَازَعَتِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ، وَعُمُومُ ذَلِكَ لِكُلِّ تَحَوُّلٍ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ ، وَالسُّفْلِيِّ ، وَالْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ التَّحَوُّلِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِاللَّهِ ، وَحْدَهُ فَلَا يَقُومُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ شَيْءٌ . وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ إِنَّهُ مَا يَنْزِلُ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهَا إِلَّا بِلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَلَهَا تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي طَرْدِ الشَّيْطَانِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .